الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

ان الاسماء لاتسكنها العفاريت فاخشاها... اننى اخشى او لااخشى ذلك الذى تسميه تلك الاسماء اذا وجدت فى المسمى ما اخشاه ...

عين - فتحة- عا 

بقلم : الدكتور ذكى نجيب محمود 
   1984/12/17  
الاهرام ص 13 

معذرة اذا كنت قد اخترت لهذا الحديث عنوانا يعود بالذاكرة الى عهد الكتاتيب ولكن ...
عذرى فى اختياره مع كل ما فيه من خروج على المألوف هو كثرة مايدور بيننا اليوم من احاديث غاضبة عن العلمانية- هجوما ودفاعا- وسواء أكان المتحدث مهاجما ام كان مدافعا فكلاهما ينطق اللفظة مكسورة العين وكأنها منسوبة الى ( العلم) مع ان حقيقتها هى العين المفتوحة نسبة الى ( العالم) الذى نقضى فيه حياتنا الدنيا ولو كان المخطئون هم من ابناء هذا الجيل فقط لقلت انها جهالة تضاف الى جهالات لكن موضع العجب هو انى سمعت رجالا من المع الرجال الذين هم فى الحقيقة ممن ينتسبون الى الجيل الماضى وقد امتد بهم الاجل ليقطعوا شوطا من مرحلة هذا الجيل -مد الله فى اعمارهم وبارك لهم فى ايامهم- ولست ادرى كيف جاز لهم الوقوع فى خطأ كهذا وكلنا يعرف ان جيلنا الماضى كان على كثير جدا من صحوة الضمير العلمى الذى يدفع اصحابه الى المراجعة والتثبت من صحة مايقولونه او يكتبونه او قل ان رجال الجيل الماضى كان لهم من تلك الصفات قدر ملحوظ وبينهم وبين ابناء هذا الجيل فى ذلك مسافة من السبق لاتخطئها عين كما انها تستوقف الانتباه لتعليل حدوثها .
ولقد ورد فى القاموس الوسيط الذى اخرجه مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن كلمة علمانية ( الجذء الثانى ص630) مايلى :العلمانى نسبة الى العلم (بفتح العين وسكون اللام)بمعنى العالم وهو خلاف الدينى او الكهنوتى .
ولو كان الفرق فى المعنى بين ان تكون العلمانية مكسورة العين  او مفتوحة العين فرقا يسيرا يمكن تجاهله لقلنا انه خطأ لاينتج ضرراً كبيراً ولكن الفرق بين الصورتين فى نطق الكلمة فرق لايستهان به مما يستوجب الوقوف والمراجعة .
اننى كلما قرأت لكاتب فى هذه الايام كتب ليهاجم العلمانية ...وهو يشتعل بالغضب ...ارانى دون قصد منى قد تذكرت قصة قصيرة لسومرست موم خلاصتها:
ان شابا من هواة الفن فى بلد ما كان شديد الاعجاب بفنان اسبانى حتى لقد قرر السفر الى اسبانيا ليلتقى به فلما وصل الى حيث يعيش الفنان وعرف سبيله الى مسكنه ضغط على زر الجرس وفتح له الباب ...فقال للخادم الذى فتح له الباب:لقدجئت للقاء سيدك فأدخله الخادم واجلسه فى غرفة استقبال الزائرين وكان من مجلسه ذاك يستطيع رؤية الهابط على سلم الدار من طابقها الاعلى الى طابقها الارضى ،فلما ان رأى السيد على درجات السلم ...رأئ شيخا وقورا ابيضت لحيته...ودبت فى جسده شيخوخة واضحة المعالم فاخذ الشاب يتفرسه بنظراته من بعيد، هامسا لنفسه مايؤكد له بأن هذا الوقار كله وتلك الجبهة العريضة الوضاحة الوضاءة، وشعره الابيض الطويل الذى تهتز زوائبه على عنقه وفوديه كلها تدل على ان ذلك الفن الرفيع الرائع الذى عرفه له وهو هناك فى بلده لابد ان ينضح به مثل هذا الجلال الوقور والهدوء الساكن والحكمة التى ينطق بها كل ما اراه فى هذا الرجل حتى اذا ما التقيا وتلاقت كفاهما بالتحية وجلسا فى صمت دقيقة او دقيقتين،قال الشاب للشيخ:كم تملؤنى السعادة اذ ارانى جالسا فى حضرة فلان الفنان العبقرى العظيم فأجابه الشيخ فى هدوء : لقد اخطأت العنوان يا ولدى ففلان الفنان يسكن فى البيت المجاور لبيتى .
وهكذا كلما قرات لكاتب فى هذه الايام يهاجم العلمانية اذ تكون فى ظنه مكسرة العين منسوبة الى العلم تمنيت لو انى رأيت ذلك الكاتب جالسا امامى لاقول له شيئا يشبه ما قاله ذلك الشيخ للزائر الشاب:لقد اخطأت الطريق يا صاحبى فالذى تسدد اليه سهامك ليس هو العدو الذى ظننته ولكن بينه وبينه فارقا صغيرا فى الملامح كبيرا فى حساب الحقائق فهذا الذى تهاجمه مكسور العين وعدوك الحقيقى مفتوحها...كان ذلك الخلط بين صديق وعدو ...هو عذرى فى اختيار العنوان لعله يشد القارئ فيرهف الاذن ويفتح العين .
وماهى العلمانية بفتح العين؟
لااظن ان لهذه الكلمة وجودا فى اللغة العربية قبل عصرنا الحديث ولكنها كلمة ترجمنا بها -فى عصرنا-كلمة مقابلة لها فى اللغات الاوربية والكلمة هناك لها عند القوم اهمية وتاريخ، على عكس الحال عندنا فقد كان ينبغى الاتكون لها اهمية .وهى بحكم الواقع ليس لها عندنا تاريخ اما اهميتها وتاريخها هناك فلآن عصورهم الوسطى ( التى هى الفترة الواقعة بين القرنين الخامس والخامس عشر من التاريخ الميلادى) شهدت لرجال الدين سلطانا رفعوا به مثلا اعلى امام الناس. يتمثل فى حياة الرهبان فالزهد فى الدنيا لا الاقبال عليها هو ماينبغى للانسان الكامل ان يهتدى به وذلك لان عقيدتهم تسمح لهم بأن يفصلوا بين الارض والسماء، بين الدنيا والاّخرة ،وفى الاولى تكون السيادة لقيصر وفى الثانية يكون الامر لله. ولما كان الغض من الدنيا وقيمتها ينتهى بالضرورة الى اهمالها اهمالا يخف به وزنها فى اعين الناس وبالتالى تقل الرغبة فيما يؤدى الى الارتقاء بشئون الحياه فيها ، فلايكون علم ولايكون عمل،اذا جاز لنا مثل هذا التعميم الجارف ،فكان من ابرز ما تميزت به النهضة الاوربية التى نفرت لتقضى على هذا الوخم كله ...ان هب الناس وكأنهم ارادوا ان يعبوا الحياة النابضة فى اجوافهم عباً لم يتركوا طريقا للمغامرة الا سلكوه فى نشاط محموم فمنهم من اقلع بالسفن فى بحار الظلمات ليكشف عنها ظلماتها ومنهم من اخترق افاق الارض اليابسة التى كانت تتناثر الى مسامعهم اخبارها دون ان يروها وكأنها ارض يراها النائمون فى احلامهم ومنهم العلماء الذين اتجهوا بأبصارهم نحو السماء يتعقبون اجرامها فى مسالكها بل ومنهم الفلاسفة الذين اصروا على ان يغوصوا بتأملاتهم فى طبيعة الانسان ذاتها ليروا ذلك العقل المتستر فى عظام الجمجمة كيف يعمل وتلك المشاعر كيف تسرى رعشاتها فى الجوانح ،فنتج عن هذا كله بعث هو الذى خلق لهم اوروبا الحديثة كما نعرفها . ومن هنا ارتفعت صيحة (العلمانية) كأنها تقول :عليكم بهذا العالم ! عليكم بهذا العالم! لاتهملوه!
فما لنا نحن بهذا كله وليس فى عقيدتنا ما يدعونا الى اهمال هذا العالم ؟ بل العكس هو الصحيح فقد امرنا بأن نحتفل بالدنيا وكأننا نعيش فيها ابداً وان نعمل للاّخرة كأننا منتقلون اليها غداً...مالنا نحن بهذا كله والدنيا فى عقيدتنا انها الفرصة التى اتيحت لنا ليبلونا الله تعالى فيها اينا احسن عملا...ان صيغة الحياة للأوروبى فى عصوره الوسطى يمكن ايجازها كما يلى:
اما الدنيا واما الاّخرة ولا اجتماع بينها فمدينة الارض شئ مبتور الصلة بمديمة السماء واما صيغة الحياة عندنا فيمكن ايجازها فيما يأتى :
لابد للحياة الدنيا ان تمارس على ان تظل الاّخرة هدفا اسمى ...فكلتاهما خير ...ولكن الاّخرة خير وابقى ...والاّخرة خير من الاولى...فهل هناك اذن فى حياتنا وعقيدتنا ما يدعو الى صيحة تقول :عليكم بهذا العالم فلاتهملوه ...فأذا كنا قد رأينا انفسنا وقد اهملناه بالفعل وغفونا عنه فأخذ منا الضعف والهزال والفقر والجهل ...حتى امسك الطغاة برقابنا ...فأن ذلك لم يكن ناشئا عن عقيدة تحول بيننا وبين وبين هذا العالم بل كان لاسباب حضارية وهذه الاسباب هى التى يجب ان نقلعها من ارضنا اقتلاعاً.
تلك هى العلمانية...
التى لم تكن تحتاج منا الا ان نفتح لها العين فاذا هى جذء من حياتنا ومقوم جوهرى من مقومات تاريخنا فى فترات عزه ومجده فمن الذى يحاربه اولئك الذين ركبوا جيادهم وحملوا قسيهم ورماحهم ليقاتلوا (العلمانية)حتى يقتلوها...ايحاربون عصر الرشيد والمأمون الذى نشطت فيه الحياة الدنيا بقوة نبضها والتى هى فى الوقت نفسه الزهرة الحضارية الثقافية التى نشير اليها حين نريد ان نقول للناس : انظروا كيف ازدهرنا؟
ولست ابالى اذا كان فى صدور الدعاة الى العلمانية (بفتح العين)فى ايامنا غل يخفونه وراء ستارها لانهم اذا كانوا كذلك فلنحاربهم فى اشخاصهم ولا نحارب الدعوة الى الاهتمام بالعالم لان هذا العالم هو مسرح العمل والنشاط وموطن الحضارات والا فأين تريدوننا ان نقيم للحضارة على ارضنا قائمة؟
واذا كانت مقاومة من يقاوم العلمانية بفتح عينها مصيبة فالمصيبة اعظم فيمن يقاومونها بكسر العين لان عينها اذا كسرت كانت الاشارة عندئذ الى العلم والى الحياة التى تقيمها العلوم...فهل يرضيكم ايها السادة ان نزرع ارضنا بغير علم وان ندير مصانعنا بغير علم وان ننشئ مدارسنا وجامعاتنا لغير العلم وان نعد عدتنا العسكرية بغير علم هل يرضيكم ايها السادة ان نمحو اسماء العلماء من تاريخنا فلا يكون فيهم بعد اليوم جابر بن حيان ولا الخوارزمى ولا ابن الهيثم ولاابن النفيس واذا رأيتم فى هؤلاء وامثالهم مواضع فخر لنا لانهم رجال اقاموا للعلم قوائمه فلماذا لاتريدون لاحفادهم المعاصرين ان يعيدوا سيرتهم الاولى؟ لا ...محال ان يكون هذا ما تبتغونه ومحال ان تكون سهامكم موجهة الى العلم فى حياتنا واذن فلماذا يبقى للعلمانية اذا كسرت عينها لتحاربوه .
ومرة ثانية اقول اننى لاابالى ان يكون فى صدور الدعاة الى العلمانية بكسر عينها شر مكتوم يريدون به حياتنا الدينية على افتراض جاهل منهم بانه اذا كان علم فلا دين!
فقد ذهبت عن الناس غفلة استبدت بهم حينا طويلا من الدهر -فى بلادنا وفى بلاد الغرب كذلك- حين لعب الشيطان بعقولهم فأوهمهم الا مصالحة بين علم ودين ، فأذا قام احدهما غاب الاّخر ،ذهبت عن الناس هذه الغفوة لان الانسان انسان بعلمه ودينه معا وارجع الى كتاب الله الكريم والى حديث رسوله عليه افضل الصلاة والسلام وانظر فى كم موضع يأتى الحض على العلم بل اننا لنعرف ذلك جيدا ونعيده ونكرره فيما نكتبه ونذيعه فى الناس ...فقل لى بالله من ذا الذى يحاربونه اولئك الذين يحاربون العلمانية وهى مكسورة العين ،على اننى اود ان اضيف هنا انه لاوجود فى لغتنا -قديمها وحديثها معا- لهذه الكلمة فدورانها على الاقلام اذن هو وهم يضاف الى وهم ليكتنف حياتنا وهم مركب.
ان الحياة الفكرية كما عاشها اسلافنا كان معظمها يدور حول محور نعرفه جميعا ونردده جميعا ونعلمه لطلابنا ونتحدث عنه فى محاضراتنا ونعرضه فى مؤلفاتنا -وذلك المحور هو محاولة التوفيق بين العقل والنقل-كما كان يقال -اما العقل فكان المراد به هو ماورد فى الفلسفة اليونانية التى نقلوا الجذء الاكبر منها الى اللغة العربية واما النقل فكان المراد به قريبا جدا مما نطلق عليه اليوم اسم التراث ولكن اهم ما كانوا يقصدون اليه فى المنقول هو الشريعة .
فكان السؤال عندهم هو هذا :هل هنالك تعارض بين ماجاء به فى شريعة الاسلام من جهة وماورد فى الفلسفة اليونانية من جهة اخرى ولم يكونوا ليجيبوا عن سؤالهم هذا اجابة عشوائية بل جاءت اجابتهم -او قل اجابة الكثرة الغالبة منهم- هى انه نتيجة دراسة تحليلية دقيقة وخلاصتها هى انه لاتفاوض بين الطرفين فما تقوله الشريعة بلغتها هو هو نفسه ماتقوله الفلسفة اليونانية بلغتها ،اعنى ان الشريعة والفلسفة قد تضع كل منهما ما ارادت ان تقوله فى مفاهيم تتناسب مع سياقها لكننا اذا ما حللنا تلك المفاهيم عند هذه وعند تلك وجدنا الحق واحدا بينهما ولا غرابة فالحق لايتعدد.

فاذا اردنا اليوم ان نصنع فى حياتنا الفكرية صنيع اسلافنا فكيف يكون ذلك ؟ الاجابة عندى واضحة وضوح الشمس الساطعة وهى ان تدور حياتنا الفكرية على المحور نفسه الذى دارت عليه حياة اسلافنا واعنى النظر فى موروثنا نظرة الدارس الفاحص وان ننظر فيما عند الثقافات الاخرى لاسيما ما يكون منها عند صناع الحضارة الحديثة فى عصرنا نظرة الدارس الفاحص كذلك لنرى كيف يكون التوفيق بين الطرفين اذا كان هذا التوفيق ممكنا ...وحيثما وجدناه ممكنا ...ان اوربا بالنسبة الى اسلافنا كانت هى اليونان القديمة وثقافة اوربا فى ذلك العهد ايضا كانت هى ماعرفه اهل اليونان من فلسفة وعلم (وكان لهم ادبهم لكن العرب غضوا عنه النظر) فهل يتغير الموقف فى جوهره ...اذا كانت اوربا قد مدت اجنحتها عبر الاطلسى ليصبح الغرب هو اوربا وامريكا معا ثم اذا كان لهذا الغرب فى صورته الجديدة علوم ظهرت فى صورة جديدة تغاير علوم اليونان الاقدمين واذا كان له فلسفة حديثة قد لاتكون شبيهة كل الشبه بفلسفةاليونان الاقدمين لست اظن ان شيئا فى الموقف مأخوذا بجوهره قد تغير واذن يكون انتهاجنا نهج اسلافنا هو ان نلتمس صيغة ثقافية جديدة نجمع فيها رحيقا الى رحيق فى اناء واحد.
فاذا كان هذا الجمع بين الرحيقين هو نفسه ما يطلقون عليه اسم العلمانية بعين مفتوحة فأهلا بها واذا كان ما يسمونه بهذا الاسم بعين مكسورة فمرحبا بها ان الاسماء لاتسكنها العفاريت فاخشاها... اننى اخشى او لااخشى ذلك الذى تسميه تلك الاسماء اذا وجدت فى المسمى ما اخشاه ...فهل اخشى ان يكون هذا العالم الجديد موضوعا لاهتمامى فى علومه وفى اّدابه وفى فنونه وفى كثير من نظمه ان حياة الحى هى ان يتفاعل مع ما يحيط به اخذا وعطاءا فما الذى يخيفنى من العلمانية فتحت عينها او كسرت انه بفتحها تكون دعوة الى الاهتمام بعالمنا الذى نعيش فيه وبكسرها تكون دعوة الى العلم وكلتا الدعوتين معلنتان فى عقيدة الاسلام وشريعته.
لست الزم احدا بأن يستعين فى حياته الفكرية بالعادات التى نشأت انا عليها فى حياتى الفكرية ووجدت فيها عونا كبيرا فى زيادة الوضوح وحسن الفهم ومن تلك العادات ان اطالب نفسى اذا وجدتنى امام فكرة فيها بعض الغموض بالبحث عن شخص بعينه يجسد تلك الفكرة المراد توضيحها وكثيرا ما اوفق فى ذلك فتتحول الفكرة المجردة الى انسان  معين اعرفه واعرف خصائصه ومميزاته فينزاح عن الفكرة المجردة تجريدها وعن الفكرة الغامضة غموضها فمن الذى اراه-ياترى-يجسد لنا بشخصه المتعين ذلك الضرب من اللقاء الثقافى بين تراثنا ومنتجات عصرنا فى دنيا الفكر؟
ان اول من يرد الى خاطرى كلما القيت على نفسى هذا السؤال هو طه حسين فالى جانب مؤلفاته ذات القيمة الكبرى ارى فى شخصه ماهو اهم منها فيما نحن الاّن بصدد الحديث فيه واعنى بذلك طريقته فى الجمع بين موروثنا وروح العصر اما موروثنا فلا اظن احدا يجادل فى سعة المامه بذلك الموروث الماما فيه الدقة وفيه الفهم واما روح العصر فظاهر فى منهجه وفى رؤيته وتصوره ...والاّن فلنعد الى موضوعنا لنسأل :
هل كان طه حسين (علمانيا)بفتح العين او بكسرها من الناحية التى يراها المهاجمون بلاء يشين من صاحبه انه رجل كان موفور الحظ فى العلم وشديد الميل الى التفاعل مع عالمه فهل تدرجه هاتان الصفتان فيما يراه المتشنجون حقيقا بأن يقاوم حتى يزول .
واسوق مثلا اّخر لرجل جمع فى شخصه الحسنيين وربما كان ابعد من طه حسين عن اثارة القلق وهو الشيخ مصطفى عبد الرازق فهو الاّخر يلم بالموروث ألماما يجعل ذلك الموروث على اطراف اصابعه وهو فى الوقت نفسه يحيط بأهم مادار فى عقول علماء الغرب فى ميدان تخصصه وهو لم يضع هذا الى جانب ذاك كما نضع مصوغات الذهب الى جوار مصوغات الفضة فى صندوق ...بل مزج الجانبين فى نفسه وتكون له من المزيج منهج ورؤية وتصور فهل هذه الوقفة المتزنة تدرجه فى (علمانية)مفتوحة العين او مكسورتها بالمعنى السئ الذى يهاجمه المهاجمون ...اننى حقا وصدقا لاادرى ولقد انبأنى من انبأنى ان كاتبا مصريا من هؤلاء (المجاهدين)فى صحيفة عربية اعنى صحيفة مما يصدر فى بلاد الخليج فقال عنى اننى واحد من هؤلاء( العلمانيين)وليتنى اسمع منه ما يواجهنى الى موضع الخطأ منى لاصححه ، اهو لاننى الممت بأطراف من موروثنا وبأطراف من نتاج العصر ومزجت الجانبين معا فى صيغة واحدة لو كان الامر كذلك اذن فهو تشريف لا استحقه ومكانة لاادعيها.
اننا اذا عدنا بالذاكرة الى المناخ الفكرى فى عصورهم الوسطى لرأينا ان النموذج المجسد الذى يوضح ذلك المناخ والذى كان هو نفسه النموذج الذى جائت به نهضة اوروبا لتطيح به وتقيم مكانه نموذجا اّخر هو الراهب الزاهد ومن هنا انبثقت الدعوة عند النهضة الى ( علمانية ) تفتح الاّفاق واسعة لينفتح للناس امل فى مستقبل جديد وحدث بالفعل ان انبثق للأوروبيين فى نهضتهم نموذج بشرى اّخر هو الذى وضعناه فيما اسلفناه ...وقد يدهش الاخوة المهاجمون لما يسمونه بالعلمانية اذا عرفوا ان ذلك النموذج الجديد الذى ولدته النهضة الاوروبية ليحل محل الراهب الزاهد كان اهم ما يتميز به فى بناء ثقافته الجديدة العودة الى الادب الكلاسى عند اليونان الاقدميين والعجيب الذى يلفت النظر هو انهم اعتبروا احياء الادب الكلاسى ذاك( رومانسية) تثير الخيال فى مبدعاتهم الجديدة فالعلمانى بالمعنى الذى عرفه  اصحابه لايعنى التنكر للموروث بل العكس هو الصواب لان احياء ذلك الموروث يتضمن عدة معان يكون العلمانى علمانيا بها... فهنالك جانب الانتماء وهناك جانب الخروج من صوامع الرهبان.

ليس كل ما قدمته اليك هنا دفاع عن احد ولا هجوم على احد ...ليس فيه تشيع لمذهب وتنكر لمذهب ...وانما قصدت هدف واحد هو ان يكون المدافعون عن ( العلمانية) بيننا والمهاجمون لها اكثر حرصا على ان يتثبتوا ليعلموا عن اى شئ يدافعون او يهاجمون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger