خدعة شفيق
بقلم : محمد سيف الدولة
07:59 PM
إن الذين يريدون إعطاء شفيق اضطرارًا وخوفًا من سيطرة الإخوان على الدولة، فاتهم وغاب عنهم أن رئيس الجمهورية القادم، لن يكون له ذات صلاحيات مبارك، ليس فقط بسبب تقليص هذه الصلاحيات فى الدستور الجديد، ولكن لأن الدولة القديمة بكل هيمنتها وهيلمانها لن تتخلى بسهولة عن صلاحياتها الشاملة والمتغلغلة لأى رئيس جمهورية من القوى الجديدة المرتبطة بالثورة سواء كان مرسى أو حمدين أو أبو الفتوح.
وستعمل منذ اللحظات الأولى على إبقاء منصبه شرفيًا وتقليص سلطاته إلى أبعد الحدود والحيلولة دون تمكينه من الحكم الفعلى، ووضع كل أنواع العقبات أمامه وتجريد قراراته من أى قوة تنفيذية.. وسيضطر الرئيس المنتخب أن يصارع لسنوات طويلة جنبًا إلى جنب مع باقى القوى الوطنية لإنجاح الثورة وانتزاع كل السلطات والصلاحيات، التى سيتضمنها الدستور الجديد.
أما فى حالة نجاح أحمد شفيق، لا قدر الله، فسيلتحق فورًا بمؤسسة الدولة خادمًا أمينًا مطيعًا، كما كان على الدوام، ليشغل ويملأ جزءًا من الفراغ الذى خلا بسقوط مبارك، جنبًا إلى جنب مع المجلس العسكرى وشركاه.
إن كل المكاسب التى حققتها الثورة فى الميدان والبرلمان وحتى لو فازت بمنصب الرئيس، كل هذه مجتمعة لن تملك من أمر مصر إلا القليل الذى قد لا يتعدى نسبته 10% من حجم القوة والسلطة، التى ستظل تملكها وتسيطر عليها وتتحكم فيها الدولة القديمة لسنوات قادمة.
• وللتذكرة فإن الدولة القديمة تسيطر على القوات المسلحة والشرطة وكل أجهزة الأمن بكل تنويعاتها، وهى التى تتحكم فى الحالة الأمنية انضباطًا أو انفلاتًا وفق الحاجة.
• والدولة تحتكر ملفات العلاقات الخارجية، وعلى رأسها العلاقات مع الولايات المتحدة بكل ما فيه من معونات عسكرية ومناورات مشتركة وتنسيق أمنى وتسهيلات لوجيستية، والتى ستستطيع من خلالها أن تضغط بقوة على صناع القرار المنتخبين من القوى الجديدة، ويكفى أن نتوقف أمام دلالة أن الكونجرس قد اعتمد بالفعل منذ بضعة شهور المعونات العسكرية لمصر، ولم ينتظر نتيجة انتخابات الرئاسة لإدراكه من سيكون الحاكم الفعلى لمصر.
• وكذلك ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، الذى ستسيطر عليه عبر أجهزتها المعنية التقليدية وستحاول دائمًا أن تستخدمه كفزاعة لتطويع إرادة الرئيس والبرلمان.
• وستستمر أيضًا فى السيطرة على ملف العلاقات المصرية الخليجية والسعودية، وما يتضمنه من ملايين المصريين العاملين هناك، والذى سيمثل سلاحًا قويًا وفعالا فى الضغط والترويض، وهو السلاح الذى ذقنا مرارته فى أزمة الجيزاوى الأخيرة.
• وأيضًا من خلال التحالف مع شبكة رؤوس الأموال الأجنبية والمصرية بقيادة صندوق النقد الدولى، والتى يمكنها من الضغط بأزمات اقتصادية مفتعلة.
• ناهيك عن نفوذ الدولة العميق فى المؤسسات القضائية، الذى ظهر بوضوح فى أزمة المتهمين الأمريكان وفى التحقيقات مع مبارك ومحاكمته وفى القيادات الحالية لنادى القضاة وغيرها.
• كما أنها متغلغلة فى الإعلام والتعليم والبنوك والأزهر والأوقاف والمحليات والأحزاب السياسية، ولها جيوش من الكتاب والفنانين والصحفيين والمرشدين فى كل مكان، بالإضافة إلى الآلاف من كبار الموظفين ونوابهم ومساعديهم وصبيانهم فى كافة مؤسسات الدولة.
• وهى تحتفظ بكل مفاتيح وأسرار الثروات القومية والعامة والخاصة، وتمتلك ملفات الملايين من المصريين، التى تستخدمها دائمًا للضغط والتهديد والتجنيد.
• إنها غابات وشبكات معقدة وكثيفة من العلاقات والمصالح والأشخاص والمؤسسات والمعلومات التى ستعمل مجتمعة على الاحتفاظ بالنظام القديم وتفريغ الثورة من مضامينها، وإنهاك الحكام الجدد وإفشالهم كمقدمة للتخلص منهم بمباركة شعبية كاملة.
***
لكل ما سبق وغيره الكثير يجب أن ندرك بوضوح أن خيارنا الحالى ليس بين دولة دينية وأخرى عسكرية أو بين المطرقة والسندان أو بين المر والأمر منه، إلى آخر كل هذه الثنائيات الخادعة، التى انتشرت مؤخرا فى الأحاديث الإعلامية والسياسية.
بل إن الخيار الحقيقى الآن هو بين مقدرة المصريين بكل تناقضاتهم على التوحد من أجل إسقاط شفيق خليفة مبارك، ثم العمل على تمكين الثورة ممثلة فى رئيسها وبرلمانها وميادينها فى معارك طويلة قادمة.. وبين التنازل عن الثورة والاستسلام للدولة القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق