الأحد، 20 نوفمبر 2011

لا لحصار سوريا.. لا لتدويل أزمتها

د. فايز رشيد

حصار عربي على سوريا... بهذا يمكن تلخيص ما جرى مؤخرا في الجامعة العربية حول هذا البلد العربي. الحصار في مضمونه وشكله يشبه الحصار الغربي- الأمريكي عليها فما يدور حالياً في المنطقة العربية شبيه بما جرى قبيل العدوان الأمريكي- الغربي على العراق، فمن التهديدات الإسرائيلية- الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني، إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة ودول الناتو بتكرار ما حصل في ليبيا على سوريا، فقرار الجامعة العربية "بتوفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة"، هذا القرار استكمله الأمين العام للجامعة نبيل العربي بتصريحات قال فيها: بأن الجامعة ستطلب حماية دولية للمدنيين السوريين.

العقوبات العربية لسوريا لم تقتصر على التدويل فقط، بل امتدت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، والاعتراف الرسمي بالمعارضة السورية كبديل للنظام، والتهديد بممارسة الحصارعليها... وفوق كل ذلك: تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وإمهالها أربعة أيام "فقط" لقبول "للانصياع" القرار العربي.

كنا نتمنى لو اتجهت الجامعة العربية فعليا لمحاولة الحل الموضوعي للأزمة السورية دون الاستعانة بالحماية الدولية، فتجربة كل من العراق وليبيا أثبتت وتثبت بما لا يقبل مجالاً للشك: أن الولايات المتحدة ودول الناتو لا تتدخل من أجل حماية المدنيين العرب، وإنما من أجل مصالحها ومن أجل قطف ثمار الثورات العربية، فمن يريد حماية المدنيين لا يدوس رقابهم ببساطير الجنود، كما كان المشهد في العراق، ولا يتسبب بقتل مئات المدنيين كما حدث ذلك في ليبيا، الولايات المتحدة ورغم انسحابها المقرر من العراق قبل نهاية العام الحالي، ستبقي قوات كبيرة لها في هذا البلد العربي تحت مسميات مختلفة، هذا عدا عن القواعد العسكرية المتبقية في العراق. في ليبيا حازت العواصم الغربية وبدعم من واشنطن وبمقاسمتها للحصص، على معظم صادرات النفط الليبي. هذه العواصم ليست حريصة على بناء الديمقراطية في أقطار العالم العربي، فالديمقراطية العربية لا تناسب هذه الدول، انطلاقاً من حرصها على الحليف الإسرائيلي.

نفهم أن هناك تعثرا في تطبيق بنود المبادرة العربية السابقة في سوريا، فالأزمة أكبر من إمكانية احتوائها ببضعة أيام، وسوريا قبلت المبادرة وقبلت بزيارة اللجنة الوزارية العربية لها مع من تريد اصطحابهم من منظمات حقوقية وإعلامية وإشرافية وغيرها، لكننا لا نفهم مطلقا "لأن من الصعب ذلك" اللجوء إلى الحصار العربي لسوريا وإلى تهديدها بالحل الدولي، الذي هو في الأساس حل أمريكي- غربي بفعل موازين القوى السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتحكم القطب الواحد في عالم اليوم.

لا يقبل مطلقا، عربيا، بالحل الأمني في التعامل مع الأزمة في أي بلد عربي وفي سوريا أيضا، فالحل الأمني كان فاشلاً ويظل فاشلاً وسيكون ويبقى فاشلاً. الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية هو الحوار والحوار فقط بين المعارضة بمعظم أطيافها والحكم في سوريا، حوار يقوم على قاعدة الاستجابة لمطالب الجماهير العربية السورية في الإصلاح والديمقراطية واحترام حرية الفرد وحقه في إبداء رأيه بنظام بلده السياسي، وما يجري فيه من تطورات بمختلف مناحيها من خلال انتخابات ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التزييف، وبإشراف لجنة من الجامعة العربية على هذه الانتخابات. في نفس السياق نود القول عن جزء من المعارضة السورية التي تطالب بتدخل أجنبي في دولتها، بأنها تقامر بمصير بلدها ولا تستحق أن يطلق عليها كلمة معارضة.

نعم، نرفض الحصار على سوريا، وندين تدويل الأزمة، لحساسية الظروف الراهنة أيضا انطلاقاً من: الأوضاع المتوترة في المنطقة بشكل عام، وانطلاقاً من حساسية الوضع السوري، وسوريا بلد مجاورلفلسطين المحتلة، وما تزال أجزاء من أرضها محتلة وهي هضبة الجولان من قبل العدو الصهيوني، الذي ضّم هذا الجزء من الأرض العربية السورية بقرار من الكنيست واعتبره أراضي إسرائيلية، ونعم، تبقى سوريا كما كانت، وستظل، دولة ممانعة للمخططات الأمريكية- الصهيونية- الغربية للهيمنة على المنطقة، وانطلاقاً أيضاً من حساسية الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني في هذه المرحلة تحديداً، وفي إسرائيل حكومة فاشية يمينية ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والحقوق الوطنية لسوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة.

منذ زمن تهدد إسرائيل بشن الحرب في المنطقة: إمّا على إيران أو على قطاع غزة أو على لبنان أو سوريا أو على كل هذه الأطراف مجتمعة، وذلك من أجل القضاء عل معسكر المقاومة والممانعة في المنطقة ونحن مع هذه القوى قلبا وقالبا.

انطلاقاً من كل هذه التقديرات والمواقف وانطلاقاً من العلاقات التحالفية العضوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ندعو إلى الحل السريع للأزمة في سوريا على قاعدة الحوار الديمقراطي وتحقيق الإصلاحات المرجوة وعدم التدخل في الشأن السوري ورفض التدويل، وبخاصة أيضا أن الــنوايا تتـجه لإنـشــاء منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، بما يعنيه ذلك من تهديد لوحدة الأراضي السورية، وهذه حلقة من حلقات المؤامرة التي تستهدف سوريا وطنا وشعبا وموقفا.

الولايات المتحدة ليست حريصة على حقوق الإنسان في العالم العربي لا في سوريا ولا في فلسطين ولا في غيرهما من الأقطار العربية، فبالأمس القريب كان مشهد صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، حين رحبّت واشنطن وكل العواصم الغربية بتحرير الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، وانزعجت واشنطن وحليفاتها الغربيات من تحرير الأسرى الفلسطينيين، واعتبرته مضراً بالسلام في المنطقة!

وبالأمس فقط وقفت الولايات المتحدة ضد قبول عضوية فلسطين في اليونسكو، ولما نجح القرار رغماً عن إرادتها، أوقفت مساعدتها السنوية لمنظمة اليونسكو. الولايات المتحدة تضغط أيضاً على العديد من دول العالم من أجل تغيير مواقفها من قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. بماذا يشي هذا؟ هذه المواقف تؤشر إلى: أن حقوق الإنسان العربي ليست أولوية بالنسبة لواشنطن وحليفاتها، بل الأولوية لمصالحها وإسرائيل. هذه المواقف تؤشر أيضاً إلى أن هذه الدول لا تحترم الديمقراطية، فلو كان العكس، لاحترمت واشنطن وحليفاتها قراراً صوتت عليه غالبية دول العالم، ولكن ازدواجية المقاييس هي شرع واشنطن!، وللأسف انتقلت هذه الازدواجية إلى الجامعة العربية فلم ولا ولن يجري التعامل مع النظام في البحرين ولا مع النظام اليمني بنفس مقياس التعامل مع النظام السوري.

بالتالي، فهل الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية حريصة على حقوق الإنسان في سوريا؟ لا نعتقد ذلك، ولتفهم جامعتنا العربية الموقرة، ذلك. تفاءلنا، وعكسنا الأمر كتابة، بمرحلة جديدة من عمل الجامعة بسبب من تسلم نبيل العربي لأمانتها العامة، ولكن فترة بسيطة مرت على تسلمه منصبه، أثبتت بما لا يقبل مجالا للشك، أن الجامعة ليست أكثر من حلقة لتهيئة الظروف والأجواء لتدويل بعض الأزمات العربية، كما يجري الآن مع سوريا!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger