الأحد، 6 يناير 2013



تصحّر ثقافي بقيادة الإخوان، بعد التصحّر السياسي


خيرالله خيرالله 

ما يجمع بين مصر وسوريا وليبيا وتونس، أي بين البلدان الأربعة التي شهدت ثورات شعبية، هو دخولها في مرحلة مخاض. ستكون المرحلة طويلة، لكنّها يمكن أن تمهد، بالنسبة إلى المتفائلين، لإعادة تشكيل الدولة… كما يمكن أن تؤدي إلى انفراطها، أي إلى تفتيت لمصر وسوريا وليبيا وتونس وذلك في ظل التصحّر الثقافي نتيجة التصحّر السياسي. 

صحيح أن التغيير الحقيقي لم يحصل بعد في سوريا وأن الثورة فيها مستمرّة، لكن الصحيح أيضا أن سوريا التي عرفناها باتت من الماضي، خصوصا أن سقوط النظام مسألة وقت لا أكثر. سقوط النظام الذي زرع بذور الطائفية والمذهبية والبؤس في سوريا نفسها وفي لبنان، وحيث استطاعت يده أن تصل، سيكون بين الأحداث الأهمّ في السنة 2013، نظرا لأنه سيكون المؤشر الحقيقي لانطلاق عملية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. هذه العملية أسّس لها الزلزال العراقي في آذار/مارس 2003، قبل أقلّ بقليل من تسع سنوات. وقتذاك، بدأت الحرب الأميركية على العراق التي توجت بدخول الأميركيين بغداد وتحطيم تمثال صدّام في التاسع من نيسان/أبريل. 

كان لا بدّ من رحيل الطاغية ونظامه. كان ذلك ضرورة للعراقيين وأهل المنطقة كلها، لكنّه كان يفترض بالإدارة الأميركية أن تأخذ في الاعتبار أنّ ما تقوم به في المنطقة سيزعزع أسس النظام الإقليمي الذي كان قائما منذ عشرينات القرن الماضي إثر انهيار الدولة العثمانية. 

ستطول مرحلة المخاض في البلدان الأربعة. يعود ذلك إلى أن كل الأنظمة التي حكمت في مصر وسوريا وليبيا وتونس سعت إلى إلغاء الحياة السياسية. كان هناك تصحّر سياسي في البلدان الأربعة. 

لم يترك النظام المصري، الذي قام في 23 تموز/يوليو من العام 1952 إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح الملكية، أي مجال لأيّ حياة سياسية طبيعية. وفي تتويج لإلغاء الحياة السياسية، كانت آخر انتخابات في عهد الرئيس حسني مبارك. في تلك الانتخابات، لم يستطع أي عضو من الإخوان المسلمين الفوز بأيّ مقعد نيابي، علما بأنّه لا يمكن تجاهل أنّ الإخوان، خصوصا في ظلّ هبوط مستوى التعليم والثقافة في مصر، يمثلون نسبة لا بأس بها من المصريين. كان من الأفضل تركهم يصلون إلى مجلس الشعب، وحتى إلى تشكيل الحكومة لكشف حقيقتهم وما إذا كان في استطاعتهم حلّ أي مشكلة من مشاكل أكبر بلد عربي بعيدا عن الشعارات والكلام الكبير؟ 

في سوريا، حيث العنف يزداد يوميا، كان أكثر من طبيعي حصول الانفجار الكبير الذي بات يهدد الكيان. إنه الكيان الذي قام نتيجة اتفاق سايكس- بيكو في العام 1916 والذي حاول العلويون تعديل حدوده في الثلاثينات من القرن الماضي مفضلين أن يكونوا جزءا من لبنان الكبير بدل أن يكونوا جزءا من دولة ذات أكثرية سنّية. فشل العلويون في ذلك. ولما تسلّموا السلطة تدريجياً منذ انقلاب الثامن من آذار- مارس 1963 وصولا إلى تولي حافظ الأسد الرئاسة في شباط- فبراير 1971، عملوا على تدمير مؤسسات الدولة. فعل الأسد الأب ذلك عن طريق اختصار الدولة في الأجهزة الأمنية الواقعة تحت سيطرته المباشرة. 

الأهمّ من ذلك كلّه، أنهم عملوا على تغيير طبيعة المجتمع السوري. غطّى حافظ الأسد هذه العملية المدروسة عن طريق الشعارات الفضفاضة المرتبطة بالعروبة وفلسطين. ما يحصده بشّار الأسد اليوم هو ما زرعه والده الذي رضخ للعائلة في السنوات الأخيرة من حياته ووافق على التوريث، علما بأنّه كان مفترضا به، بفضل الدهاء الذي يمتلكه، الامتناع عن ذلك! 

ليس معروفا مصير ليبيا. الأمر الوحيد الأكيد أنّ معمّر القذافي لم يكتف بالقضاء على النسيج الاجتماعي للبلد والحياة السياسية فيه. ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. قضى حتى على التعليم وعلى كل ما له علاقة بإنشاء مؤسسات في دولة قابلة للحياة. يبدو أن القذّافي حقق ما كان يطمح إليه، أي القضاء على أيّ أمل يقيام دولة في ليبيا بمجرد انتقاله إلى العالم الآخر. 

بالنسبة إلى تونس، هناك وضع مختلف. فما لا يمكن تجاهله أن زين العابدين بن علي ليس بسوء القذّافي أو حافظ الأسد أو بشّار الأسد أو حسني مبارك. كانت مشكلة زين العابدين في أنّه حوّل تونس، من بلد، إلى حيّ يديره مسؤول المخفر الموجود في هذا الحيّ. جعل من تونس المليئة برجال الدولة، الذين ترعرعوا في ظلّ رجل عظيم اسمه الحبيب بورقيبة، بقي عظيما إلى حين اقترابه من السبعين، دولة بوليسية لا مكان فيها سوى لموظفين صغار يعملون لدى الرئاسة لا يجيدون سوى كلمة نعم! 

هل يمكن للذين ورثوا حسني مبارك ومعمّر القذافي وزين العابدين بن علي والذين سيرثون بشّار الأسد بناء دول حديثة لا تصحّر سياسيا فيها، أم أن التصحّر سينتقل، بفضل الإخوان المسلمين، من السياسة ويتمدد في اتجاه كل ما هو ثقافي أيضا؟ 

الخوف كلّ الخوف أنّ تكون تركة الأربعة كبيرة إلى درجة سيحتاج فيها إعادة بناء الدولة إلى سنوات وسنوات. 

تختصر مصر أزمة ما بعد الثورات العربية في أسئلة غاية في البساطة مرتبطة إلى حد كبير بقيام دولة عصرية ذات شأن، بغض النظر عمّا إذا كانت تمتلك ثروة نفطية أم لا، وبغض النظر عن كمية الغاز والنفط في سيناء. بين الأسئلة التي ستطرح مستقبلا: ما مستقبل السينما المصرية؟ ما مستقبل المسرح المصري؟ هل سنرى يوماً فناناً مصرياً جديداً…أم أنّ كلّ ما سنراه حنين إلى ماض بعيد يصعب مع مرور الأيام استعادته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger