الثلاثاء، 5 يوليو 2011

فك طلاسم الثورة المضادة(3ـ3)



صــلاح الامــام (المصريون) 05-07-2011

مهندس يقال بأنه استشارى عالمى، يملأ الدنيا ضجيجا هذه الأيام، يقول كل يوم ما ينسخ ما قاله بالأمس، وكل ساعة يطلق تصريحا ناريا كأنه قنبلة ذرية، يدعى الوطنية رغم انه عاش عمره كله خارج مصر، وكان أحد عملاء المباحث الناشطين خلال مظاهرات الطلبة عام 1968، بشهادة زملائه أبطال هذه المظاهرات.

المهندس الوطنى الثورجى الهمام، يلتصق به صحفى فاشل، مكث فى كلية الإعلام 13 سنة حتى تخرج فيها نهاية الثمانينيات، بدعاء الوالدين، وأراد خلال الفترة الماضية أن يغتصب منصب رئاسة تحرير إحدى الصحف الحزبية.

عرفت زميلنا (الصحفى) هذا فى منتصف الثمانينيات، جمعنا العمل سويا فى إحدى الصحف التى كانت واعدة، ثم أغلقتها حكومة مبارك، وشردت من يعملون فيها عام 1988، استضافنى ذات مرة فى مسكنه، فهو من إحدى مدن شمال الدلتا، ووجدته يسكن مع زميل له مع إحدى السيدات، كانت هى صاحبة الشقة، والإثنان يسكنان فى غرفة منها، والسيدة المذكورة كانت راقصة سابقة أفنت عمرها كله فى هز وسطها حتى انتهت صلاحيته.

كان المقابل الذى يدفعه هذا الزميل ورفيقه لصاحبة الشقة، زجاجة بيرة كل يوم، وسيجارة حشيش، ورفيقه هذا أصبح الآن سينارست شهير جدا، وله عشرات المسلسلات من تأليفه.

دارت الأيام، وإذا بزميلى القديم هو المستشار السياسى والإعلامى للمهندس الشهير، وعلمت أنه مرتبط به كظله، شاهدتهما خلال الصيف الماضى فى أحد المصايف، يجلسان بليل على طرف الشاطىء، يحتسيان أنواعا فخمة من الخمور والمزات، ومعهما بعض من فتيات الشواطىء، يقال عنهن مُزز !!.

دار حوار قصير بينى وبين زميلى السابق، ذكرته فيه بالأيام التى كان يحتسى فيها منقوع البراطيش، ثم قلت له: لمَوا المتعوس على خايب الرجا، وتركته.

الباشمهندس العالمى، حينما هب طلبة الجامعات عام 1968 ضد تهاون عبدالناصر فى محاكمة قادة الطيران الذين تسببوا فى هزيمة 67 وعرضوا أنفسهم للسجن والتشريد، مضحين بكل شىء فى سبيل بلدهم، كان هو متفرغا لكتابة التقارير عنهم للأمن، وكان يشاركه فى ذلك اثنان أصبحا علمين بعد ذلك، فكلاهما صار محافظا وهما فى الثلاثينيات من عمرهما، أحدهما انتهت خدمته فى السجن، والثانى شغل منصبا وزاريا بعد بقائه محافظا لأكثر من 15 سنة، أما هو فقد ترك مصر إلى أوربا، وعاش بها سنوات عمره، ثم عاد يتدثر بعباءة الزعامة، وها هو يحرض الناس على التظاهر، ويطالب بالدستور أولا أو حمل السلاح (!!)، رغم أن معرفته وخبرته بالعمل السياسى لاتزيد شيئا عن بائعى البطاطا المشوية فى الأحياء الشعبية، اللهم إذا اعتبرنا كتابة التقارير للمباحث عملا سياسيا، ومع ذلك فقد صار بقدرة قادر نجما فى الفضائيات المشبوهة، وبات منظرا وفقيها دستوريا، وزعيما وثرجيا، ومثله كثيرون خرجوا من جحورهم هذه الأيام، مثلما تخرج الصراصير من البالوعات إذا رأت الضوء.

كل حوادث التاريخ الهامة، يكتنفها الغموض حال وقوعها، ومع مرور الزمن تتضح أبعاد الصورة جيدا، ويمكن بوضوح رؤية ما خفى منها وأنت بداخلها، وما يحدث فى مصر منذ سقوط نظام حسنى مبارك يوم 11 فبراير 2011، يشكل مجموعة ألغاز كبيرة، تزداد غموضا كل يوم، فلقد خرج الشعب فى البداية يطالب بعدد من الإصلاحات، وأمام تعنت النظام ارتفع سقف هذه المطالب بشكل عفوى، وحينما أقدم النظام على إطلاق الرصاص وسالت دماء المتظاهرين قتلى بالمئات وجرحى بالآلاف، فقد النظام شرعيته، وأصبح هناك "دم" فى القضية، وتحولت إلى ثأر بين الشعب والنظام، وانتصر الشعب، فأسقط النظام الفاسد بكل رموزه، ووقف الجيش سندا للشعب فى مطالبه المشروعة، وبدأت مرحلة جديدة.

كانت الصورة فى بدايتها مبهرة، بهرت العالم كله بشرقه وغربه، لكن فى لحظة غفلة، تسلل فيروس خطير إلى اللحمة الثورية وتغلغل فى أنسجتها، وتمكن من تقطيع هذه اللحمة وتفتيتها، وتمخض المشهد الثورى الرائع عن مئات من الشراذم .. والأحزاب .. والإئتلافات .. ثم وجدنا أن هذه الشراذم التى لا تضم سوى عشرات قد لا تكمل الخمسين فردا، قادرة على صناعة رأى عام، فعندها أموال تطبع بها المطبوعات الفخمة، وتدشن بها مواقع خاصة على الإنترنت، بل وتصدر صحفا، وجميع الفضائيات مفتوحة أمامهم بلا أى قيود.

ثمة عامل مشترك واحد يربط بين هذه الشراذم، أنها تعادى بشدة التيار الإسلامى، وتعلم أنه لو تمت انتخابات من أى نوع سوف يصل الإسلاميون إلى السلطة، وهذا ما يرعبهم، فلو أنهم يعلمون أن لهم قاعدة شعبية تمكنهم من الحصول على أى نسبة معقولة فى أى انتخابات لكانوا طالبوا بإجراء الإنتخابات فورا، لكن الإنتخابات ستكشفهم، ووصول الإسلاميين إلى الحكم سوف يضر بهم، لكنه كما أنه يسبب أرقا للقوى الغربية، التى اعتبرت الإسلام هو عدوها الأوحد، فجميع متبعى الديانات والملل والنحل سواء كانت سماوية أو وثنية متفقة على أن الإسلام هو الخطر الذى يهدد وجودهم، ومن أجل التصدى لهذا الخطر أنشأت منظمات ومعاهد وأكاديميات ترصد وتبحث وتخطط لمواجهة هذا الخطر.

الفيروس الذى ضرب جسم اللحمة الوطنية لثورة يناير، جاء من المراكز البحثية لهذه القوى، جاء عبر تحويلات بنكية لم تعد خافية على أحد، ودورات تدريبية تتم فى العلن، وانتشر فى أجواء مصر عبر فضائيات يمتلكها مجموعة من رجال البيزنس الذين نهبوا مصر خلال العهد الفاسد، والذين يعلمون أن لو تمت انتخابات سوف تسفر عن حكومة نزيهة، ستقوم فورا بفتح ملفاتهم المحفوظة وتسيل منها دماء المصريين التى امتصوها.

آخر معارك هذه الفيروسات ماحدث مساء يوم الثلاثاء 28 يونيو الماضى بمسرح البالون، ثم تطور الأمر فى خلال دقائق، فاتسعت مساحة المصادمات، ونصبت خلا دقائق الخيام، وكانت الخيام هذه المرة مختلفة عن خيام الثوار، فقد كانت الخيام أيام الثورة تقام ببطاطين أو ملايات قديمة بالية، أما خيام هذه المرة فكانت من النوع الفاخر، فهل كان الذين نصبوها يحتفظون بها فى منازلهم على سبيل التذكار؟ أو ذهبوا وقت الأحداث التى وقعت منتصف ليل الثلاثاء ـ بعد إغلاق المحلات أبوابها ـ واشتروها؟، من أين آتت هذه الخيام خلال هذا الزمن القصير؟، إنها جزء من خطط مجهزة ومعدة مسبقا.

تفسير هذه المواقف سوف نجدها على لسان شاهد من أهلها، إنه المواطن فتحى عبدالحواد، والد أحد الشهداء، وأحد الذين شاركوا فى الإعتصامات، قال فى حديث لـ "بوابة الأهرام الإلكترونية" بتاريخ أول يوليو الجارى ما قد يفك طلاسم هذه المؤامرة، وأنقل هنا ما قاله الرجل حرفيا:

"أنا كنت متواجداً ضمن أهالى الشهداء فى ماسبيرو من يوم الجمعة الماضية ثم بدأنا نشعر بأن هناك شيئاً غير طبيعى يحدث حيث قام بعض الشباب المجهولين بسرقة صور وبوسترات الشهداء التى كنا نعلقها عند ماسبيرو، ثم فوجئنا بعدها بيومين باتصال من شخص مجهول، يطالبنى أنا وغيرى من أسر الشهداء بالحضور عند مسرح البالون مساء يوم الأربعاء، دون أن نعرف هوية هذا الشخص الذى اكتشفنا بعد ذلك أنه كان يخدعنا، ثم ذهب بعض الأهالى للمسرح، وحدث ما حدث، لكن مع ذلك فإن عددا كبيرا من الذين كانوا متواجدين أمام المسرح لا ينتمون لأهالى الشهداء الذين عرفتهم وعاشرتهم، حيث جمعتنا المصائب، ومع ذلك كانوا يحملون بوسترات الشهداء دون أن يكون هؤلاء الشباب أبنائهم أو حتى أقاربهم أصلاً، وهذا يؤكد أنه كان هناك مخطط باستخدام أهالى الشهداء".

إذن هناك تنظيم عميل وخائن يدير هذه الأعمال التخريبية، وهو جزء من عملية كبرى، حيث يسير فى اتجاهه ضيوف الفضائيات المشبوهة، وأقلام الصحف العميلة، ويقوم على تنفيذه بجانب الخلايا المستترة، عدد من وجهاء السياسة، الذين نراهم صباح مساء على الشاشات، ينبحون مطالبين بتأجيل الإنتخابات، أو مد الفترة الإنتقالية للحكم العسكرى، أو إعداد الدستور أولا، وهو آمر لو تم فى غيبة البرلمان قد يشعل فى مصر حربا أهلية .. فهل عرفنا من هم رؤوس الفتنة؟؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger