لم نكن يوما عنصريين ولكن اريد لنا ان نكون ............
مقابلة مع البروفيسور شموئيل موريه من الجامعة العبرية
مقابلة مع البروفيسور شموئيل موريه من الجامعة العبرية
وُلد في بغداد وأنهى دراسته الثانوية فيها. هاجر إلى إسرائيل وهو في الثامنة عشر ربيعاً، تاركاً وراءه ذكرياته وحنينه ليستقر في شارع "نهر الفرات" مع زوجته. إنه البروفيسور اليهودي شموئيل موريه أو بإسمه العربي العراقي سامي إبراهيم معلم. أحد كبار أساتذة اللغة العربية اليهود الذين هاجروا من العراق... يحدثنا في مقابلة خاصة عن أعماله الأدبية وحنينه لبلده الأم، وعن اندماج يهود العراق في أرض الميعاد... كما أفصح موريه عن ما لا يعرفه إلا القلائل حول النوايا السياسية للرئيس العراقي السابق صدام حسين تجاه إسرائيل... اتفاقية سلام... وهو بنفسه يناشد العراق حكومة وشعبا، بإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل.
بداية، حدثنا عن آخر أعمالك الأدبية ...
في هذه الأيام أضع لمساتي الأخيرة على ثلاثة كتب جديدة عملت عليها خلال العشرين عاما الماضية. أهمها، تحقيق كتاب "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للمؤرخ المصري الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في أربعة أجزاء محققة على حوالي خمسة وثلاثين مخطوطة محفوظة في مكتبات وجامعات مختلفة في أوروبا، آسيا وأفريقيا، بالإضافة إلى أربعة أجزاء من الفهارس وقاموس للمصطلحات الإدارية، المعمارية، الدينية، العملية والأدبية.
وقد اعتمدت في هذا التحقيق على النسخة الأم وهي مخطوطة بخط الجبرتي. عثرت عليها في مكتبة جامعة كمبريج بإنكلترا. وقد اشترى هذه النسخة الرحّالة السويسري يوهان بوركهارت الذي أشهر إسلامه في حلب ليطلق على نفسه فيما بعد اسم الشيخ إبراهيم.
من هو البروفيسور شموئيل موريه (سامي معلم)؟
ولدت في بغداد ودرست في مدرسة السعدون الابتدائية النموذجية في البتاوين قرب بارك السعدون، ثم في مدرسة "فرنك عيني" المتوسطة ومن بعدها في مدرسة "شماش" الإعدادية. نلت شهادة البكلوريا العراقية (1950) ونشرت شعري المنثور وترجمت قصائد رومانسية لكبار الشعراء الإنجليز والأمريكيين، نُشرت في صحف عراقية عدة منها "العراق اليوم"، "النبأ" و "الكرخ". من بين أساتذتي في اللغة العربية محمد حسن الصوري والأستاذ حسين مروة.
هاجرت إلى إسرائيل في 1951/04/22 وإلتحقت بالجامعة العبرية لدراسة الأدب العربي الحديث وعلوم الشرق الأوسط. أنهيت اللقب الجامعي الثاني، الماجستير بتفوق. فأرسلتني الجامعة العبرية لكتابة أطروحة الدكتوراة في معهد العلوم الآسيوية والأفريقية في جامعة لندن حيث نلت درجة الدكتوراة عن أطروحتي حول الشعر العربي الحديث. وفي مطلع عام 1966 دعتني الجامعة العبرية لتدريس الأدب العربي الحديث وترأست قسم اللغة العربية فيها بين الأعوام 1983-1979. وفي العام 1980 أسست رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق. ونشرت ثمانية وأربعين كتابا في سلسلة منشورات الرابطة لكبار الأدباء والمؤرخين والشعراء اليهود النازحين من العراق.
أعمل أيضا كعضو في هيئات تحرير للعديد من المجلات العلمية الإستشراقية والأدبية كما وقمت بنشر العشرات من الكتب ومئات المقالات باللغات الإنجليزية والعربية والعبرية، وشاركت أيضا في عشرات المؤتمرات العلمية في العالم بإلقاء محاضرات عن تخصصي في الأدب العربي. نلت جائزة الدولة في الاستشراق عام 1999 بالإضافة إلى وسام فيلق الأسد الفنلندي من رئيس دولة فنلندا عام 1986 لنشاطي كرئيس رابطة الصداقة الإسرائيلية الفنلندية في أورشليم القدس. ولا أزال أحاضر وأرشد طلبة الدكتوراة في الجامعة العبرية وأعقد وأشارك في المؤتمرات الأدبية حول أدب يهود العراق وتاريخهم.
كيف كان خروجكم من العراق؟
غياب والدي عنا وعدم تمكننا من اصطحاب المال معنا لشراء منزل، كل هذا سبَّب لنا معاناة في الخيام أو فيما يُعرف بـ"السكن المؤقت" (المعبورت بإسمها العبري). لكن في المقابل تخلصنا من هيمنة الوالد على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا الأمر الذي مكننا من أن يختار كل واحد منا مسار حياته المهني أو الأكاديمي الذي يناسب مواهبه. أخي الكبير يعقوب درس الفلسفة والاقتصاد، ريموند الرياضيات والفيزياء، ومردخاي تعلم الرسم في معهد "بتسلئيل" للفنون الجميلة في أورشليم القدس. وأنا غيَّرت في اللحظة الأخيرة موضوع دراستي من الفيزياء إلى اللغة العربية وآدابها. وبعد العمل في مجال البناء بمدينة رمات غان، انتقلنا إلى أورشليم القدس إلى حين بعث لنا والدنا المال لشراء دار لنا.
كيف تغلبتم على تعلم اللغة العبرية؟
اكتساب لغة جديدة هي مشكلة صعبة بحد ذاتها. واكتساب اللغة العبرية كانت إحدى المشاكل التي ابتلي بها يهود العراق ومن بينهم عائلتي، خصوصا عدم تدريس اللغة العبرية كلغة حيَّة في المدارس اليهودية وذلك بعد صعود القومية العربية الراديكالية في ظل حكومة الملك غازي. فبعد وفاة والد الملك فيصل الأول عام 1933 وصعود الضباط الوطنيين الذين درس بعضهم في ألمانيا وتوظيف الفلسطينيين اللاجئين بعد ثورتي 1936 و1939 في جهاز التعليم في العراق محل المعلمين اليهود الذين طردوا من وظائفهم، كان له دور في الشد من عزيمة يهود العراق على تعلم اللغة العبرية. لذا تعلمنا هذه اللغة سرا إلا أن ذلك كان بصورة سطحية لأنه لم يتم بشكل مستمر. وجُلَّ اهتمامنا كان اجتياز امتحانات الثانوية العراقية. لكن, وبعد التسقيط (التخلي عن الجنسية العراقية) أخذنا، أنا وأخي ريموند، نتعلم العبرية بصورة أكثر جدية.
هل حصلت على كامل حقوقك بعد هجرتك إلى هذا البلد؟
في كل هجرة جديدة من القادمين الجدد يشعر أفرادها بشيء من التمييز بسبب عدم إتقانهم للغة العبرية والرطانة التي تميّزهم والتي تصبح موضوعا لنوادر السكان القدماء، أو أزياء ثيابهم أو المظهر الخارجي والعادات والتقاليد الجديدة عليهم، هكذا كان وضع يهود البلاد العربية، ثم يهود روسيا اليوم ويهود الحبشة في المدة الأخيرة. يهود العراق كانوا يُسَمُّون "عراقي بيجامة" لارتدائهم البيجاما في البيت وفي الشارع في بعض الأحيان، وكان اليهودي المغربي يسمي "ماروكي سكين" بدعوى أنهم كانوا يستعملون السكاكين في حل مشاكلهم وعراكهم. ويطلقون على القادم الجديد من رومانيا إسم "روماني حرامي" أو بسخريتهم من اليهودي القادم من ألمانيا بقولهم "يهودي عسير الفهم" (ييكي)، وغير ذلك من السخرية التي تثير حفيظة القادمين الجدد على المجتمع الإسرائيلي المشهور بعدم حساسيته تجاه مشاعر الآخرين.
ولكن استيعاب القادمين الجُدد يتم تدريجيا إلى أن تتلاشى الفوارق عندما يندمجون في المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح اليوم يتسامح بسبب تعدد الجنسيات واللغات والعادات وحركات مكافحة العنصرية التي نشطت في الفترة الأخيرة خاصة، ولعل ذلك جاء كإستجابة لحراك الربيع العربي الذي اضطر إلى استبدال طريقة استيعابه للمهاجرين الجُدد. فبعد محاولة الحكومات السابقة صهر القادمين الجدد في بوتقة "الحضارة اليهودية الشرق أوروبية"، الفاشلة، تبنت اليوم تعدد الحضارات والتقاليد والعادات واحترامها والتعايش بينها. فأخذوا يشاركون يهود المغرب في احتفالات "الميمونة" وتقاليد يهود كردستان في احتفالات "السهرانة" الشعبية، وتقاليد يهود الحبشة في احتفالاتهم الدينية الخاصة. وأنا اليوم أشعر بأني حصلت على كامل حقوقي بل أكثر مما كنت أحلم به. لسبب رئيسي واحد وهو أنى ألقيت اللوم على نفسي فقط إذا لم أنجح في استيعاب مبادئ المجتمع الجديد وفهمه، فالمجتمع الإسرائيلي يُقدس الثقافة والفن والتنافس العلمي والأدبي والفني، فهو مجتمع يكره الكسل والتواكل والتقاعس وإلقاء اللَّوم على الآخرين. لذلك لم أتهم الآخرين بالتقصير نحوي، وإن كان علي كيهودي شرقي أن أبذل أضعاف الجهد الذي يبذله اليهودي الأوربي لكي أكون على قدم المساواة معه. وقد طالبتُ بذل الجهد من نفسي أكثر مما طالبتُ من غيري.
إلى أي تيار تنتمي... إلى التيار الفكري التقليدي المحافظ أم إلى التيَّار الفكري المتجدد؟
أنا ممزق بين شوقي وحنيني لمسقط رأسي وطفولتي بالرغم من أنها لم تكن جنة عدن. وأسفي الشديد على ما يحدث في العراق منذ أن غادرناها بسبب الانقلابات الدموية التي لم تهتم بمصلحة الشعب العراقي على كافة أطيافه الدينية والمذهبية والعنصرية، إلا في فترة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قام بثورة 1958 ضد الملكية. وهذه لم تكن ثورة شعبية بل ثورة ضباط لهم مصالحهم. والفكر العربي الذي ترنَّم بأمجاد العرب في ماضي، إلى أين وصل؟ إلى ثورات... لم يتوصل إلى أي نتيجة لصالح الشعوب العربية... أما الشعور القومي والفخر بأمجاد العرب دون أن يقوم بثورة فكرية حضارية جديدة نحو الديمقراطية وحرية الرأي وتثقيف العرب نحو قيم إنسانية ومحاربة الثلاثي المخيف (الفقر, الجهل والمرض) الذي يقف حائلا دون كل نهضة. وهذا أدى إلى قيام نظم عسكرية اهتمت بإنماء الشعور بالتفوق العربي الحضاري في الماضي لكنها فشلت في الحاضر في تحقيق أي شيء لصالح الشعوب العربية بل قام بتهميش واضطهاد الاقليات.
ما الذي جئت به من العراق؟
جئت بكنوز من التراث والتاريخ والأدب والقصائد التي تعلمتها عن ظهر قلب في المدرسة وفي البيت، فقد كان أخي الأكبر يعقوب يحفظ المعلقات والقصائد التي كانت فرضا دراسيا لامتحانات البكلوريا الثانوية وكان يُنشدها أمامنا لحفظها، فكنا نحفظها معه ونحن صغار. وكذلك يروي لنا ويُعلق على تاريخ الفتوحات الإسلامية ونوادر المدرِّسين في مدرسته. وقد صاحبته إلى مكتبة "المثنى" في شارع المتنبي ببغداد حينما أراد الحصول على نسخة من القرآن الكريم لحفظ بعض السور القرآنية الكريمة وفق برنامج الامتحانات العامة. وقال لي "يجب علينا أن نقول لبائع المصحف الشريف "هبني قرآنا كريما" وأن لا نقول "بعني المصحف" وذلك احتراما وإجلالا للقرآن الكريم، ثم نمنحه ثمنه هدية لا كشراء. وهكذا حفظت بعض سور القرآن معه. وعلمني أيضا احترام القرآن واللغة العربية الفصحى التي كان يُجيد قواعدها ويحفظ العشرات من القصائد التي تُعد من عيون الأدب العربي وفرائده، وهو الذي غرس فينا حُب هذه اللغة الشاعرة التي تُعد من أغنى لغات العالم، وبالنسبة لي فهي من أشعر اللغات في العالم وأجملها وفيها فقط أستطيع أن أعبِّر عن أعماق مشاعري.
ما أثر كل لغة (العربية والعبرية) على أعمالك الأدبية؟
أعظم تأثير على ابحاثي العلمية كمستشرق هي اطلاعي الواسع على اللغة العربية وآدابها والتاريخ الإسلامي، اذ استطعت بواسطة دراستي لها كلغة أم كتابةً وقراءة، فهم النصوص العربية منذ الجاهلية وإلى اليوم وذلك بسبب المكتبة الغنية التي كان يملكها الوالدان وأخي البكر يعقوب، وقد استطعت بواسطة امتلاكي لِناصية هذه اللغة الشاعرية الغنية بمفرداتها ومرادفاتها حل الكثير من المشاكل والمصطلحات العلمية العربية في عصور مختلفة. وكثيرا ما يسألني الطلبة، أنت الوحيد الذي تقول إن معنى النص الذي نقرأه هو هكذا، ولا يقبل التأويل، بالرغم من التلاعب اللفظي المتعمد في الأدب، بينما نرى بعض الأساتذة يقولون إن النص الفلاني يقبل التأويل على وجهين، فأقول لهم نعم هو في الأدب ولكن المؤلف والمؤرخ يعني في الأغلب ما ذهبتُ إليه. فأنا أستقرئ النص لا القواميس العربية القديمة التي تهتم بالشعر القديم والنصوص الدينية. أما اللغة العبرية فإني أستطيع التعبير فيها بصورة دقيقة في أبحاثي العلمية وهي تساعدني في فهم اللغة العربية بصورة أعمق، وكذلك المصطلحات العلمية، ومن الأسماء التي حار في تحريكها وفهم معناها الكتاب العرب هي إسم يعقوب "صنوع" الذي يقرأه بعض المصريين بتشديد النون، ولكن الإسم هو إسم عبري و"صنواع" أو كما كان يكتبه "سنوا" بالفرنسية، هو بمعنى "متواضع" باللغة العربية.
ماذا عنك بشكل خاص، بأية لغة تفكر؟
في الشعر والأدب أفكر باللغة العربية طبعا، أما في الأبحاث العلمية فأفكر بالإنجليزية والعبرية حسب اللغة التي أكتب فيها الكتاب أو المقال. أما في حديثي مع أخواتي وإخوتي وأصدقائي من العراق، فأفضل التكلم باللغة العربية بلهجة يهود بغداد التي أحبها، فاللغة العربية تهدم جميع الحواجز الاجتماعية مع اليهود الشرقيين والعرب، كذلك الأمر مع اللهجة الإسلامية البغدادية التي تهدم حواجز الدِّين والقومية وغيرها من الحواجز في لقائي بالأدباء العرب في الخارج.
عندما ترى ما يحدث في العراق، ما يخطر ببالك؟
أكثر ما يؤلمني، شيئان. الأول، ما حدث ويحدث في العراق من مذابح بين الشيعة والسنة، بين المسلمين العرب والأكراد وبين الأغلبية وباقي أطياف الشعب العراقي خاصة المسيحيين اليوم بعد أن أفرغوا هذا البلد من اليهود والأكراد ومن الكثير من المسيحيين الذين كانوا عاملا بناءً في إنشاء النهضة الحقيقية للعراق والاقتصاد والفن والأدب العراقي.
قصيدة "الرحيل" / شموئيل (سامي) موريه
قالت لي أمي، والأسى في عينيها:
“ظلمونا في العراق،
وضاقَ المُقامُ بنا يا ولدي،
فما لنا و”للصبر الجميل” ؟
فهيا بنا للرحيل!”
وعندما بلغنا الوصيدا،
قالت لي: “يا ولدي لا تَحزنْ،
إللي ما يريدكْ لا تريدَهْ “،
هَمستْ: ” يا حافرَ البير“
“بربكَ قلْ لي لهذا سببْ؟“
ورَحلنا …
وقبلَ رَحيلِها الأخيرْ،
قالتْ لي أمّي،
والقلبُ كسيرْ :
”أحنّ إلى العراق يا ولدي،
أحنّ إلى نسيمِ دِجلة
يوشوِشُ للنخيلِ،
إلى طينها المِعطار
إلى ذيّاك الخميلِ،
بالله يا ولدي،
إذا ما زُرتَ العراقْ
بعدَ طولِ الفراقْ
قبّلِ الأعتابْ
وسلم على الأحبابْ
وحيّ الديار
وانسَ ما كانَ منهم ومنّا!”
|
الشيء الثاني الذي يؤلمني حقا، هو الكارثة التي حلت بعرب فلسطين من جراء الصراع السياسي مع الصهيونية كحركة سياسية. فالخيارات والحلول التي أختارها الزعماء العرب الذين حاربوا وضَحُّوا في سبيل إنقاذ فلسطين لم تكن صحيحة وناجحة على الأغلب، لأنها اقتصرت على شعارات "خلي السيف يقول"، وكما يقول العراقيون "لو كلها، لو سبع الياكلها" (إما أن أحصل على جميع مطالبي أو فليذهب الجميع الى الجحيم). فلا يمكن إقامة كيان على حساب إبادة كيان آخر. فالعرب حاولوا من أول دقيقة لقيام دولة إسرائيل إبادتها عن بكرة أبيها، في حروب متتالية أنهكت الاقتصاد العربي والاهتمام بمستقبل الشعوب العربية. وجعلوا كأن الأمر يتعلق فقط بإبادة دولة إسرائيل. الضحية الكبرى في هذا الصراع كان الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني مع الأسف الشديد من الأوضاع المأساوية وغير الإنسانية في فلسطين وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة في خيام اللاجئين الفلسطينيين وفي باقي البلدان العربية المجاورة. أنظر إلى أين وصلت إسرائيل في التطور بالرغم من هذه الحروب... بينما لو قبِل العرب بالتقسيم عام 1948 (وكان الأمر آنذاك مستحيلا بسبب ترسبات الماضي ونظرتهم الخاطئة نحو اليهود عامة ويهود البلاد العربية خاصة) لكان الوضع مختلفا.
لو تعاونت الشعوب العربية مع إسرائيل في تنمية الاقتصاد والزراعة والصحة والتربية وفي جميع مرافق الحياة الأخرى، لأصبح الشرق الأوسط غير ما هو عليه اليوم. وأنا أقول ذلك بصراحة ولا أريد أن أدغدغ مشاعر الفلسطينيين والعرب بإبداء التعاطف وذرف الدموع التي يستحقونها ولكني أكون خاطئا معهم ومع نفسي إن لم أقل الحقيقة. وأنا أقول ذلك من منطلق المسؤولية تجاه الأجيال القادمة. ففي هذا العصر الإلكتروني الحديث لم تعد الأرض تشكل المشكلة الأساسية في العالم، بل التكافل العالمي لخير الإنسانية جمعاء لتوفير الحياة للأجيال القادمة بالتنافس العلمي الحضاري لخير الإنسانية، لا التوفق العسكري التدميري، والالتفات نحو حل المخاطر الكبرى التي تقف أمام الإنسانية كالجهل والمرض والفقر والأوبئة والتصحر والتلوث البيئي وشحة المياه الصالحة للشرب والتعصب الديني والتحريض على إبادة الآخر وخطر وقوع أسلحة الدمار الشامل في أياد متطرفة حاقدة ناقمة.
وأنا أؤمن بأن العالم يتوجه الآن نحو تحقيق نبّوة سفر إشعياء 2 : "فَيَقْضِي بَيْن الأمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، ولا يَتعلَّمُونَ الحرْبَ فِي مَا بَعْدُ."
ماذا تتمنى للعراق؟
اتمنى لعراق اليوم كل الخير، السلام والاتحاد والتفاهم بين التيارات الدينية والسياسية، والتسامح والتعاون فيما بينها لإحياء نهضة ثقافية وحضارية كانت في بداية نشأتها في العهد الملكي. والآن بعد أن غادر الأمريكان العراق، على القوى السياسية والثقافية في العراق الاتحاد ونبذ العنف والمحسوبية القبلية والحزازات الدينية وإنصاف الأقليات التي لها طاقة كبيرة كعنصر مساعد للقيام بهذه النهضة. وأنا أرى أن عودة المُشرَّدين في العالم من بين العراقيين إلى العراق بعد أن أطلعوا على مُقوِّمات الحضارة الحديثة المساهمة في هذه الوَحدة والنهضة وإحلال السلام والوفاق والتخطيط لمشروع نهضوي حضاري والتخلص من الهيمنة الدينية السياسية لدول أجنبية لا تراعي مصلحة العراق بل تراعي مصالحها.
ما يحتاج العراق هو فترة هدوء للإعمار والتثقيف والتعليم حسب المبادئ الحديثة للحرية والديمقراطية والتسامح وتحرير المرأة وتحرير الرجال من قيود الماضي ومن العادات والتقاليد البالية. ويجب أن يبدأ التعليم من الطفولة وتثقيف الأم ووضع برامج جديدة شعارها "الإيمان بالله... والوطن للجميع".
هل إنتهى دور يهود العراق في العراق؟
تابع... قصيدة "الرحيل"
هذه الليلة، زارتني أمّي
وعلى شـفتيـها عتابْ:
“أما زرت العراق بعدُ؟
أما قبّلتَ الأعتابْ؟”
قلت: “واللهِ يا أمّي،
لِي إليها شوقٌ ووَجْـدُ،
ولكن “الدار قفرا، والمزار بعيدْ“،
بعد أن قتلوا مجد هرون الرشيدْ!
ففي كلِّ شِبر منَ العراقِ لَحدُ
ومياهُ دجلةَ والفرات، كأيامّ التتار
تجري فيها دماءٌ ودموعُ
تحطّمت الصواري وهوتِ القلوعُ
فكيف الرجوعُ؟
أماه، ليس في العراق اليومَ
عزّ ومجدُ،
لم يبق فيها
سوى الضياعِ والدموعْ!
أماه، كيف أزورُ العراق؟
أما ترين كيف يُنْحرُ
عراقنا الحبيبْ،
من الوريد إلى الوريدْ؟
ويَقْتلُ المسلمُ أخاه
فكيفَ بنا ونحنُ يهودُ!
خبّـريني بالله يا أمي!
كيف أعودُ؟
ولمنْ أعودُ!
ونحنُ يهودُ؟؟؟
|
دور يهود العراق إنتهى بطرد جميع يهود العراق إلى إسرائيل والدول الأوروبية والأمريكية. ماذا ينتظر اليهودي العراقي الذي عان من الفرهود (المذبحة التي حلت بيهود العراق عام 1941) ومن تجميد أمواله ومن الملاحقات ومن الكراهية التي بُثت ضده وعدم التمييز بين اليهودي وبين الصهيوني، وبعد أن ضربوا جذورهم زرعوا بذورا جديدة في إسرائيل والعالم وتمتعوا بالحرية والرفاهية والتعليم العالي بكل ما تمنحه هذه الدول من تأمين وطني وصحي واجتماعي وفتح جميع الفرص أمامه من الناحية العلمية والسياسية والاجتماعية والأدبية. لا أظن أن أحدا يريد أن يعيش في أجواء عراق اليوم أو البلاد العربية، فحتى العرب والمسلمون يهاجرون من البلاد العربية ويرون أنفسهم محظوظين أنهم في بلاد أوروبية أو أمريكية تتيح لهم إمكانية العيش بسلام. أقولها بصراحة ودون تملق أو مواربة بأن الحياة والأمن في البلاد العربية أصبحت غير آمنة، فالحكومات تقتل ابناء الشعب لمطالبته بالإصلاح، وهناك مشكلة الانفجار السكاني ووضع المرأة والتعصب الديني ضد الأقليات، فقد أصبح كل شيء مكشوفا ومعروفا من خلال التلفزيون والاتصالات الإلكترونية.
هناك مشاكل كبرى تقف أمام معظم الحكومات العربية والإسلامية. فما مستقبل الدراسة والتنمية الاقتصادية وحرية الفكر والديمقراطية التي لا تزال العوائق أمامها جسيمة حتى اليوم. فالهجرة على الأغلب تكون إلى بلد أفضل وليس إلى بلدان تعاني من مشكلات الأمن والتطور الاقتصادي، وإن كانت مسقط الرأس أو الأوطان، وكيف يريد المواطن العودة إلى وطنه وهو يعاني من أوضاع في غاية الصعوبة والخطورة.
أختصر حديثي في هذا المضمار للقول، بأنني إذا عُدت إلى العراق لوحدي بدون سلام فسأكون خائنا لقوميتي وللدولة التي منحت يهود البلاد العربية الحماية والتقدم الحضاري. لذا أحث وأدعوا العراقيين حكومة وشعبا إلى إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل أسوة بمعاهدات السلام مع مصر والأردن والمغرب. وهذا السلام سيعود على الجميع بالفائدة الكبرى.
أطلق للسانك العنان قلت له...
عندما كنت في مؤتمر "المستشرقين" في مدينة هامبورغ الألمانية عام 1986، إلتقيت بمعروف الدواليبي، الذي شغل مناصب عدة في سوريا منها رئيسا للوزراء (1951) ووزيرا في وزارتي الدفاع (1951) والخارجية (1961-1962). وبعد الانقلاب في سوريا (1963) فرَّ إلى السعودية وأصبح رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى. قال لي الدواليبي بأنه أخبر الحكومة الإسرائيلية بأن صدام حسين يريد معاهدة سلام سرية مع إسرائيل لمساعدته في حربه مع إيران. فقلت له بأنني كأستاذ جامعي ليس لي علاقات مع الحكومة الإسرائيلية وأستطيع فقط أن أكتب مقالا عن ذلك، وأنا متأكد بأن إسرائيل لن تقبل بسلام سري وإنما علني خاصة، بعد زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإسرائيل (1977) وعقد اتفاقية سلام بين البلدين (1978).
نعود الآن إلى الأدب والشعر، مَن مِن الشعراء العراقيين تأثرت به بصورة خاصة؟
بالطبع الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب (1964-1926) الذي درسته دراسة وافية في كتابي الذي صدر عام 1975 "الشعر العربي الحديث 1800-1970" باللغة الإنجليزية وترجمه د. سعد مصلوح ود. شفيع السيد، ثم قامت بتنقيحه الأستاذة لبنى صفدي. وأشرت في هذا الكتاب إلى عُمق مواهبه الشعرية وإطلاعه الواسع على الشعر العالمي وعلى الشعر الإنجليزي بصورة خاصة، حيث استطاع أن يجعل التأثير الأوروبي على الشعر العربي طبيعيا ومندمجا بصورة رائعة عميقة وليس بصورة خارجية سطحية.
كذلك أعتبر شاكر بدر السياب من كبار ورواد الثورة الحديثة في الشعر العربي الحديث الذي وضع أسس الشعر الحر وعبَّر تعبيرا عن أمراض العراق وعن ظلم الواقع على الشعب العراقي، كما أفلح في تطعيم الأشكال الأوروبية ورموزها في الشعر العربي عامة. فقد تحدث عن ظلم الإقطاعيين وظلم المرأة الشرقية وسيطرة رجال المخابرات على الأحرار والمفكرين وعلى حرية التعبير الفكري والفلسفي.
أضيف أيضا أنني تأثرت بالشاعر والأديب العراقي عبد الوهاب البياتي (1999-1926) والذي يُعد واحدا من أربعة أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق. وكذلك الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة (2007-1923). كما تأثرت بكبار المفكرين العراقيين كالمفكر عبد الأحد لؤلؤة والبروفيسور كاظم حبيب والدكتور رشيد الخيون والصحافي خالد القشطيني والدكتورة أمل بورتر وغيرهم ممن عانوا في إغترابهم وتشرُّدِهِم في العالم والين حَرَمَت الدكتاتورية في العراق من فكرهم النيِّر. على فكرة أنا على اتصال هاتفي وعبر الإنترنت مع عدد كبير من الشعراء، الصحافيين، والأدباء والعلماء العرب وخاصة مع العراقيين والمصريين في البلاد العربية وأوروبا وأمريكا بهدف التواصل لتبادل القصائد، المؤلفات والكتب، بحيث اشعر أن التطبيع الثقافي والروحي يعيش ويتنفس بصورة حرة طليقة وطبيعية بواسطة الاتصالات الالكترونية السريعة التي هدمت الحواجز المصطنعة بين الشعوب والشاب المثقف الواعي، ولا حاجة لتدخل السلطات الحكومية في السماح أو عدم السماح بمثل هذا التواصل المثمر بين الشعوب.
حدِّثنا عن مساهمات يهود العراق للغة العربية ...
كان ليهود العراق مساهمة كبرى في تطعيم الأدب العربي في العراق بالأدبين الفرنسي والإنكليزي وتطبيق أنماط تَقْفِيَة (من كلمة قافية) وتنويع أطوال الأبيات وعدد التفاعيل في الأبيات مثلما فعل مير بصري في اقتباس نمط تقفية السوناتا الانكليزية الى أدوار وموضوعها النقدي على الشعر العربي، وقد ساهم في نشر قوالب السوناتا الشاعر والاقتصادي يعقوب بلبول في سلسلة سوناتاته التي نشرها في جريدة "العالم العربي" العراقية عام 1942 والتي نشرت في ديوانه "محنة العقل".
أنت تسكن اليوم في شارع "نهر الفرات". ماذا يعني لك ذلك؟
أسكن في شارع يحمل اسم "نهر الفرات" في بلدة "ميفاسيريت يروشلايم" والتي تبعد نحو ستة كيلومترات فقط عن العاصمة. بعد أن عَلِمَت السلطات في البلدية بأنني أسكن في هذا الشارع الذي كان يحمل في السابق اسم "مدخل أ" قامت بتحويل الاسم إلى شارع "نهر الفرات"، فكان سروري عظيما لذلك، وشكرت رئيس البلدية على خطوته المباركة، ثم نَمَتْ في نفس السنة فسيلة نخلة تمْر من نُواة لم يخطط لها أحد. فرأيت في ذلك تعويضا عن العراق التي سالت فيه الدماء أنهارا بعد طردنا منها وتجميد أموالنا المنقولة وغير المنقولة. فكان إسم الشارع والنخلة، عزائي لترك العراق، وكثيرا ما يتعجب الزوار من هذه الصدفة المباركة. فأقول لهم "يبدو أن العراق قدري".
هل تحن إلى أجواء بغداد؟
أغنية إلى طائر الأشواق/ شموئيل (سامي) موريه
يَا طائِرَ الأشـْواقِ خـُذْنِي
لأرَى مَسْقـَطَ رَأسِي قـَبْـلَ المَغِيب
فـَعِندِي غـُـلةٌ حَرّى لِماءِ دِجْلة
أصْبَحَتْ فِي الصّدْرِ عِلـّة مُنذُ الرّحِيلِ
مَا ضَرّ البوابُ لوْ أرَانِي
دِيارَ الأحِبّة
مَرّةَ وَاحِدَةً قـَبْلَ الرّحِيل
ظَمَآن أنا لقـَطَراتٍ مِنْ مِياهِ الفـُرات ودِجْـلة
وشوْقٌ لعِطـْر الضّفـَاف
وَوَشْوَشَاتِ النـّخِيل
وَرِمَالِ جَزْرَاتِ الصّيْف
وَعُطورِ أزْهارِ الرّبيع
ولِلتـّصَابـِي أيّامَ الشّباب
وَخـُضْرِ الرّوابـِي
فَي رَبيعِ الـْعِراقِ الـْحَبيب
يَا طائِرَ الأشـْواقِ عـُدْ بـِي
إلى مَسْقطِ رَأسِي
لأرَى دِيارَ الأحِبّة
قـَبْلَ الرّحِيل.
|
الحنين إلى العراق هو شعور ملازم لنا وخاصة بسبب ما يحدث الآن يوميا في العراق، إذ تذكرنا أسماء الأماكن والصور التي نشاهدها في التلفزيون بمسقط الرأس فنترحَّم ونشفق وندعو إلى خلاص العراق من محنته. والحنين الرئيسي الذي نتبادل الحديث عنه في إسرائيل هو لليالي الجزرة والنزهات بالبلام (القوارب) النهرية على دجلة في أيام الصيف المقمرة، وايقاع المجاذيف و"نقر الدرابك من بعيد" مصاحبا العتابا والغناء العراقي الشجي، ورائحة ضفاف دجلة والفرات ودخان السمك المسكوف يعطر الأجواء، وغناء المستحمين "هذا الكيش حلاوي، ياكل تمر خستاوي"، والسباحة في مياه دجلة العطرة العذبة الصافية، ومعلم السباحة الذي كان يغني معنا: "يا أولاد بلبول!" فنرد" بلي" ثم يسأل: "ما شفتم عصفور؟" \ بلي! \ ينقر بالطاسة!" بلي \ لابس حياصة \ بلي \ وننهيها بهوسة: ههيي ههيي! وهي الأغنية التي أصبحت في استعراض الكشافة العراقية أمام هتلر أيام عز مغازلته للعرب الذي درجهم في الخانة السابعة من سلمه العنصري في رقي الشعوب بعد الشعوب الآرية.
كما كنا نغني للطيور عند مشاهدتها وخاصة لللقلق، فيغنون له: "لگلك لگلك بواگ الصابونة..." وفي أغاني الأطفال هذه نجد أبياتا ليست ذات معنى ولكن الشيء الذي كان يطربنا فيها هو رنين القافية والإيقاع المرح، واليوم أدركت أن مثل هذا الغناء كان قد سبق المذهب العبثي (الأبسورد) في الأدب الأوروبي ورواية "في انتظار جودو".
وما هي الأكلة التي كنت تفضلها حينذاك؟
الأكلة التي كنا نفضلها في العراق فهي الكبة والباجة والقوزي في الشتاء والسمك المسكوف في الصيف. وفي الصباح الصمون المقسب مع العسل آو السیلان (عسل التمر) والقيمر وعلب اللبن التي كانت نساء المعدان تأتي بها من وراء السدة وكل واحدة منهن تحمل العشرات من العلب على رؤوسهن في غبش الفجر سيرا على الأقدام مسافات طويلة بقامتهن المنتصبة بكبرياء واعتداد كالرماح العوالي، رحم الله تلك الأيام الخوالي.
وماذا عن الفن والموسيقى. من هو فنانك العراقي المفضل في الماضي والحاضر؟
صالح وداود الكويتي وسليمة مراد وباقي المغنيِّن والملحنين اليهود وقد برز في إسرائيل ملحنون وعازفون كبار من أمثال أبو العز (إسحق أبيعيزر، وهو والأستاذ شفيق كباي من مؤسسي زاوية الموسيقى والغناء في صوت اسرائيل) ويئير دلال ومغنون من أصل عراقي ما زالوا يُغنون الأغاني العراقية المُحببة وخاصة "فوق النخل فوق" وغيرها من الأغاني الشعبية خاصة فلفل كرجي ونشاوي والبغدادي وعزيز جلال وإلياس شاشا وإيمان (سوزان شهرباني) وصبري عاشور ويعقوب العلالي وعبد داود ولطيف الحلو وغيرهم من الجيل الثالث والرابع الذي وُلد هنا في البلاد. كذلك أطرب على أغاني وصوت الفنان العراقي العملاق كاظم الساهر.
تابع... قصيدة "الرحيل"
هذه الليلة، زارتني أمّي
وعلى شـفتيـها عتابْ:
“أما زرت العراق بعدُ؟
أما قبّلتَ الأعتابْ؟”
قلت: “واللهِ يا أمّي،
لِي إليها شوقٌ ووَجْـدُ،
ولكن “الدار قفرا، والمزار بعيدْ“،
بعد أن قتلوا مجد هرون الرشيدْ!
ففي كلِّ شِبر منَ العراقِ لَحدُ
ومياهُ دجلةَ والفرات، كأيامّ التتار
تجري فيها دماءٌ ودموعُ
تحطّمت الصواري وهوتِ القلوعُ
فكيف الرجوعُ؟
أماه، ليس في العراق اليومَ
عزّ ومجدُ،
لم يبق فيها
سوى الضياعِ والدموعْ!
أماه، كيف أزورُ العراق؟
أما ترين كيف يُنْحرُ
عراقنا الحبيبْ،
من الوريد إلى الوريدْ؟
ويَقْتلُ المسلمُ أخاه
فكيفَ بنا ونحنُ يهودُ!
خبّـريني بالله يا أمي!
كيف أعودُ؟
ولمنْ أعودُ!
ونحنُ يهودُ؟؟؟
أغنية إلى طائر الأشواق/ شموئيل (سامي) موريه
يَا طائِرَ الأشـْواقِ خـُذْنِي
لأرَى مَسْقـَطَ رَأسِي قـَبْـلَ المَغِيب
فـَعِندِي غـُـلةٌ حَرّى لِماءِ دِجْلة
أصْبَحَتْ فِي الصّدْرِ عِلـّة مُنذُ الرّحِيلِ
مَا ضَرّ البوابُ لوْ أرَانِي
دِيارَ الأحِبّة
مَرّةَ وَاحِدَةً قـَبْلَ الرّحِيل
ظَمَآن أنا لقـَطَراتٍ مِنْ مِياهِ الفـُرات ودِجْـلة
وشوْقٌ لعِطـْر الضّفـَاف
وَوَشْوَشَاتِ النـّخِيل
وَرِمَالِ جَزْرَاتِ الصّيْف
وَعُطورِ أزْهارِ الرّبيع
ولِلتـّصَابـِي أيّامَ الشّباب
وَخـُضْرِ الرّوابـِي
فَي رَبيعِ الـْعِراقِ الـْحَبيب
يَا طائِرَ الأشـْواقِ عـُدْ بـِي
إلى مَسْقطِ رَأسِي
لأرَى دِيارَ الأحِبّة
قـَبْلَ الرّحِيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق