الثلاثاء، 29 يناير 2013

مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية

مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية
مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية
تنذر الأجواء في مصر بفوضى عارمة قد تجتاح البلاد في حال عدم التوصل إلى حلول للوضع الأمني والاقتصادي، وإيجاد مخرج لإنسداد أفق الحوار السياسي بين الأحزاب والحركات المعارضة والرئيس محمد مرسي المتهم بأخونة الدولة وتنفيذ برامج جماعة الإخوان المسلمين. وتكشف الأحداث أنه لا يمكن لأي طرف أن يستأثر بحكم مصر، وأن زمن الإستبداد ولى، وأن الحل يكمن في التعاون لتنفيذ أهداف ثورة يناير.
وأحيا المصريون الذكرى الثانية لثورة 25 يناير وسط حالة من الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد. ويكشف حجم التجمعات وانتشارها عن ازدياد حدة الاستقطاب بين حركة الإخوان المسلمين، وكثير من الأحزاب والحركات التي لعبت دورا رئيسا في انتصار الثورة منذ عامين. وتشير الشعارات المطروحة إلى أن الثورة لم تحقق بعد أيا من أهدافها في "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية".
وفي أثناء إحياء الذكرى الثانية لثورة يناير، وماتلاه من أحداث، لم يخطف ميدان التحرير وسط القاهرة وحده انتباه وسائل الإعلام العربية والعالمية، فقد عُمدت مظاهرات السويس بالدم، وتبعتها مدينة بورسعيد التي فقدت العشرات من أبنائها قتلى إضافة إلى مئات الجرحى. وفي مقابل تجمع مئات ألوف المتظاهرين من أنصار المعارضة للتأكيد على رفض سياسات الرئيس محمد مرسي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمطالبة بتعديل الدستور الذي أقر أخيرا باستفتاء شعبي، فإن انفلات الأوضاع الأمنية في مناطق عدة، منها العاصمة، مست بهيبة الدولة وقوى الأمن، وسمحت بسيطرة مجموعات لا تحسب على أي طرف سياسي ولا تعرف توجهاتها. ويزداد الحديث عن مجموعات جديدة "بلاك بلوك" و"الألتراس". وفي الأيام الثلاثة الأخيرة أحرق محتجون عددا من المكاتب والمقار التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وقطعوا الشوارع والجسور في أكثر من مكان، وسرقوا محتويات بعض البلديات والدوائر الحكومية.
 ويبدو أن الأمور في أرض الكنانة ليست في أفضل حالاتها، وتزداد الأمور تعقيدا في ظل انسداد الأفق السياسي، وعدم وضوح سكة الحل للخروج من صعوبات الفترة الانتقالية، والانتقال إلى تنفيذ مطالب الشعب المصري بلقمة العيش، والعدالة الاجتماعية. ومع بروز مشكلة بورسعيد برز انقسام مجتمعي حاد حول قرارات القضاء المصري الذي طالما عرف بنزاهته، ولم يكن محط خلاف بين المصريين حتى في عهد الاستبداد أثناء حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقرار القضاء حول "مذبحة بورسعيد" نزلت "بردا وسلاما" على مشجعي النادي الأهلي الذين فرحوا وابتهجوا، ونزلت كوقع الكارثة على قسم من أهالي مدينة بورسعيد(وخاصة اهالي المحكومين) وقابلوها بتنظيم هجوم على السجن تسبب بمجزرة جديدة. وكالعادة استغل الإعلام الواقعة ليصب الزيت على النار، ويعمق من جراح المصريين، ويزيد من حالة الاستقطاب.    
وفي مصر اليوم الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة. وأهم الأسئلة كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وهل مازالت هناك إمكانية لتلافي الانزلاق إلى كارثة تأتي على ما تبقى من هيبة الدولة، وتضع حدا للتدهور الأمني والاقتصادي؟ وكيف السبيل إلى تحقيق الاستقرار وتنفيذ مطالب الثورة؟.

ثمار التخبط في الفترة الانتقالية...

قبل عامين استطاع المصريون بثباتهم وصمودهم في الساحات اجبار الرئيس مبارك على التنحي، لينتهي به الأمر إلى المحاكم. لكنهم، رغم بلوغ ثورة 25 يناير سن الفطام، لم يستطيعوا الانتقال بمصر إلى برّ الأمان، بل على العكس من ذلك فإن السنتين الأخيرتين ربما تكونان الأسوأ على مصر من عدة جوانب أولها انعدام الأمن، وتراجع الاقتصاد وشل عجلة الانتاج، والإنقسام الحاد. وتقف مصر على حافة الفوضى، وينحصر الحديث عن استمرار الثورة، أو موجة ثانية من الثورة.
ولا بد من الإشارة إلى عدد من المحطات المهمة بعد انتصار ثورة يناير/كانون الثاني 2011 والتي كان لها دور بارز ومؤثر في تطور الأحداث وصولا إلى ما نشهده حاليا.
فقد رحبت القوى الثورية في البداية بالتدخل "المحمود" للجيش ودوره في منع الانفجار قبل عامين، وفي نفس الوقت فإن القوى السياسية والمجتمعية التي اتفقت على إسقاط مبارك لم تكن جاهزة لرسم تصور لطبيعة الفترة الانتقالية وآلية تنفيذ برامج الثورة.
ومع غياب خطة واضحة، برزت مصاعب الانتقال من الإستبداد إلى حكم الشعب، ومازالت مصر تدفع ثمن اجتهادات خاطئة وسياسات تبناها المجلس العسكري في فترة انتقالية زادت من حجم المشكلات الاقتصادية، وفاقمت الاستقطاب الحاد في ظل حكومات ضعيفة.
فعقب انتصار الثورة بيومين أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولي إدارة شؤون البلاد بصورة مؤقتة في أعقاب الإطاحة بمبارك بيانا دستوريا تضمن تعطيل العمل بأحكام دستور عام 1971. وبعدها نظم استفتاء 19 مارس/ آذار 2011 الذي وافقت فيه غالبية المشاركين على تعديلات دستورية من بينها مادة تحدد آلية لانتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وبعد الاستفتاء صاغ المجلس العسكري إعلانا دستوريا يتألف من 63 مادة، من بينها المواد التي جرى الاستفتاء عليها. وتنص إحدى مواده على أن "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ، ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء". 

استفراد الإخوان وتشبثهم بالسلطة...

ولم تشارك حركة الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي في المظاهرات التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011. لكن الحركة استطاعت قطف ثمار الثورة لأنها تملك تنظيما قويا متماسكا، زاد رصيده على حساب تشرذم قوى الثورة، وفشل الحكومات بعد مبارك في تثبيت الأمن وتحقيق الإستقرار، وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للسكان.
وسمح الفوز الساحق لحركات الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيون) بأغلبية مقاعد مجلس الشعب والشورى بفرض تصوراتهم على تشكيلة اللجنة التاسيسة لصياغة الدستور، وسيطرت على معظم مقاعدها حسب تعديلات مارس 2011. وبدأت معركة قضائية بصدور حكم بحل اللجنة التأسيسة في أبريل/نيسان، تلاها انتخاب لجنة في يونيو/حزيران ظلت الهيمنة فيها لـ "الإسلاميين"، وبعدها صدر حكم قضائي بحل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات الخاص به. وقبل الانتخابات الرئاسية أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا. ولعب تكاتف قوى الثورة دورا مؤثرا في دعم مرشح الإخوان محمد مرسي في الجولة الثانية أمام آخر رئيس وزراء في عهد مبارك أحمد شفيق. وتعهد مرسي بدعم قوى الثورة، وعدم إقرار أي دستور غير توافقي، ومشاركة جميع القوى السياسية لتحقيق أهداف الثورة.
واستغل مرسي هجوم سيناء صيف العام الماضي لينهي هيمنة المجلس العسكري، ويلغي الإعلان الدستوري المكمل، ويصدر إعلانا دستوريا جديدا تضمن نصا يقول: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها شكل رئيس الجمهورية خلال 15 يوما جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع المصري بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها".  
ويذهب فريق واسع إلى أن الأزمة الحالية تصاعدت بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 ومنحه سلطات واسعة، وحصن الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من أحكام القضاء، ومدد فترة عملها شهرين إضافيين، كما حصن الإعلان الدستوري مجلس الشورى. واعتبر المعارضون أن مرسي نصب نفسه ديكتاتورا وفرعونا جديدا على أرض الكنانة بعدما نص الإعلان على عدم إمكانية الطعن بقراراته السابقة واللاحقة إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد. وفجر الإعلان الدستوري ردود فعل غاضبة واحتجاجات عنيفة من أطياف سياسية ومجتمعية مختلفة. وقد تراجع مرسي عن بعض فقرات الإعلان الدستوري لكنه أصر على تنظيم استفتاء على الدستور أقر بأغلبية في صناديق الإقتراع، رغم المعارضة الكبيرة لبعض بنوده التي تؤكد المعارضة أنها تنتهك حقوق الأقليات والمرأة وتكرس "أخونة" الدولة، مما فجر خلافات جديدة لم تنته في الشوارع والساحات.

تلافي الإنزلاق إلى الفوضى ومفاتيح الحل...

وتواصل المعارضة اتهام  الرئيس مرسي بأنه تحول في أقل من ستة أشهر من مرشح احتياطي لحركة الإخوان المسلمين، ثم إلى ممثل للثورة بعد الخيار الصعب الذي أجبر نحو 22 في المئة من الناخبين للتصويت له ضد شفيق، إلى رئيس ينفذ أجندات حركة الإخوان المسلمين، ويأتمر بتوجهات المرشد العام للحركة.
وأضر الخلاف بين الرئيس والمؤسسة القضائية في شأن عزل النائب العام والصمت عن محاصرة المحكمة الدستورية، اضر بهيبة القضاء. وتأثرت صور مرسي كثيرا عقب اعتداء أنصاره على المعتصمين قرب قصر الإتحادية. وأصبحت قوى الأمن حائرة مما جعلها غير قادرة على ضبط الأمور مع انتشار مجموعات مختلفة تطالب بالقصاص أو الرصاص، وتتردد في استخدام القوة وقت الضرورة لمنع الانجرار إلى الفوضى وما هو أسوأ. ويزداد تدخل "فلول" النظام السابق، وأطراف محلية وخارجية ، كل لأجندة خاصة فيه. ولا يمكن التخفيف من افعال الحركات الشبابية الناشئة ودورها العنيف في قطع الطرق والتخريب.
وبالأمس أعلن الرئيس مرسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما في مدن القناة الثلاث بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، عقب سقوط العشرات بين جريح وقتيل، وجدد دعوته للحوار مع الكتل الرئيسية للمعارضة. وأعلنت جبهة الانقاذ الوطني المعارضة أن خطوات الرئيس الأمنية جاءت متأخرة، رفضت "جبهة الانقاذ الوطني" المصرية دعوة الحوار التي اطلقها الرئيس محمد مرسي، واصفة الحوار بأنه "شكلي ولا مضمون له"، داعية الى "تشكيل حكومة وحدة وطنية تدعم ملف العدالة الاجتماعية". واشارت الى انها مع كل "حوار جدي". وهددت الجبهة سابقا بمقاطعة الانتخابات البرلمانية ما لم تستجب السلطة إلى مطالب حددتها بعدة نقاط هي "تشكيل لجنة قانونية لتعديل الدستور" و"تشكيل حكومة انقاذ وطني" وازالة "العدوان على السلطة القضائية وإقالة النائب العام الحالي" و"اخضاع جماعة الاخوان المسلمين للقانون".
وتحتم التطورات في أرض الكنانة وتصاعد العنف على الساسة تبني قرارات تاريخية لانقاذ البلاد من الإنزلاق الى حالة عامة من الفوضى، وانهيار الاقتصاد الوطني. ومما لا شك فيه أن الحلول الأمنية ضرورية من أجل فرض الاستقرار في البلاد، لكن الأهم الانطلاق إلى حلول سياسية.
وأخيرا فإن مصر تعيش أزمة كبيرة مركبة يتحمل نظام الإستبداد السابق قسما كبيرا منها، وساهمت أخطاء الفترة الانتقالية في تعطيل التوصل إلى حلول سريعة وواضحة للأزمة. لكن الشعارات المرفوعة في الساحات في الذكرى الثانية للثورة تؤكد أن فريقا واسعا من المصريين ضاق ذرعا بمحاولة الإخوان المسلمين حكم مصر لوحدهم وفرض الدستور الملائم لأهواء الحركة. كما أن الغضب يزداد من جراء تأخر الحكومة والرئيس في إيجاد حلول للمشكلات المستعصية مثل الفقر والبطالة وغيرها. ويبدو أنه على الرئيس مرسي تذكر الثمن الكبير الذي دفعه الرئيس مبارك جراء تأخره في تبني الخطوات المناسبة في الوقت المناسب. وعلى قادة حركات الإسلام السياسي التفكير جديا في قدرتهم على حكم مصر بمفردهم، فثورة يناير رفعت الظلم عن حزب الإخوان "المضطهد" منذ عشرات السنين، لكنها في نفس الوقت قوت جميع حركات المجتمع المصري وأحزابه السياسية. وعلى قادة الإخوان إجراء مراجعة نقدية لما قدموه حتى الآن من أجل ملامسة معاناة المواطن البسيط المهتم بلقمة العيش والكرامة وغير المعني كثيرا بالصراع السياسي. ولعل الأهم أن يقنع أول رئيس مدني منتخب لمصر معارضية أنه رئيس كل المصريين، وأن تنخرط المعارضة جديا في بناء مصر وإيصال الثورة إلى أهدافها، وعلى الرئيس والمعارضة السعي بجد إلى صوغ عقد اجتماعي وسياسي جديد يحدد العلاقة بين الحاكم والشعب، وإدارك حقيقة أن تسجيل النقاط على حساب الآخر لا يفيد في المراحل الانتقالية التي تتطلب تكاتف الجميع لانقاذ البلاد من الانزلاق إلى فوضى عارمة، تجعل البعض يترحم على أزمنة الإستبداد.
سامر الياس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger