الثلاثاء، 12 يوليو 2011

الإسلام في أوروبا بعد "الربيع العربي"

الإسلام في أوروبا بعد "الربيع العربي"


الإسلام اليوم / خاص 12-07-2011

بعد ما يُعْرف بـ"الربيع العربي"، واندلاع الثورات في معظم الدول العربية، باحثةً عن الحرية وإسقاط الاستبداد، أو وفق ما صار مشهورًا "الشعب يريد إسقاط النظام". أصبح السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا عن وضعية الإسلام والمسلمين في دول الغرب، وخاصة في دول أوروبا؟

الواقع يجيب بأنَّ هناك تغيرًا كبيرًا يحمله الأفق القريب في هذه العلاقة؛ إذ إنَّ أوروبا ستجد نفسها مدفوعة بقوة للتعامل بمقتضى الحال، وفق ما طرأ على العالم العربي من تغيير لموازين القوى، وتغيير خريطة اللعبة السياسية.

علاوةً على ذلك، فإنَّ أوروبا ترغب في تحقيق مصالحها وفق السيناريوهات الجديدة للمنطقة العربية، وانعكاسات ذلك على أوضاع المسلمين في الغرب بشكلٍ عامٍّ، وفي أوروبا بشكل خاصٍّ.

وفي محاضرته حول"المسلمون في الغرب.. دروس مستفادة" يؤكّد الكاتب الإسلامي البريطاني إدريس توفيق أن الثورة المصرية، وغيرها من الثورات العربية، ستكون فارقةً في رؤية الغرب للإسلام، وأنها لاقت بالفعل صدى جيدًا في الغرب وبدأت في دفع الغرب إلى مراجعة نظرته للإسلام.

ويعرب توفيق عن سعادته بتواجده في ندوة بمصر يحضرها الشباب، خاصة وأنّه كان عائدًا لتَوِّه من مؤتمرٍ عقد في بروكسل ببلجيكا عن الشباب المسلم في أوروبا؛ حيث كان صدى الثورة المصرية حاضرًا، مشيرًا إلى أنه تحدث في هذا المؤتمر عن قيمة دماء الشهداء وتضحياتهم التي أسْهَمت في استعادة مصر للمصريين.

ويوضِّح توفيق، وهو قسٌّ كاثوليكي سابق قبل اعتناقه الإسلام، أنّه "إذا تحدثنا عن الإسلام والغرب، فإننا نتناول موضوعين متوازيين؛ الأول هو الإسلام والغرب بما تَحْمِله تلك العلاقة من صراع، والثاني هو المسلمون في الغرب".

وفيما يتعلق بالموضوع الأول، يشدّد على أن رؤية الغربيين للإسلام ليست واحدة؛ إذ يمكن تقسيمهم إلى أربع مجموعات بالنسبة لعلاقتهم بالإسلام. وتتمثل المجموعة الأولى في الكارهين للإسلام، وهم فئة قليلة للغاية، وقد لمس هذه الفئات من خلال مشاهداته المباشرة ومشاركته في عدد من المحافل والمناظرات في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، كما استمع إلى شهادات الكثير من المسلمين في الغرب عن حوادث الكراهية التي يتعرضون لها.

وتنحصر المجموعة الثانية في السياسيين اليمينيين الذين يبحثون عن خصم محلي لتحقيق مكاسب سياسية على حسابه، والمثال الأبرز على ذلك قضية المآذن السويسرية التي أرادَت بعض الأحزاب اليمينية إجراء استفتاء حول منع بنائها من أجل تحقيق مكاسب سياسية من خلال إثارة قضية المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتِي الكثير منهم من تركيا والبلقان. وينوّه توفيق إلى أن الوضع نفسه تَمّ بخصوص قضية النقاب في فرنسا، رغم أن السيدات المنتقبات لا يتعدَّى عددهن هناك 2000 امرأة.

ويقول توفيق: إن الفئة الثالثة تتمثّل في الإعلاميين والصحفيين الباحثين عن الإثارة، والتي أدّت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة إلى جعل أخبار المسلمين الأكثر إثارةً في الصحافة الغربية، وأن هذه الفترة وما تلاها شهدت موجةَ انتقادٍ صريحٍ أو ضمني للإسلام وربطه بالإرهاب واضطهاد الأقليات والمرأة.

ويتابع: إنَّ الفئة الأخيرة التي تمثّل الأغلبية السائدة في الغرب هم الذين لا يعلمون شيئًا عن الإسلام، أو لديهم أفكار بسيطة مغلوطة عنه، مؤكدًا أنّه من الخطأ لوم هؤلاء على جهلهم بالإسلام، فواجب المسلمين الأول هو التعريف بدينهم باستخدام اللغة والمداخل التي يفهمها الغرب.

وتطرّق إدريس توفيق إلى الدور الهام الذي يلعبه المسلمون في الغرب، "حيث توجد نماذج مُشرّفة في التعايش مع محيطهم وتقديم صورة سمحة للإسلام، وأنهم الأقدر على التواصل مع مجتمعاتهم". وعرض في هذا الإطار نموذجًا لما قام به مسلمو أدنبرة في اسكتلندا والذين نجحوا من خلال المركز الإسلامي هناك في إقامة مهرجان لفنون العالم الإسلامي، "ليكون معرضًا موازيًا لمهرجان أدنبرة الدولي السنوي والذي يجتذب أعدادًا غفيرة من كافة أنحاء العالم، ويتم تقديم الإسلام في هذا المعرض من خلال الثقافة والفن الإسلامي، لا من خلال الحديث عن شعائر الدين. وقد أصبح مطعم المركز الإسلامي، الذي يقدم مأكولات محلية من مختلف بلدان العالم الإسلامي، من أشهر المطاعم في العاصمة الاسكتلندية خلال فترة المهرجان".

وينوّه توفيق إلى أنّ "المسلمين في أدنبرة شكلوا لجانًا لحماية المعبد اليهودي هناك من أي اعتداءات من الجمهور الغاضب من حرب إسرائيل على غزة عام 2008". وفي هذا الصدد، ينفي وجود ما يُسمّى بصراع الحضارات، قائلاً: إن "الصراع في الحقيقة هو بين الجهلة وغير المتحضرين، ملمحًا إلى أنه ناجم في جوهره عن الجهل بالآخر والخوف المبالغ فيه".

ويشير إلى أنَّ "الأزهر الشريف، بارتباطه بالنظام السابق فقَد الكثير من مصداقيته لدى جموع المسلمين، وتركّزت جهوده على تناول قضايا فرعية، مما أدّى إلى غياب دوره الفاعل الذي يجسِّد الإسلام المعتدل، وبالتالي كانت الغلبة لصوت التطرف"، مشددًا على "أهمية استعادة الأزهر لدوره في ظل ثورة 25 يناير التي ستسهم في نهضته ونهضة مصر وعودتها إلى ممارسة دورها القيادي في محيطها الإقليمي والدولي". كما لفت إلى "أهمية دور الشباب الذين قاموا بالثورة في تقديم نموذج مُشرِّف عن الإسلام".

ويوضح توفيق أنّ هناك أطرافًا داخل وخارج مصر تسعى إلى إحداث الفرقة والانقسام بين المسلمين وبعضهم وبين المسلمين والأقباط، داعيًا الشباب إلى حماية ثورتهم وألا يدعوها عرضة للسرقة من قبل هذه الأطراف. ورفض الإجابة على سؤال أحد الحضور حول رأيه في حكم الإخوان أو السلفيين لمصر، قائلاً: إن الغرب تدخل في السياسة المصرية قبل ثورة 25 يناير بصورة كبيرة، وبالتالِي "كغربي، لا أريد الإجابة على هذا السؤال، ولكن أقول إنّ المصريين يجب أن يكونوا جميعًا يدًا واحدةً في مواجهة من يحاول أن يفرّقهم".

يُذكَر أنّ إدريس توفيق حصل على شهادة في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة مانشستر، وشهادة في علم اللاهوت المقدس من جامعة القديس توما الأكويني في روما، كما رأس لسنوات قسم الدراسات الدينية في عدد من المدارس في إنجلترا وويلز، وله إسهامات كثيرة في مجال الحوار بين الأديان، إضافةً إلى أن لديه خبرةً في التدريس في مصر والمملكة المتحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger