الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

في مصر .. الوطن لله ؟


في مصر .. الوطن لله ؟
في مصر .. الوطن لله ؟
يعتقد العديد من المراقبين أن مشروع الدستور المصري الجديد سيكون لغما يهدد بنسف أسس الدولة. يتلخص جوهر المرحلة الحالية من الأزمة السياسية في مصر في أن دستور ما بعد الثورة يكتبه ويفرضه على المجتمع المصري أناس لم يساهموا في انطلاقة وانتصار ثورة 25 يناير.  لقد كانت الثورة في بدايتها وطنية، علمانية، ومعادية لسلطة رجال الدين.  أما المبادرون لها، وقواها المحركة،  فهم الليبراليون واليساريون ، والنقابات، ومسيحيون ومسلمون ارادوا تطبيق الشعار الأصيل الذي طرحه الوطنيون المصريون منذ مطلع القرن العشرين ، وهو "الدين لله ، والوطن للجميع". ولعل هدف الثورة الرئيس تمثل بتحويل مصر إلى دولة ديمقراطية علمانية يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن موقفهم من الدين. لم يشارك الإسلاميون المصريون في الثورة، ولكنهم استغلوا الاجراءات الديمقراطية وأخذوا زمام المبادرة السياسية وحصلوا على أغلبية المقاعد في البرلمان، والهيئة الدستورية، وأوصلو إلى سدة الرئاسة أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين .
الاسلاميون لهم مشروعهم الخاص لبناء الدولة المصرية "على أساس الشريعة" ، بما يمكنهم من السيطرة على هذه  الدولة. والرئيس محمد مرسي الذي لم يعمل على حل المشكلات الاجتماعية الاقتصادية المتفاقمة ، قام "بأخونة" الدولة ، فوضع في المناصب الرئيسية أعضاء جماعته ، أو أناسا قريبين منها. أما السلفيون فمارسوا "الأسلمة من تحت "، فأقاموا الإدارات الشرعية في القرى واحياء المدن، بينما الهيئة الدستورية التي يشكل الإسلاميون غالبيتها، عملت بدأب واصرار على صوغ مشروع دستور إسلامي ، كبير الحجم ، يتألف من 234 مادة، يتضح منه مباشرة أن الدولة التي يجمِّع إسلاميو مصر أوصالها ، ستكون دولة التمييز على أساس الموقف من الإسلام ، بل الإسلام السلفي أو المنشد نحو السلفية.
جاء في المادة الثانية من مشروع الدستور المصري الجديد أن الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها الرسمية. ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع. أما المادة الثالثة فتقول إن مبادئ شريعة المصريين المسيحيين واليهود هي المصدر الأساسي للتشريع الذي ينظم أوضاعهم المدنية ( العلاقات الأسرية ) وشؤونهم الدينية واختيار زعمائهم الروحيين.
إن هاتين المادتين مجتمعتين تعنيان أن غير المسلمين من المواطنين المصريين يخضعون لمفعول الشريعة الإسلامية، إذ يتمتعون بحق مبتور بالخضوع لمفعول "شريعتهم" كأعضاء في طائفتي المسيحيين واليهود. وهنا اختلال بين الحق العام وشريعة الطائفة يؤدي إلى تمييز واضح بحق المسيحيين واليهود. إن الشريعة الإسلامية التي تعتبر شريعة إحدى الطوائف (المسلمين ) تتحول إلى شريعة للجميع.
ولكن الاختلال يبدو أكثر خطرا إذا أخذنا بالحسبان أن المادة 3 تعتبر تطبيقا عمليا لقوانين الشريعة على غير المسلمين،  فهي تعتبر المسيحيين واليهود "ذميين" من أهل الكتاب ( التوراة والإنجيل ). ومن الجدير بالذكر أن السلفيين والإخوان المسلمين، وقسما من رجال الدين الرسميين يعتبرون أن المسيحيين واليهود الحاليين يتبعون التوراة والإنجيل بصيغتيهما المحرفة، أي أنهم مرتدون. عدا ذلك فإن هذا المفهوم يتعامل بتمييز مع مجموعات واسعة من المواطنين المصريين غير المؤمنين (وهم موجودون في مصر)، ومع أتباع المعتقدات الأخرى كشهود يهوه الموجودين في القاهرة والاسكندرية، و"الأرواحيين" وقبائل النوبة في جنوب البلاد. إن الشريعة تقصي تلك المجموعات خارج الإطار الدستوري.   
وفضلا عن ذلك وضع  هنا " لغم "يهدد حتى مسلمي مصر من غير السلفيين،  فالسؤال يكمن في المحتوى الذي ستتضمنه صيغة "الإسلام دين الدولة" ، اي  ما هو الإسلام المقصود بذلك. إذا كانت السيادة داخل المعسكر الذي سيتحكم بالدولة ستنتقل للسلفيين   ( الأمر الذي لا  يمكن استبعاده ) فسوف يقع التمييز حتى على المسلمين الصوفيين المنحرفين ( من وجهة نظر السلفيين) . وبعد الثورة قدم السلفيون العديد من الأمثلة على عدائهم للصوفية ، من تدمير مساجدهم  إلى محاربة مفتي مصر علي جمعة الذي يتهمه السلفيون بالجهل في شؤون الدين ، ووصفوه بالمنافق والضال لأنه يعتبر مرجعا صوفيا، ولا ينتقد المذهب الشيعي. أما بعد إقرار الدستور فسوف يتفاقم هذا الصراع.  
ومن المرجح أن يسفر الاستفتاء المقرر إجراؤه في 15 من الشهر الجاري ( كانون لأول / ديسمبر ) عن نتيجة إيجابية بالنسبة للإسلاميين في ظل مقاطعة غير الإسلاميين. ولكن هذه النتيجة لن تكون بشكل من الأشكال دليلا على إجماع المواطنين المصريين، بل سوف تعمق الشروخ في المجتمع. وما لم يتم ايجاد مخرج من المأزق الدستوري الذي دفع الإسلاميون البلاد إليه ، فقد تسير مصر نحو حرب محتملة جدا يخوضها الجميع ضد الجميع.
 
المصدر :  الملحق الأسبوعي لصحيفة "نيزافيسيمايا  غازيتا" للشؤون الدينية .
الكاتب   : ألكسندر إيغناتينكو ، رئيس معهد الدين والسياسة ، عضو مجلس التعاون مع الجمعيات الدينية لدى الرئاسة الروسية.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger