الأحد، 24 مارس 2013


الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في تغييرات المشهد السعودي اليوم


هل السعودية بمنأى عن رياح "الربيع العربي"

الباحثة كريل مورفي تتحدث عن الوعي السياسي للشباب السعودي في الوقت الراهن وقدرته مستقبلا على المساهمة في تشكيل السياسات في المملكة سواء عن طريق التحديات التي يفرضها أو مطالبته بالمشاركة في صنع القرار. 

منصف الخروبي

لعدة أيام من شهر آذار- مارس 2012 لفتت طالبات جامعة الملك خالد في مدينة أبها جنوب غرب السعودية انتباه مواطنيهن والمؤسسات الإخبارية في العالم. قاطعت الطالبات الدروس وقمن بمظاهرة تعبيرا عن الضجر من رداءة الظروف في المركّب الجامعي للبنات والقيود المفروضة على الدخول إلى الانترنت. 

وألهمت هذه الأعمال الطلاب الذكور التابعين لنفس الجامعة للقيام باحتجاجات تضامنية وطالبوا بوضع حد للفساد في الإدارة وبأساتذة أكثر كفاءة وطرد العميد الذي رأى الطلاب أنه غير أهل لمنصبه بسبب شخصيته المنغلقة والبيروقراطية.

عند انتشار أخبار الأحداث دهش الملاحظون من أنه في بلد تعيش النساء فيه تحت مجموعة من القيود والفصل التام بين الجنسين كانت الشابات هن من أشعلن فتيل الاحتجاجات. وأمام الحركات الشبابية في عدة بلدان عربية أخرى تحدت علنا الحكومات المتسلطة مما أدى إلى حد ذلك الوقت إلى إسقاط أربع منها، تساءل المعلقون إن كانت أبها هي الفصل الأول من "الصحوة العربية" الخاصة بالمملكة.

ومثلما تبين فيما بعد حفزت احتجاجات جامعة الملك خالد عدة تظاهرات في جامعات سعودية أخرى لكنها كانت سريعة. وفي النهاية لم تهز المملكة حركة شبابية ثورية تعم كامل البلاد، بالرغم من أن المملكة لها الظروف المواتية ديمغرافيا لمثل تلك الحركة حيث تمثل نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين سنة 64 بالمئة من السكان البالغ عددهم 19.4 مليون نسمة.

هناك أسباب كثيرة تجعل المملكة العربية السعودية -الملَكية المطلقة- تتفادى انشقاقا سياسيا ضخما ضمن شبابها. أولا الشباب السعوديون مرفهون ماديا مقارنة بالشباب في عدة بلدان عربية أخرى ولا يعانون من الفقر المدقع مثلما هو الحال في مصر واليمن وتونس وسوريا. ومن المؤكد أنه ليس كل السعوديين أغنياء لكن لديهم أنظمة تغطية اجتماعية قوية توفرها الحكومة والعائلات الموسعة الكبيرة.

وثانيا خصصت الحكومة للشباب 130 مليار دولار من المنافع تم الإعلان عنها في شهر شباط/ فبراير 2011. وتتضمن هذه الحزمة من المنافع أول برنامج لمنح البطالة في المملكة. وبعد عدة أشهر أطلقت الحكومة برنامجا تمت الدعاية له بشكل واسع يهدف إلى معالجة بطالة الشباب عبر تخفيض عدد العمال الأجانب وبذلك إحداث شغورات للباحثين عن العمل من السعوديين. 

إضافة إلى ذلك لمحت الحكومة إلى أنها مستعدة للاستماع إلى شكاويهم، فمثلا تحرك المسؤولون في عدة مركبات جامعية بسرعة لمقابلة الطلبة عند ظهور أول بوادر الغضب للاستماع إليهم والنظر في مطالبهم حتى لا تكتسب أي عملية احتجاجية مفعول كرة الثلج فتكبر وتنتشر، ومن ذلك أن تم استبدال العميد في أبها في شهر آب/ يوليو بعد لقاء قادة الاحتجاج لمناقشة مطالبهم.
كما عمدت الحكومة –إلى حد الآن على الأقل- إلى اتخاذ موقف متسامح مع الانتقادات اللاذعة التي تتلقاها عبر تويتر خاصة من الشباب السعودي، وهو ما أتاح للناس متنفسا واضحا لغضبهم. 

زد على ذلك لا يشجع المجتمع السعودي الشباب لاتباع أندادهم من العرب للنزول إلى الشارع بسبب رفضه للمعارضة السياسية العلنية، فالبلاد ليست لها تقاليد مقاومة شعبية أو عصيان مدني ويتعلم المواطنون أن يعبروا عن نقدهم لزعمائهم عبر القنوات الخصوصية. كما تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الشباب السعوديين معجبون بالملك عبد الله بن عبد العزيز ويرون أنه حاكم سخي، ومن ثم يعتبر الكثير منهم من غير المناسب تحدي حكومته.

من خلال حوارات الكاتبة مع الشباب خلال جولتها في المملكة عبّر هؤلاء عن إعجابهم بالمحتجين الشبان في مصر وتونس واليمن لكنهم لا يرون حاجة إلى اتباع طريقتهم لأنهم ما زالوا يأملون في قيام العائلة المالكة بإصلاحات سياسية من تلقاء نفسها وتقاسم السلطة مع الشعب السعودي. والشباب السعودي يؤمن بالتطور وليس الثورة، فضلا على أن قطاعا كبيرا منهم لا يعتنون بالسياسة ولا يرون حاجة إلى الإصلاح ويرضون بالوضع الراهن طالما واصلت الدولة توزيع المنافع المالية وحافظت على الهوية الوطنية الإسلامية.

إذن إلى حد الآن يبدو أنه لا يوجد تهديد كبير من الجماهير الشبابية لحكم آل سعود، والحكومة السعودية لا تواجه جيلا من شباب في العشرينات من أعمارهم غاضبين ومتمردين. وبذلك هل من المفترض أن يطمئن بال الحكومة؟ ليس بالضرورة. 

إن الأمم تدخل عهودا فارقة دون جلبة ولا يلاحظ تسلسل الأحداث إلا بعد سنوات، والمملكة العربية السعودية قد دخلت ذلك العهد، وهو عهد سيساهم الشباب في تحديده بشكل متزايد. وزيادة على أن الشباب يمثل غالبية السكان في المملكة، تمثل الفئة العمرية بين سن 13 و17 أكبر نسبة مئوية من السكان "12 بالمئة". وقريبا سيدخل هؤلاء الشباب الجامعات وسوق العمل وهم لا يستطيعون التخلي عن الانترنت وسيزدادون ارتباطا بها وتأثرا بثقافة معولمة أكثر من أقاربهم الأكبر منهم. 

وستزداد مطالبهم للحصول على فرص عمل وترفيه وسكن في المتناول ومن ثم ستتكثف التحديات المادية أمام الحكومة.
وكذلك سيحصل نفس الشيء بالنسبة إلى التحديات السياسية، فبالرغم من اتخاذ كثير من الشباب موقفا غير مسيّس هناك شريحة هامة من الشباب المهتمين بالسياسة ويرغبون في المشاركة في كيفية حكمهم والكثير منهم يفضلون ملًكية دستورية. وكسب هؤلاء الشباب الشجاعة من الصحوة العربية التي ساهمت في رفع وعيهم السياسي واستعداد الناس للمطالبة بما يرونه من حقهم.

هناك ثلاث مسائل حساسة ستؤثر في الموقف السياسي المستقبلي للشباب السعودي حسب تعامل الحكومة معها. إحداها تزايد الغضب بسبب الآلاف من المساجين الموقوفين لعدة سنوات دون محاكمة. وتم اعتقال معظمهم في إطار محاولة الحكومة التصدي لهجمات القاعدة بين سنتي 2003 و2006، وتدعي الحكومة أنهم جميعا متعاطفون مع القاعدة. وحتى المحاكمات التي أجريت لبعضهم لم تكن مفتوحة للعموم وهذه السرية تؤجج نار الغضب لدى الشباب وخاصة المنتمين إلى وسط ديني محافظ.

المسالة الثانية الخطيرة هي تنامي الغضب لدى الشباب الشيعي في المحافظة الشرقية فهم يشعرون بالاغتراب والرفض من قبل أقرانهم السنة وليس لديهم أمل كبير في تحسن وضعهم. وربما بسبب التمييز الذي يعانون منه والرفض الذي يشعرون به اكتسب الشباب الشيعة وعيا سياسيا أكثر تطورا من أقرانهم السنة. كما أنهم لا ينفرون من المعارضة العلنية وكانوا قد قاموا بمظاهرات منتظمة خلال السنتين الماضيتين كان بعضها عنيفا. وبالرغم من أن الشباب الشيعة ليسوا على استعداد الآن لثورة عنيفة فقد أصبحوا أكثر عرضة لأولئك الذين يهدفون لإذكاء التوترات الطائفية. 

وأخيرا بينما يتضخم عدد الشباب في سن العشرينات إلى أكبر نسبة على الإطلاق في السنوات القليلة القادمة ستمر السعودية بمرحلة حاسمة تتمثل في الانتقال من الجيل القديم للعائلة المالكة إلى الجيل الموالي. إن الملك عبد الله وولي العهد الأمير سلمان كلاهما مريض، وستثير وفاتهما مسألة من سيكون أول ملك من الجيل الموالي، ويخشى الكثير من الشباب أن تخرج الصراعات داخل العائلة المالكة عن السيطرة وتعرض وحدة المملكة إلى الخطر. 
العقد القادم سيكون عهدا مضطربا وصعبا بشكل تدريجي بالنسبة إلى الحكومة السعودية وهي تحاول الاستجابة لطموحات شبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 
إن الشباب السعودي اليوم تحت تأثير قوى خارجة عن سيطرة الحكومة مثل العولمة والثورة المعلوماتية والتعرض المتزايد للثقافات الأخرى وارتفاع المستويات التعليمية. ونظرا لأعدادهم الضخمة ينتظر أن تكون لهم تأثيرات هائلة على المملكة بطرق مختلفة على مستويات اقتصادية واجتماعية ودينية وتعليمية وترفيهية وحتى سياسية.

ومن المؤكد أن هذا الشباب سيكون حاسما في تقرير مسألة قدرة المملكة على التحول إلى اقتصاد تنافسي ومرتبط بالعالم ومجتمع ديناميكي وخلاق في القرن الواحد والعشرين المعقد والمضطرب. ومن البديهي أن التحول سيتطلب منح الشباب السعودي قدرا من الحرية الفكرية أكبر بكثير مما يتمتعون به الآن حتى يتمكنوا من الخلق والإبداع.

الدراسة نشرها مركز ولدرو ويلسن في إطار برنامج الشرق الأوسط في شهر شباط – فبراير 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger