الأربعاء، 20 يوليو 2011

ثورة عظيمة تحتاج إلى صبر



جمال سلطان (المصريون) 20-07-2011

أشعر بقلق حقيقي من المشاعر السلبية التي يتخذها قطاع كبير من المصريين تجاه فعاليات بعض الشباب المنتمي إلى ثورة يناير ، وقلقي الأكبر من المشاعر السلبية التي تجتاح الشباب الإسلامي تجاه الشباب الذي يعتصم في ميدان التحرير ، وفزع البعض من كثرة الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية ، وأتمنى أن يتم التعامل مع تلك المواقف المشتبكة بدقة شديدة وحكمة وبعد عن العصبية والانفعال ، أقول ذلك مع إيماني الكامل بأن الكثير من سلوكيات هؤلاء الشباب المتطرفة في ميدان التحرير وغيره تثير الغضب والاستياء الحقيقي ، وتشوه وجه الثورة ، وتسيء إلى صورتها أمام المصريين والعالم كله .

ليس من صالح الثورة ورسالتها أن يضعف بعضها بعضا ، وأن يفت بعضها في عضد البعض الآخر ، لأن كل طاقة في هذه الثورة تمثل قيمة دفع حقيقية للإصلاح والتحول التاريخي لمصر نحو الديمقراطية والعدالة والحرية ، مهما اختلفنا معها أو ساءنا تصرف بعض المنتمين إلى هذا التيار أو ذاك ، مصر بحاجة إلى طاقات كل أبنائها ، وعلى أبناء التيار الإسلامي بشكل خاص أن يدركوا أن رحمهم ، كقوة مدنية ، موصولة أساسا بتلك القوى المدنية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، وليست موصولة بالمؤسسة العسكرية ، مع كامل احترامنا بالطبع وتقديرنا للمؤسسة العسكرية التي أظهرت حكمة كبيرة ونزاهة وأمانة في إدارة المرحلة الانتقالية ، لا يقلل من أمانتها بعض التردد في المواقف أو البطء في الإجراءات ، لأن التركة ثقيلة ومفاجئة أيضا ، وأي قوة أخرى كانت ستتعرض لهذا الارتباك .

أقول ، إن التيار الإسلامي قوة مدنية للإصلاح والتنوير والدفاع عن العدالة والحريات وكرامة الإنسان ، إضافة إلى دفاعها عن هوية الوطن والشريعة الإسلامية بكل تأكيد ، وبالتالي فرسالتها أقرب إلى القوى المدنية منها إلى المؤسسة العسكرية ، ويدها ينبغي أن تكون متضامنة ومتشابكة مع القوى المدنية قبل أن تكون متضامنة مع المؤسسة العسكرية ، وأتمنى أن يكون هذا الأمر واضحا بما يكفي حتى لا نكرر أخطاء التاريخ ، وإذا كان هناك ما يسوء التيار الإسلامي من سلوكيات بعض القوى المدنية ، فإن الجهد يكون منصبا على منع تطرفها وتهميش المتطرفين فيها ، والحوار ضروري من أجل محاصرة نزعات التطرف والهوس في هذا التيار أو ذاك ، وليس الصدام مع التيار ذاته ، وغضبنا على بعض ما يحدث في ميدان التحرير هو غضب على المتطرفين هناك والمهاويس والفوضويين الذين أساءوا إلى الثورة بصبيانيتهم وتعمدهم إغلاق الميدان بل والتهديد بإغلاق مصالح عامة وجماهيرية بالقرب منه ، وليس غضبنا على كل من احتج أو تظاهر أو اعتصم في الميدان ، فلا ينبغي أن نجعل قلة متطرفة ومشبعة بالحماقة تتسبب في خسارتنا روح التضامن والتساند مع القطاعات المعتدلة في تلك القوى من أجل صالح الثورة واستمراريتها ، وهم موجودون قطعا في كل تيار .

في المرات القليلة التي أمر فيها على ميدان التحرير هذه الأيام أرى وجوها غير الوجوه التي كنا نعرفها في أيام الثورة ، الأشخاص غير الأشخاص ، ضوء ما في الوجوه اختفى ، أخلاقيات متسامية في السلوك تلاشت ، شباب يتشاجر مع ذباب وجهه كما يقولون ، أو يتشاجر مع المعتصمين بجواره من أجل تثبيت حبال الخيمة بزيادة شبر عن الممر مثلا ، ودع عنك السطحية الشديدة في الكلام والفكر والثقافة السياسية ، ويستحيل أن يكون هؤلاء هم أبناء الثورة ، والمدهش أن يبتز هؤلاء المتطرفون رموزا سياسية وصحفية بحيث يرهبونهم عن النقد أو الدعوة لإنقاذ الثورة ، رغم أن الجميع مدرك بأن الميدان أصبح ملوثا بهذا التطرف والتشنج والجهل السياسي المركب .

أيضا ألاحظ أن الثورة تخسر معنويا بصفة دائمة كلما ظهر شاب من المنتمين إليها للكلام عبر الفضائيات ، طريقة الكلام والعجرفة التي تشعرك أنك أمام "ماوتسي تونج" أو "هوشي منه" ، وليس أمام طالب جامعي شديد السطحية والسذاجة السياسية ، أو شخص عاطل عن العمل لم يسجل له التاريخ من النضال والتضحيات أكثر من وقوفه في الشارع أو الميدان عدة أيام ، ثم هو يشوح ويتعالم ويتمنظر ويحدد معالم الحكومة والوزارات المختلفة أمام الشاشات بصورة لا تدع للمشاهد أي مجال للتعاطف معه ، وكم تمنيت لو أن نلزم الفضائيات التي تأتي بهؤلاء الشباب أن تكتب تحت كل منهم أنه "يعبر عن نفسه وشخصه ولا يعبر عن الثورة المصرية" ، لأنهم فضيحة حقيقية للثورة وإهانة لها وإساءة وتشويه لأخلاقها ورسالتها .

على كل حال ، الثورة المصرية في جوهرها ما زالت بخير ، لأن روحها تسربت في نفوس الملايين من المصريين ، وفي حياتي لم أر المواطن المصري يشعر أنه صاحب قرار وصاحب إرادة وأنه قادر على إنفاذ إرادته إلا هذه الأيام ، ولم أر المصريين يتصرفون باعتبار أن هذا البلد ومؤسساته هو وطنهم إلا الآن ، فلا ننزعج من كثرة الاعتصامات أو التظاهرات أو التحركات في الشارع ، هذا شعب لم يذق حلاوة الحرية من عشرات السنين ، ولم ينعم بمعنى المواطنة من زمن طويل ، ولم يشعر يوما من الأيام بكرامته في تعامله مع أجهزة الدولة الأمنية أو الإدارية ، هذه توابع ثورة كبيرة في النفوس والمشاعر والوعي ، لا بد أن نصبر عليها ، وعلى توابعها ، وأن نجتهد في تهذيبها وإبعاد نزعات التطرف والانتهازية عنها ، وخبرة الحياة وانتظام المشروع الديمقراطي سيتيح لهذا الشعب الجميل أن يصحح سلوكه السياسي بنفسه ، وفي النهاية تستقيم الأمور ، وستزهر ربوع مصر كلها ، في السياسية والاقتصاد والدين والثقافة والمدنية ، كما لم تزهر من مئات السنين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger