الأربعاء، 8 فبراير 2012

كنيسة.. وحلم المدينة الفاضلة

الكنيسة.. وحلم المدينة الفاضلة

by Evan Evolution on Wednesday, 8 February 2012 at 08:40 ·
الكنيسة.. وحلم المدينة الفاضلة


في العقود الأخيرة، ومع تراجع دور الدولة بقوة في كافة المجالات، وإزدياد طغيانها السياسي الإقصائي لأي صوت معارض، وتدّني خدمات مؤسسات المجتمع المدني، وانهيار المنظومة القيميّة والفكريّة والثقافيّة في المجتمع، وحيرة الإنسان عن العثور عن مكان آمن يلجأ إليه لسدّ حاجاته الطبيعيّة والإجتماعيّة والسياسيّة التي عجزت الدولة، بقصد أو بدون قصد عن سدّها، وبدلا من الحلم بالمدينة الفاضلة المتخيّلة التي يأخذ كل مواطن فيها حقه بالقسط والعدل في ظل سيادة القانون؛ وجد المسيحي في الكنيسة منظومة إجتماعيّة وسياسيّة تقدم نفسها له ولغيره كنسق متكامل موازي بديل عن الدولة، قادر على الإحلال والإبدال مع كل مؤسسات الدولة واحدة بواحدة، منظومة لها قوانينها الخاصة ومناصبها وأقسامها المتعددة، حتى أنها تشكِّل بالفعل دولة داخل الدولة، بها رئيس هو البطريرك، ووزراء هم الأساقفة، ومحافظين ورجال محليات هم المطارنة وقمامصة وكهنة الكنائس، كل في مكانه، كل له مُسماه الوظيفي، وربما لهذا السبب تأخرت ثورة المواطن القبطي المسيحي وتمرده على منظومة فساد الدولة، لأنه حوّل إنتماءه لمكان آخر، وبناءًا عليه عملت الكنيسة المصريّة على سحب المصداقيّة والشرعية من مؤسسات الدولة - بعد موتها الطبيعي طبعًا لإنتفاء الوظيفة- وتكوين شخصيّة متفردة للمسيحي التابع لها وفق عدة تعاليم دينيّة وآبائيّة وروحيّة، وخصائص وملامح إجتماعية متفق عليها



- هناك فساد في العمليّة التعليميّة الحكوميّة، من حيث آليّة التدريس، وأهمية وجدوى المادة العلميّة المُقدمة للطلبة، لا تقلق فالكنيسة تقدم لكم "مدارس الأحد"، والتي تكون للمفاجأة في يوم الجمعة!؟، وهي فصول دينيّة مُمنهجة مُقسّمة لتلائم وتطابق جميع المراحل التعليميّة. أسرة ملائكة أي أطفال الحضانة، ثم إبتدائي، إعدادي، وثانوي، واجتماع الشباب للجامعيين، واجتماع حرفيين لأرباب المهن، أي كلّ من لم يحصلوا على درجة تعليميّة، وفي الغالب تُدرّس لهم القصص الدينيّة المليئة بالخزعبلات والخرافات، فهم أصحاب العقول البسيطة الأقرب لتصديقها


في الأجازة الدراسيّة، يبحث الطالب الزكي عن وسيلة لزيادة مهاراته، ليلتحق بكورس للتّعرف على لغة جديدة، أو استعارة كتب لفهم العالم من حوله وإتساع مداركه من خلال زيارة قصور الثقافة والترفيه الإنساني الفني، فهناك يمكنه مشاهدة عرض تمثيلي أو موسيقي، مباشر أو مُسجّل، أو سيرك، داخل بيت فنون، ولكن للأسف جميعهم، أو أغلبهم، تمتلء قواعدهم مع قدوم أول خمسين شخص من الحضور. تجد في الكنيسة عروض مسرحيّة وسينمائيّة وأوبراليّة متنوعة في "الكرنفال الكنسي"، و"مهرجان الكأس لمين!؟"، وهما الفرعان المسؤولان عن إلهاء الشباب طوال فترة الأجازة، لكل كنيسة برنامجها ومسابقاتها على حدا، بتنسيق من أسقفيّة الشباب، كوزارة الشباب تمامًا، وربما بداخلها قسم لإدارة الشؤون المعنويّة، للحفاظ على حالة الإلهاء التي تسيطر على الشخص المسيحي طوال العام، وحتى يبقى الطلبة في حالة متابعة لأنشطة الكنيسة حتى في الأجازة. وهناك مكتبة لكتب ومجلات الاستعارة والبيع والشراء وجميعها نصوص دينيّة، وشرائط و CD's، أفلام قديسون وعظات للبابا وحفلات الكنيسة، لكبار المرنمين اللامعين، كلها تُباع وتُستعار في مركز خدمي تطوعي يوفر لك أيضًا كورسات اللغات والتنميّة البشريّة والجرافيكس، وبشهادات دوليّة معتمدة متخصصة، أما  عن الحفل الكنسي السنوي، للعلم فقط، فلا تتعدّى تذكرة دخوله العشرة جنيهات، والأطفال مجانًا



وعن الترفيه والرحلات، الكنيسة توفر لكم رحلات ترفيهيّة لكنائس أخرى وأديرة وبعضها يحتوي على حدائق وأحواض للأسماك أو متحف أثري صغير، وأحيانا تتوفر في بعض الدير أقفاص صغيرة لبعض الحيوانات الداجنة


أمّا في مجال الصحة، ستجد بجوار الكنيسة عيادة متخصصة  بأسعار زهيدة للكشف والعلاج الذي يكون غالبًا عينات مجانيّة، أو أدويّة قاربت على انتهاء صلاحيتها، تقدمها شركات الأدويّة كرشوة للكنيسة، أو هديّة عيد، للحصول على عمالة رخيصة. وإن فشل علاجك، وارتفع ثمن دواءك، والكنيسة لم تقدر على تلبيته لك، فحينها يتم ترحيلك إلى قسم التبرك برمال مقابر القديسين وزيوت أكفانهم



 في مجال التغذية، الكنيسة توفر لكم أسواق خيريّة للملابس المستعملة والجديدة، بأسعار منخفضة ومجانيّة في أغلب الوقت، حسب مناسبة توزيعها. بل وتجد منتجات الدير المختلفة، الطبيعيّة، الأورجانك، الغير ملوثة، والمضمونة المصدر كعسل وفواكه ودواجن وخضروات ولحوم، أنظر كلها أمامك وبلا عناء للبحث، لم التمرد إذن على الكنيسة!!؟


في البحث عن شريك الحياة، الكنيسة تقدم اجتماع للمخطوبيّن أو المُقبليّن على الارتباط، يُسمى اجتماع المشورة، ويتمكن من خلاله الخطيبين من التحدث إلى بعضهما البعض بهدوء وبلا أفكار نجسة، الله يرانا، ونحن  تحت رقابة الكنيسة في النور بلا داعي لرقابة الأهل!؟، وهي خدمة للمسيحيين فقط طبعًا



بعد شحن غضبك من الدولة، وتمسكك بالكنيسة أكثر وأكثر، وعدم عثورك على أي اهتمام أو حق في أي مكان حكومي، تدرك جيدًا أنك "مالكش عيش هنا" فترغب بالسفر للخارج، من باب الترفيه، أو العمل، أو البقاء هناك للأبد، تحت ظل اللجوء الديني، أو الهجرة، تجد في الكنيسة "مكاتب الهجرة" والتي يكون بعضها مُعتمد من السفارات، هكذا!!؟، تساعدك على السفر إلى أمريكا، وكندا، وفرنسا، كل ما عليك فعله هو أن تدفع للسكرتيرة مبلغ ملئ الإستمارة، وإرفاق الصورة بالمقاس المطلوب، وتنتظر مع صف المنتظرين.


   الكنيسة، بعد جهد عظيم، سدّت للمواطن المسيحي هذه الثغرة، بدمج النظامين، الديني والدنيوي بيد رجل واحد، هو قداسة البابا، وللنظام الديني الغلبة والقوة، حتى وإن لم يكن كاملاً وبه نقص، تكفي حالة الطمأنينة التي تنتاب المؤمن داخل هذا الكيان الجديد، لأنه يقوم بأفعال مأمور بها من قوة فوقيّة بابويّة معصومة لا تخطيء أبدًا، فلماذا المغامرة بالتمرد عليها!!؟



التعليق مُتاح للجميع.. إترك بصمتك
Share

  • 12 people like this.
  • 2 shares2 shares
    • Violet Candle يااااااااااااااااه انا مكنتش اعرف ان المسيحيين فى وادى تانى مع نفسهم للدرجاتى
      متهيالى بيحسوا بالغربة واصبحت الكنيسة هى الوطن
      about an hour ago · 2
    • Maron Bastet ‎:( 72e2ey wad3 ta3eees
      about an hour ago · 1
    • Sayid Lomangy ايفان ....شابو
      ارجوك اسمع دى
      http://www.youtube.com/watch?v=RvGw4c5d_2A
      about an hour ago · 2
    • Antoine Samer لقد كشف الأب متى المسكين في كتابه: الدور الاجتماعي في الكنيسة، عن هذه السلبيات، في بداية سلطة البطريرك شنوده. فما كان من شنوده إلا أن قام بمنع الكتاب من التداول، ومنع الأب متى من التحدث مع الناس وألزمه الدير. هكذا يعامل الشخص الحر والرأي السليم داخل الكنيسة للأسف. أدعوا الجميع لقراءة هذا الكتاب فسيكتشفون ما هو أفظع مما في هذا المقال. وأحيي الكاتب على المقال الرائع.
      about an hour ago · 3
    • Evan Evolution Sayid Lomangy
      تمام قوي...احد الزملاء بعد قراءته المقال أخبرني انها فكرتها قريبة من القصيدة
      about an hour ago · 2
    • Husam Shady فى كل المجتمعات على اختلافها تخلق مجتمعات صغيرة تصنف نفسها حسب دين أو فكرة أو أى شئ قد ينتمى له ، هذه الخلايا تكون لأفرادها أو لوحداتها الأساسية بديل ك دولتها الخاصة أو ك عالم خاص ، حتى نحن نفعل ذلك ، لكن اختلافنا أننا نرى ذلك بوضوح ، لكن ما العمل
      about an hour ago · 1
    • Evan Evolution Husam Shady
      لقد أصبت كبد الحقيقة يا رفيق.... إنه الكموون
      about an hour ago · 1
    • Husam Shady نتعلم منك يا رفيق إيفو Evan Evolution
      about an hour ago · 1
    • Freedom Spirit نظرتك الموضوعيه التحليليه عن الكنيسه وشعبها رائعه يا إيفان.. ببساطه وبمعلومات متاحه للجميع قدرت تربط الاجزاء وتوضحلي الصوره الكامله او المنظومه المتكامله وحطيت ايدك علي قلب مشكله المسيحيين في مصر مقال مهم وممتع بجد اشكرك .
      about an hour ago · 1
    • Hany Boshre
      انا من اسرة مسيحية و اؤكد على صحة ما فى المقال

      ليس فقط صحة مظاهر الانفصال عن المجتمع و لكن ايضاً المسبب المذكور فى اول المقالة

      بس انا هضيف جزئية مهمة و هى ان هذه المظاهر تبرز عن المسيحيين الاغنياء او اللى مستواهم الاقتصادى جيد فقط ، لكن ف...يما عدا ذلك فان هذه المظاهر لا تتواجد .... و يبقي شىء واحد في كل عقول المتدينيين هو "التباعية لرجال الدين" و هو امر لا يوجد فيه مسيحيى و مسلم ، بل حتى اليهود المتشددين في اسرائيل عندهم نفس التباعية و نفس التغييب العقلى

      بالنسبة لجزئية:
      ===============
      دولة داخل الدولة، بها رئيس هو البطريرك، ووزراء هم الأساقفة، ومحافظين ورجال محليات هم المطارنة وقمامصة وكهنة الكنائس، كل في مكانه، كل له مُسماه الوظيفي
      ===============
      فهى بالعكس ، يمكن اضعف من تنظيم الاخوان المسلميين .... فلا تستند عليها فى مقولة "دولة داخل الدولة" .... لأن تباعية المسيحي لرجال الدين هى فى مستوى تباعية المسلم لشيخ الجامع و كلاهما يطيعون اوامر الدولة طالما ان هذه الاوامر لا تصتدم بالدين بشكل صريح
      See more
      58 minutes ago · 1
    • Michael Fayez
      بدلا من دفاع الأقباط عن حقوقهم زي الرجالة في المجتمع تقهقروا إلى الجيتو المسمى الكنيسة القبطية
      اللي عايز يلعب كرة عنده دورات رياضية بين الكنايس
      اللي عايز يغني عنده الكورال الكنسي
      اللي عايز يمثل عنده المسرح الكنسي
      اللي عايز يصيف عنده مصايف... تبع الكنيسة
      وفي الآخر يشتكي الأقباط من التهميش نتيجة ضغط الإسلاميين من ناحية وتشجيع الكنيسة على الإنغلاق على النفس من ناحية
      على حتة فاشية خاصة بنقاء العرق إحنا الأقباط أصل البلد وأصحابها والتانيين بدو من شبه الجزيرة (وصلت السفالة أن واحد قبطي أرثوذكسي قال لو واحد تاني مسيحي أبو جده من لبنان أنه مش مصري وإن زي مصري ينتمي لكنيسة الروم الأرثوذكس!!!!)
      See more
      57 minutes ago · 1
    • Antoine Samer
      عندما نقرأ اليوتوبيات المسيحية الآبائية، كمدينة الله لأغسطينوس، أو آراء توما الأكويني، سنجد الكثير من أشكال التعبير الاجتماعي حسب نظرة الكنيسة في هذا العصر. فالأكويني مثلاً رفض العمل بالتجارة!! على أنها تسبب الخطية. لكن اليوم في ظل ما تعلمه... الكنيسة من لاهوت أدبي حديث، نجد أنها تنتقي ما يكرس دورها الاجتماعي، ومن خلال مؤسسات شبه مستقلة عنها، لتزيد من نفوذها على أتباعها. وللأسف الشديد أن أول خلاف في الكنيسة الأولى كان على هذا الدور. ولكن من يفهم ويتعظ للأسف مازالت الكنيسة تمارس نفس السياسة الرعناء التي تنفي وجود مفهوم الانتماء المجتمعي، مكرسة الانعزال، لتفرض سطوتها ونفوذها. وللأسف نحن أيضًا شاركنا بصمتنا على هذا الدور واشتركنا فيه كعمل روحي، فيجب ان تكون لنا العقلية النقدية لهذا الدور، قبل أن تغتال فينا الأحاسيس الاجتماعية السليمة تجاه كل أبناء المجتمع، وليس فقط أتباع الكنيسة.See more
      51 minutes ago · 1
    • Evan Evolution Antoine Samer, Michael Fayez, Freedom Spirit, Hany Boshre
      مداخلاتكم تثري المقال وتزيده عمق
      29 minutes ago · 1

  • Loading..
 
Go online to see who's online to chat.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger