الأحد، 5 يونيو 2011

نخبة "فيها أو أخفيها

بقلم:

معتز بالله عبد الفتاح

الجريمة الكبرى التي ارتكبها القائمون على التعديلات الدستورية أنهم كانوا ثمانية فقط. ولو أردنا بحق أن نوقف سيل الانتقادات التي تنال من التعديلات الدستورية حتى الآن، لكان ينبغي أن يكون عدد أعضاء هذه اللجنة ثمانين حتى لو خرجت بنفس النتيجة مع فارق واحد وهو... أن عدد المنتقدين سيقل وفقا للقاعدة الشهيرة

"فيها أو أخفيها."

الحقيقة أنا لا يوجد عندي ثقة كبيرة في من يضعهم الإعلام في دائرة "النخبة" مع يقيني بأن هناك أناسا محترمين للغاية كأفراد. فمثلا ذهب بعض المحللين إلى أنه كان من الأفضل بدلا من الانتخابات لمجلسي الشعب والشورى ولرئيس الجمهورية أن يكون لدينا مجلسا رئاسيا من ثلاثة أو خمسة أشخاص يديرون البلد لمدة عام بدون مجلسي شعب وشورى.

عندي سؤال: أعطوني أسماء خمسة مصريين من "النخبة" يمكن لهم أن يجتمعوا على شيء لمدة يومين متتاليين.

والخبرة المباشرة تساعدنا على فهم هذا المأزق الذي أرادوا أن يضعونا فيه. في يوم من الأيام خرج علينا حزب جديد أشعل حماسي أنا شخصيا وربما حماس كثيرين تحت اسم حزب الجبهة الديمقراطية فيه عدد من الأسماء اللامعة التي طالما نظر إليها المرء بكل تقدير واحترام. وكان المفترض أن يكون هؤلاء هم الأكثر ليبرالية (أي تسامحا) بحكم انتمائهم للتيار الليبرالي. وكدت أن أكتب عنه مقالا صحفيا لأشجع الناس على اتخاذه منبرا للتعبير عن معارضتهم لنظام مبارك. ولم يمر سوى بضعة أشهر لأجد الحزب ينفجر من الداخل وتصل المسألة لدرجة الاتهامات الشخصية في أناس هم بحق الأكثر ليبرالية كأشخاص، ولكنهم حين اجتمعوا اختفت الليبرالية ثم تشظى الحزب ولم يبق منه إلا قليل.

ولماذا نذهب بعيدا؟ هل تتذكرون الصور التي التقطت لعدد من أفاضل النخبة المصرية مجتمعة حول الدكتور البرادعي حينما جاء لمصر في مطلع العام الماضي؟ وكان هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل بأن يجتمع هؤلاء حول رمز مصري نابه، ولكنه هو نفسه لاحقا أوضح أنه وجد أن بعضا من أعضاء هذه النخبة كانت لها حساباتها الشخصية وهو ما دفعه للرهان على الشباب كما قال. ولم يعد بعضهم يقبل حتى أن يجتمعوا معه أو مع بعضهم بعضا.

سؤالي: هل هذه هي النخبة التي كنا نريد لها منفردة (وبلا أي رقابة مؤسسية من أي جهة أخرى) أن تدير شئون مصر؟ بصراحة، وبكل الحرص على هذا الوطن، الأمور أخطر من أن تترك في يد النخبة وحدها، والتي أعتقد أنها ناجحة كنخبة "ضد" أي كنخبة قادرة على أن "تعارض" بمنطق "خلقنا لنعترض." أما حين يكون الأمر مرتبطا بتقديم بدائل متماسكة وعملية بشأن مستقبل الوطن، فنجد أن المنطق السائد "فيها أو أخفيها."

ومن عجب أن بعضا ممن انتقدوا التعديلات الأخيرة لأنها "ترقيع" للدستور كانوا أعضاء في اللجنة التي اختارها مبارك قبل التنحي "لترقيع" الدستور. والآن وبعد أن انتهى تعديل الدستور، وتم الإعلان الدستوري دون موافقتهم، فالمهمة العاجلة بل الوحيدة هو الهجوم عليه بمنطق "فيها أو أخفيها."

من حق كل صاحب رأي أن يعبر عنه، ولكن لا تضعوا الوطن رهنا بحلم الاتفاق بين أفراد نخبة ليس مشهورا عنها أنها تتفق إلا على "الضد."

مبارك نزع الأمل من المصريين، ونخبتنا تنزع الفرحة منهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger