السبت، 25 يونيو 2011

لماذا يخافون الانتخابات أولاً ؟!

|
photo
جمال سلطان (المصريون)
الذين يقولون أن مصر لم تتطهر بعد من "أوكار" النظام السابق محقون في قولهم بدون أي شك ، فالثورة المصرية الرائعة كسرت شوكة النظام وحطمت "قشرته" السياسية ، ولكن يبقى أن هذا نظام عتيق يتوارث مؤسساته وقوانينه وألاعيبه وخبراته وحتى رجاله عبر أكثر من ستين عاما ، باعتبار أن التحولات السياسية التي شهدتها مصر منذ عبد الناصر وحتى مبارك كانت تعيد انتاج قدراتها ورجالها وأدواتها من داخل النظام نفسه ، بغض النظر عن تغير الخطاب الدعائي للقيادة السياسية ، ومن هنا نقول باطمئنان كامل أن ثورة الشعب المصري في يناير 2011 كانت الأعظم في تاريخ مصر الحديث ، لأنها قطعت هذا التسلسل والترابط والاستمرارية في خبرات قمع الشعوب وأدواتها ورجالها .

لكن نظاما بهذا القدر من الاتساع والامتداد والخبرات ، لم يكن متصورا أن يتم تطهير كل جيوبه وبقاياه في استعراضات الشوارع وضجيج الفضائيات وفقاعات الصحف ، كما أن إنجاز هذا التطهير لا يمكن أن تقوم به حكومة مرتعشة أو مؤقتة أو عابرة سبيل ، ولكن تلك العملية التطهيرية تحتاج إلى قدرات فنية وإدارية وعلمية وسياسية عالية ودقيقة ، تتبع هذه الأوكار ورجالها وأدواتها ومؤسساتها وحيلها ودفاترها في دهاليز الجهاز الإداري للدولة ، في مختلف المجالات ، الاقتصادية أولا ثم الأمنية والقضائية والإدارية البحتة ، وتقود هذه العملية سلطة الشعب الحقيقية التي أتت بها ثورته ، وليس أي حكومة تم تعيينها بدون اختيار الشعب ، مع وافر التقدير لأي جهة أيا كانت ، إلا أن حكومة الشعب هي التي تعرف أن ولاءها الكامل والمطلق هو لهذا الشعب الذي أتى بها ، وليس لأي جهة أخرى ، وأن حسابها وعقابها سيكون من هذا الشعب وليس من أي جهة أخرى ، وبالتالي ، تكون هذه الحكومة هي الوحيدة القادرة على فتح كل الملفات ، وإدارة العملية المعقدة والدقيقة لتتبع أوكار الفساد والإجرام التي عششت في دهاليز الدولة وأركانها .

في هذا الإطار يمكن أن نتفهم ضراوة الحرب التي تشنها جهات كثيرة من بقايا النظام السابق ، والقطط السمان التي انتفخت من فساد عصره وتضخمت في السياسة والإعلام والاقتصاد ، الذين يتلبسون ـ زورا ـ بلباس الثورة ، من أجل منع الوصول إلى الانتخابات البرلمانية ، وتأجيلها إلى أبعد مدى ممكن حتى يتم تفريغ الثورة من شحنات الحيوية والجسارة ، وترويض أبنائها في استقطابات مالية وسياسية وإعلامية داخل مصر وخارجها خلال عامين أو ثلاثة ، فينتهي كل شيء ، وتتمكن تلك القوى من إعادة إنتاج منظومة القمع والفساد القديمة ، والاستمرار في احتلاب مصر وتركيعها اقتصاديا ، لأن المشروع الديمقراطي وقتها لن يجد "الوقود" الذي يدفع محركاته من أجل انتزاع السلطة ليد الشعب ، في برلمان حر ، وحكومة منتخبة ، ورئيس منتخب .

كانت بعض هذه الوجوه من قبل تحاول تعطيل الانتخابات أو حتى إلغاءها باختراع أفكار من نوعية أن الأولوية هي "تشكيل مجلس رئاسي مدني" ، فلما فشلت هذه اللعبة وبانت سخافتها ، راحوا يدعون إلى مد الفترة الانتقالية وقيادة الجيش للسلطة لمدة عامين أو ثلاثة بدعوى استقرار الأمن واكتساب الكتل السياسية الجديدة خبرات ، ولما كانت هذه فضيحة تركوها وراحوا يفجرون قضية البدء بالدستور وبعد أن نفرغ من الدستور ـ بعد عمر طويل ـ نفكر في الانتخابات ، وبكل أمانة ، كل هذه مجرد أحجار يلقيها محترفون من أجل إعاقة طريق الشعب المصري نحو الديمقراطية ، وللحيلولة دون إنجاز أول برلمان منتخب منذ أكثر من ستين عاما .

لا يوجد أي خطر من مسألة إنجاز الدستور بعد انتخابات البرلمان ، لأن أحدا لا يجرؤ على تجاوز استحقاقات الثورة ومبادئها ، ومن السهل الاتفاق على مبادئ أساسية بين الجميع ، ولكن حتى لو تم الاتفاق على تلك المبادئ ، سيظلون يطالبون بالدستور أولا ، وإذا تركوا قصة الدستور أولا كما تركوا ما سبقها ، سيخترعون فكرة جديدة ومطلبا جديدا ، والهدف هو تأجيل "خطر" برلمان الثورة الحر ، وإبعاد "شبح" حكومة وطنية منتخبة ، هذا هو جوهر خوف هؤلاء "الأباطرة" الكبار ، وأما الشباب "الغر" البسيط والمندفع الذي يروج لتلك الأفكار ، فهم مجرد "وقود" لمعارك "الأباطرة" ، بعضهم ببراءة ، وبعضهم بوعي كامل بالمطلوب ، وسوف نكشف في المصريون قريبا جدا مفاجآت من العيار الثقيل تلقي الضوء على خلفيات "أباطرة" الدعوة للدستور أولا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger