الجمعة، 22 مارس 2013

ثقافة الاستبداد تجدد رموزها في العالم العربي
فاروق يوسف

من المؤكد أن سقوط أنظمة الاستبداد هو حدث مدو لايُستهان بقيمته التاريخية غير أن ذلك الحدث في حد ذاته لا يكفي لفتح الأبواب على الحرية. ثقافة الاستبداد أكثر خطورة من الأنظمة التي تنتجها والتي تستمد شرعيتها منها. النظام السياسي، أي نظام، مهما كان قويا ومتيقظا ووقائيا فإن زواله ممكن في أية لحظة. أما ثقافته فإنها لا تمحى من النفوس والعقول والذاكرة بيسر. 

وفي مجتمعات ترسخت فيها ثقافة الاستبداد بسبب عوامل تاريخية واجتماعية ودينية مثل المجتمعات العربية فإن هذا الأمر يبدو مركبا ومعقدا وأكثر عسرا مما هو عليه في مجتمعات أخرى. يكفي أن يُلقي المرء نظرة سريعة على التحولات الديمقراطية السريعة والراسخة التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار الأنظمة الشيوعية الشمولية فيها ليدرك الفجوة التي تفصل مجتمعاتنا عن العالم. ففي دول الربيع العربي سقط الطغاة غير أن الشعوب ذهبت إلى الفوضى. 

أزيلت أسماء الطغاة من الشوارع، هُدمت تماثيلهم في الساحات، أحرقت الكتب التي تذكر بهم. مُزقت الصفحات التي تحمل صورهم في الدفاتر المدرسية. غيرت الأعلام التي كانت تضلل رؤوسهم ومشيتهم العسكرية. غير أن ذلك كله لا ينتمي إلى الحقيقة التي أنتجتهم. كل ما محاه العراقيون مثلا لا ينتسب إلى فكرة الاستبداد القابعة في أعماق نفوسهم. لقد محوا جزءا من صورة مستبد واحد مر بتاريخهم الغاص بالمستبدين. وهو التاريخ الذي أنتج ثقافة يمكنها في أية لحظة أن تنتج مستبدا جديدا. وهو ما نراه في سلوك محمد مرسي، الرجل الذي انتخبه المصريون رئيسا بأسلوب ديمقراطي فصار بعد أشهر سجين قصره، من غير أن يمتد بصره إلى المدن المصرية الثائرة التي صار نزول أبنائها إلى الشوارع بمثابة تصويت رافض لشرعية استمراره رئيسا. 

وإذا ما كان ما شهده العراق من إعادة إنتاج لرموز الاستبداد مسكوتا عنه إعلاميا، بسبب سطوة الولايات المتحدة على الإعلام العالمي فإن واقع الحال في دول الربيع العربي لم يبخل على وسائل الإعلام بالصور والمعلومات والحقائق التي تؤكد أن الثورات التي قامت بها شعوب تلك الدول قد تم احتواؤها من قبل طبقات سياسية جديدة كان هاجسها النضالي الوحيد أن تحل محل الطبقات السياسية القديمة، أن يحل دورها في الاستيلاء على المغانم. 

الأدهى من ذلك أن أية مقارنة منصفة بين الطرفين لابد أن تذهب نتيجتها إيجابيا لصالح المستبد القديم. ولإثبات ذلك يمكننا أن نتخذ من الوقائع التي شهدها العراق خلال العشر سنوات الماضية دليلا على ذلك. إن عملية واحدة من عمليات الفساد التي شهدها العراق الجديد "اختفت ذات يوم تسعة مليارات دولار من غير أن يتم العثور عليها" تعادل إذا لم تفوق كل عمليات الفساد التي شهدها النظام الذي تم إسقاطه بعد الغزو الأميركي عام 2003، بالرغم من أن ذلك النظام كان قد حكم دولة ثرية طوال 35 سنة وتسلط منفردا على مقدراتها ومصير شعبها. 

يحدث كل هذا الفساد مدعوما بثقافة لا ترى في الانتقال من استبداد إلى استبداد آخر قد يفوقه قسوة وبطشا وتفردا إلا نوعا من الاستحقاق الموضوعي. ولن نبالغ إذا ما قلنا إن هناك من يعتقد أن مجتمعاتنا لا يمكن أن تدار أو تحكم إلا عن طريق الاستبداد، ومن هنا تحضر بين حين وآخر على السنة بعض مفكرينا وسياسينا فكرة اللجوء إلى المستبد العادل الذي يكون قادرا على تصريف شؤوننا، بحزم لا يخطيء طريقه إلى العدالة. وهي فكرة ظلامية تنسف مفهوم العدالة، القائم على حرية الشعب في اختيار من يحكمه ومن يمثله ومن تعهد إليه الأمانة. 

لقد جرى تسويق فكرة المستبد العادل من قبل جماعات سياسية شتى، تختلف في توجهاتها الفكرية غير أن فكرتها عن الحكم تصدر من تراث ثقافي واحد، جوهره الإيمان بالاستبداد.

وكما اتضح أن تلك الجماعات كانت تسوق تلك الفكرة بين الناس في انتظار اللحظة التي تقفز فيها إلى السلطة. ما يجري في مصر، في تونس، في اليمن، في ليبيا وفي العراق من قبل، ما هو إلا استعادة لمفردات ثقافة الاستبداد التي تجدد رموزها في استمرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger