الآثار السياسية والبيئية السلبية لربط البحرين الأحمر والميت
© flickr.com. Or Hiltch16:49 | 2012 / 07 / 05
كتب عامر راشد
اتفق ممثلون عن البنك الدولي مع وزير تطوير النقب والجليل في الحكومة الإسرائيلية سلفان شالوم على المباشرة في تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت، ويهدف المشروع إلى تزويد البحر الميت بمياه من البحر الأحمر لإعادة مستواه إلى المستوى الذي كان عليه في العام 1930 خلال فترة تقدر بين 10-30 سنة، ومن ثم مواصلة الضخ بما يعادل مستوى البخر السنوي لمياهه، وتأمين ما يقارب 850 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنويا توفرها محطات للتحلية، وتوليد حوالي 550 ميغاوات من الكهرباء بالاستفادة من فارق الارتفاع بين البحرين.
التنفيذ سيتم وفق دراسة مولها البنك الدولي بناء على رسالة وقعها ممثلون عن إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية في العام 2005، وكان الأردن قد طرح هذا المشروع بديلا عن مشروع إسرائيلي وضع على بساط البحث العملي منذ سبعينيات القرن الماضي لربط البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط، غير أن الفكرة بحد ذاتها أقدم من ذلك بكثير، فجذور المشروع تعود إلى أوائل الخمسينيات ضمن مشاريع لادرميلك وجونستون -خبيران أميركيان- التي عالجت مشكلات توزيع مياه نهر الأردن بين إسرائيل والأردن، وبلور المشروع الخبير الإسرائيلي شلومو غور، رابطا تنفيذه بإقامة تعاون إقليمي بين إسرائيل والدول العربية، لكن المشروع فشل لأسباب سياسية وتقنية.
واستؤنفت الدراسات الإسرائيلية في السبعينيات، ففي العام 1973 قدمت لجنة "فنكل" توصيات لحفر قناة بين منطقة بلميحيم - الواقعة على البحر المتوسط - والبحر الميت. وبناء على طلب "الوكالة اليهودية" عين البروفسور شلومو اكشاين في عام 1974 لجنة لدرس البدائل المطروحة، وإعداد مسودة لمشاريع إقامة محطات طاقة كهربائية. ودرست اللجنة جدوى المشروع وأوصت بشق نفق تتدفق منه المياه من ضواحي بلميحيم، وينتهي في برك تخزين بالقرب من منطقة ناحل عمران، وكان مصير هذين المشروعين وما تلاهما من مشاريع المصير ذاته الذي انتهى إليه مشروع غور.
تتوخى إسرائيل من وراء تنفيذ ربط البحرين الأحمر والميت الاستفادة منه في مشاريع إستراتيجية تزيد من قوتها والاقتصادية والعسكرية ومضاعفة أعداد السكان في منطقة النقب الصحراوية، بتطويرها لاستيعاب مليوني مهاجر جديد تخطط إسرائيل لاستقدمهم حتى عام 2025، بما يشمله ذلك من الاستيلاء على ما تبقى من أراضي للبدو الفلسطينيين في المنطقة، ضمن مخطط لتغيير تركيبتها الديمغرافية، وإقامة مشروعات صناعية وزراعية استيطانية يهودية فيها، مهملة التأثيرات البيئة السلبية لمشروع ربط البحرين، والتي تفوق في المدى البعيد فوائده في المدى القصير والمتوسط.
فقد أكدت دراسة علمية أعدها فريق واسع من الخبراء المصريين، بتكليف من مجلس الوزراء المصري عام 2008، أن ما يتطلبه المشروع من تكوين مسطحات مائية سيؤدي إلى تغير عكسي في الحياة البرية، لعدم تمكن العديد من الكائنات عبور المسطحات المائية، كما أنها ستؤثر على مسار هجرة الطيور، وتتسبب في زيادة الحشرات الناقلة للأمراض، وإحداث تغيير مناخي جراء التغير في استخدام الأراضي.
فضلاً عن تأثيراتها السلبية على التوازن البيئي في البحر الأحمر، وبخاصة بالقرب من المأخذ المقترح بخليج العقبة، وبالتأثيرات التراكمية على النباتات والحياة البرية والبحرية ونوعية الهواء. فنقل ملياري متر مكعب من مياه خليج العقبة سيؤدي إلى قتل الكائنات الحية الموجودة في هذه المياه المنقولة، وتقليل نسبة وجود الكائنات والشعب المرجانية في مياه الخليج وتغير خصائص التيارات المائية في البحر الأحمر. أما في البحر الميت الذي تعيش فيه كائنات دقيقة وبعض الطحالب الخضراء والبكتيريا المحبة للأملاح، ومن الممكن لتلك الطحالب أن تتحول إلى جراثيم تؤدي إلى صبغ المياه باللون البني.
وستنتج عن المشروع مخاطر محتملة على الخزانات الجوفية للمياه العذبة، الممتدة من شبه جزيرة سيناء إلى النقب والضفة الغربية لنهر الأردن، وتلوث الجداول المائية، عن طريق الارتشاح والتسرب من قناة البحرين والمسطحات المائية. وستؤدي الملوحة العالية لمياه البحر الأحمر، التي سيتم نقلها عبر القناة المقترحة، إلى تغيير اتجاهات السريان، وزيادة منسوب الملوحة في مياه الخزانات الجوفية.
جيولوجياً، يفاقم تنفيذ المشروع من مخاطر حدوث زلازل طبقاً لنظرية الخزانات المثيرة والمحفزة للزلازل، فمن المعروف أن موقع المشروع بوادي عربة جزء من منطقة الزلازل النشطة نسبياً في الصدع الأفريقي - السوري، وتعتبر القشرة الأرضية في منطقة البحر الأحمر بشكل عام غير متماسكة ورقيقة، الأمر الذي عرضها في الماضي لعدد من الزلازل والهزات الأرضية الخطيرة، ونقل ملياري متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنوياً إلى البحر الميت، وإسقاطها من ارتفاع يزيد على مئتي متر سيزيد من اضطراب القشرة الأرضية وتشققها، وحدوث زلازل وهزات أرضية عنيفة، إذ تشير التسجيلات التاريخية إلى زلازل كبيرة مدمرة.
إلى جانب التحفظات من الناحيتين البيئية والجيولوجية على مشروع ربط البحرين الأحمر والميت، ثمة تحفظات سياسية تثيرها الأهداف الإسرائيلية غير المعلنة، أو التي ترد في سياقات تموه على حقيقتها، فإسرائيل تخطط من خلال المشروع لخلق واقع جغرافي واقتصادي وسياسي جديد في المنطقة، يمنحها دوراً قيادياً في قضايا التنمية الشاملة، واجتذاب استثمارات أجنبية على حساب المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967 والأردن ومصر، وتأبيد سيطرتها على الخزانات الجوفية للمياه في الضفة الغربية، ومياه نهري الأردن واليرموك، ومياه بحيرة طبريا المشاطئة من جهة الشرق للجولان السوري المحتل.
وسيقوي المشروع إمكانيات إسرائيل في بناء محطات طاقة نووية، ومفاعلات نووية للاستخدامات العسكرية، بتوفير مياه التبريد اللازمة لها، فإذا ما وضعت المياه المتدفقة، عبر قناة الربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، في أبراج للتبريد ستكفي لتبريد أربع محطات، طاقة كل منها 900 ميغاوات، وغني عن الذكر أن إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وتمتلك مفاعلا نوويا في منطقة ديمونا (النقب)، ومفاعلا آخر في منطقة ناحل سوريك قرب تل أبيب. الأمر الذي سيقود دول المنطقة إلى مجاراة إسرائيل في سباق التسلح النووي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق