الاثنين، 4 أبريل 2011

الطغاة لا ينتصرون



جمال سلطان (المصريون) 04-04-2011

لم يكن مفاجئا لي أبدا أن تتسرب التقارير من الصحافة "الإسرائيلية" عن الدعم الكبير الذي وجهته شخصيات عسكرية واستخبارية "إسرائيلية" للعقيد القذافي من أجل إنقاذه من ثورة شعبه ، والجهود التي بذلتها سفارات الكيان في دول أفريقية وفي البلقان من أجل جلب المرتزقة لحماية نظام القذافي من السقوط ، والزيارات التي قام بها نجل القذافي إلى "تل أبيب" في الساعات الأخيرة قبل فرض الحصار الجوي من أجل تحفيز الجهود لإنقاذ نظام "العصابة" التي يمثله القذافي وأنجاله ، لأن قناعتي منذ وقت طويل أن نظام القذافي يمثل أحد مظلات الحماية المعنوية لإسرائيل ، ليس فقط في طاقات التدمير والتصدع التي يمارسها في أي محفل عربي أو موقف عربي مهم ، وإنما أيضا في التعاون الاستخباراتي الواسع بين أجهزته والموساد في عواصم عربية وأوربية ، ولعل واقعة اغتيال الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس وزعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بعد أن قدمه القذافي لخلية الموساد على طبق من ذهب في مالطا ، حيث كان قد منحه جواز سفر ليبي باسم مستعار لا يعرفه حتى قيادات حركته ، لعلها تكشف تفاصيل مروعة في هذا الملف عندما تحكى القصة بتمامها .

والحقيقة أن لعبة المتاجرة الإعلامية بالعداء للصهاينة والصمود والتصدي التي يلعب بها كثيرا النظم المستبدة والدموية ، مثل نظام القذافي ونظام البعث السوري ، لتغطية قمعها لشعوبها ونهب ثروات بلادها والثراء الفاحش للأسر الجمهورية الحاكمة وإفقار الشعوب وتدمير طاقات الإبداع والعطاء فيها وحرمانها من مجرد التفكير في شيء اسمه الحرية أو الكرامة أو العدل ، هذه اللعبة بدأت تتآكل مؤخرا بعد انكشاف بعض خلفيات الخطوط المفتوحة بين نفس هذه النظم وبين الكيان الصهيوني ، حتى وصلنا إلى حد أن نقرأ في صحافة العدو أن "إسرائيل" تصلي من أجل أن يحفظ "الرب" بشار الأسد ونظامه .

لم يذكر لنا التاريخ الحديث أبدا أن طاغية أو مستبدا حقق النصر في مواجهات من أي نوع ، ولم يذكر لنا التاريخ أن طاغية أو مستبدا حقق لشعبه الكرامة والمجد ، بل حكى التاريخ أن الطغاة والمستبدين كانوا عنوان الهزيمة وسببها وجوهرها لأممهم وشعوبهم ، وأن الحاكم الذي يهزم شعبه يستحيل أن ينتصر على شعوب أخرى أو دول أخرى ، وأن الطغاة لم يورثوا شعوبهم إلا الخراب والبؤس ، ولم تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار والتوسع إلا في ظل حماية نظم قمعية مستبدة تتاجر بالصمود وتشنف آذان العرب على مدار عشرات السنين بتحرير القدس دون أن يذكر لنا التاريخ أنها أطلقت رصاصة واحدة تجاه العدو .

الحدث التاريخي الوحيد الذي نجح في تسجيله القذافي الذي حول ليبيا إلى حظيرة يرتع فيها هو وأبناؤه الذين جعل أحدهم حاكما على المال والآخر على الجيش والثالث على الاستخبارات والرابع على الشؤون الداخلية بما فيها "دور المعارضة"!! والخامس على الإعلام والسادسة على المرأة والأسرة وما يلحق بها ، الحدث الوحيد الذي سجلوه للتاريخ هو ترحيب الغالبية الكاسحة من العرب والمسلمين للتدخل الغربي المسلح لإنقاذ الشعب الليبي من مذابح هذه العصابة ، بعد أن ظل الملايين يشاهدون عربدة القذافي وكتائبه ضد الشعب الأعزل دون أن يملك أحدنا أي قدرة على إنقاذ هذا الشعب المسكين سوى أن نذرف الدموع ونصب اللعنات على القذافي وأبنائه ، وما إن بدأ القصف الجوي على قواته وعصابته حتى تنفسنا الصعداء وحمدنا الله ، وعندما شاهدنا أرتال المدرعات وحاملات الصواريخ والدبابات التي كانت تحتشد على مداخل "بني غازي" لاقتحامها بعد أن وعد ابن القذافي أن ينهي الأمور كلها خلال ثمان وأربعين ساعة ، عرفنا كيف أن القصف الجوي ليلتها أنقذ مئات الآلاف من سكان العاصمة الثانية للبلاد من مذبحة رهيبة كان يعتزم القتلة ارتكابها ضد سكان المدينة التي انتفضت من أجل الحرية .

خطب القذافي كثيرا قبل أن يدخل الجحر ، وقال أن الغربيين أتوا للسيطرة على نفط ليبيا ، وكأن نفط ليبيا كان يرسله القذافي إلى بوركينا فاسو والكونغو ، وليس إلى هذا الغرب نفسه ، وهلوس بالحديث عن "الصليبيين الجدد" في نفس الوقت الذي كان يقول لهم فيه "لقد جحدتم خدماتي الكثيرة التي قدمتها لكم من قبل" ، ولم يجرؤ "الخائن" على أن يبوح بما هي هذه الخدمات التي قدمها "للصليبيين" المزعومين من قبل ، ولكن الأيام ستكشفها بكل تأكيد .

معاناة الشعب الليبي تمثل الوجه الأكثر دموية في موجة التحرر العربي التاريخية الحالية ، ومشهد قصف دبابات القذافي وصواريخه ومدفعيته الثقيلة يوميا لمدينة مصراته الصابرة التي يحاصر شعبها من جميع الجهات منذ أكثر من شهر ويدمر فيها البيوت والمساجد ويقتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد ، لكي يجبر أهلها على الاستسلام لطغيانه وجبروته وتحطيم أشواقهم للحرية ، هذا المشهد الذي أصبح مادة إعلامية يومية ، عزز من قناعة الملايين بأهمية التدخل الدولي ، طالما عجز العرب ـ مع الأسف ـ عن حماية الليبيين من هذا النزق الجنوني والقتل الجماعي وحمام الدم المتواصل ، بل وصل الحال إلى حد أن نتساءل بضيق كبير : لماذا تأخرت طائرات التحالف عن قصف دبابات القذافي حول مصراته .

almesryoongamal@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger