الاثنين، 21 يناير 2013

20.01.201318:16

ماذا تبقى لكي نقر بأفغنة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟!

ماذا تبقى لكي نقر بأفغنة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟!
ماذا تبقى لكي نقر بأفغنة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟!
لم تكن الأمور واضحة بالشكل الكافي ونحن في "جوبا" عاصمة جمهورية جنوب السودان نغطي احتفالات "تقسيم السودان" إلى سودان إسلامي شمالي، وآخر مسيحي جنوبي. ظللنا في جوبا من 2 إلى 18 يناير 2011. غطينا احتفالات "استقلال جنوب السودان" يوم 10 يناير. قبل سفرنا بيوم واحد من موسكو استيقظنا على أخبار تفجير كنيسة القديسين في محافظة الإسكندرية المصرية. وبداية من 12 يناير بدأت الأنباء تأتي من تونس.
عدنا، ومجموعة التصوير، إلى موسكو في 18 يناير 2011. وعلى الفور جهزنا أنفسنا وتوجهنا إلى تونس لنصل إلى مطار قرطاج بعد ظهر يوم 20 يناير 2011. عشنا الحالة التونسية في ذروتها وتابعنا تفاصيل كل الأحداث التي جرت هناك حتى يوم 31 يناير. وكان راشد الغنوشي قد عاد إلى تونس يوم 30 يناير، وشاهدناه وسط حراسته الخاصة ومريديه وكاميرات التلفزيون مزهوا بشكل مثير للتساؤلات. حتى هذه اللحظات لم نكن نتصور أن الأمور سوف تسير على نحو آخر تماما. إذ أن أحداث ليبيا لم تكن قد بدأت بعد. كل ما كان يشغلني في يوم 30 يناير، بعد أن تركت مجموعة التصوير في تونس ليحل محلي زميل آخر، هو سرعة التوجه من تونس إلى القاهرة نظرا للأحداث المخيفة الجارية هناك. توقفت حركة الطيران في ذلك اليوم. لم أسافر على طائرة مصر للطيران. وبالتالي كان لابد وأن أنتظر أسبوعا آخر للوصول إلى القاهرة. في هذه اللحظات الصعبة التقيت الزميل والصديق الصحفي مصطفي بسيوني الذي كان يغطي أحداث تونس. وظللنا معا.
في وقت متأخر من يوم 30 يناير، تم حل مشكلة تغيير بطاقة السفر على الطائرة التونسية المتجهة إلى القاهرة في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 31 يناير. ولكن في الساعة الثانية بالضبط بدأ إضراب عمال ميناء قرطاج الدولي. وبدلا من الجلوس بدون عمل، بدأت أغطي الإضراب من داخل المطار. وفي وقت متأخر سمح التونسيون بالصعود الى متن إحدى الطائرات المتجهة للقاهرة لإخلاء المواطنين التونسيين الموجودين في مصر.
وصلنا، أنا ومصطفى بسيوني، إلى القاهرة حوالي الساعة الرابعة فجرا من يوم 1 فبراير 2011. حذرونا في المطار من الخروج قبل الساعة السابعة صباحا بسبب حظر التجول وإمكانية التعرض لأي خطر. جازفنا وتمكنا من العثور على تاكسي. تجاوزنا كل الحواجز الأمنية والحواجز التي أقامتها اللجان الشعبية، ووصلنا إلى وسط القاهرة في حوالي الساعة السادسة صباحا. كان مرورونا بكل هذه الحواجز كفيلا بأن يعطينا صورة مبدئية عما يجري في مصر من أحداث.
لحقت بي مجموعة تصوير أخرى في القاهرة. وظللنا في القاهرة حتى يوم 25 فبراير 2011. غطينا كل ما دار بالتفصيل في تلك الفترة. وكانت أحداث ليبيا قد بدأت منذ حوالي أسبوع أو 10 أيام. ولكن خلال التغطيات والمقابلات في مصر ظهرت أفكار وأحاسيس غير مطمئنة بالمرة عبرنا عنها في مقالات متفرقة في تلك الفترة. وهذا فيما يتعلق بتحركات تيارات الإسلام السياسي والإجراءات المتضاربة التي يفرضها المجلس العسكري آنذاك. لم يكن هناك ما يمكنه أن يؤيد تلك الأفكار والأحاسيس التي بدأت تثير الشكوك والمخاوف.
في يوم 25 فبراير غادرنا القاهرة واتجهنا نحو الغرب إلى السلوم. قمنا بتغطية ما يجري على الحدود المصرية الليبية طوال ذلك اليوم وخلال النصف الأول من يوم 26 فبراير. وبعد الظهر عبرنا الحدود وتوجهنا إلى بنغازي. ووصلنا فجر يوم 27 فبراير. قمنا بأعمالنا المعتادة. وفي يوم 28 فبراير أعلن المجلس الوطني الانتقالي عن تأسيسه وعن أول مؤتمر صحفي له. ووجهنا سؤالا إلى مدير المؤتمر عبد الحفيظ خوجة عن مشاركة واشنطن في تشكيل المجلس الوطني. رفض الرجل الإجابة على السؤال الذي تكرر 3 مرات إلى أن أصر كل المراسلين والصحفيين الأجانب والعرب على الإجابة. فرد الرجل بالإيجاب. وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد أدلت بتصريح يوم 26 فبراير حول أن واشنطن تتابع مع النخبة الليبية الجديدة تفاصيل تشكيل مجلس وطني انتقالي.
مع ممارستنا أعمال التغطية الصحفية اليومية المعتادة، بدأت أركز على الجانب السياسي وتفاصيل الأدوار القطرية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، حتى همس لي أحد الأشخاص القريبين من المجلس في أحد أيام الأسبوع الأول من شهر مارس بأن هناك عملية إنزال لقوات خاصة بريطانية في صحراء بنغازي. وطلب مني عدم استخدام هذه المعلومات لبعض الوقت. ولكن بعد يوم واحد فقط، صدرت إحدى الصحف البريطانية لتعلن أن سلطات المجلس الوطني الانتقالي ألقت القبض على بعض الدبلوماسيين البريطانيين وهناك أزمة دبلوماسية بين المجلس ولندن. وعلى الفور أبلغت على الهواء مباشرة خبر عملية الإنزال.
كانت هذه الأحداث كفيلة بوضع النقاط على الحروف بشأن ما يجري في ليبيا، خاصة وأن الأوضاع في طرابلس والجزء الغربي من البلاد كانت تتفاقم بشكل سريع وخطير. وكانت الأمور تتطور في كل من مصر وتونس أيضا. وبدأت بشائر تحركات في كل من المغرب والجزائر وسورية. ورافق ذلك ظهور غير طبيعي لجماعات الإسلام السياسي وتقارب غير مسبوق مع الدبلوماسية الغربية، وبالذات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. وزادت الزيارات المكوكية للدبلوماسيين الأمريكيين لكل من تونس والقاهرة وبنغازي.
من هنا تحديدا بدأت الأفكار تدور حول نسق أفغاني يجري إعداده للمنطقة باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما في ذلك إعادة المجاهدين من أفغانستان والعراق وكوسوفو والبوسنة إلى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ليس فقط بعلم الأجهزة الأمنية الغربية ومثيلتها المحلية في كل دولة، بل وأيضا بالتعاون معها. بل وبدأت المعلومات حول تسهيل مرور السلاح وتحرك شحنات اسلحة في المنطقة ككل وعبر الحدود.
وهكذا ومنذ عامين بالضبط بدأت أكتب عن أفغنة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبدأ البعض ينزعج من مثل هذه التوصيفات والمصطلحات إلى درجة السخرية والتهكم. وأكدتُ في العديد من المقالات واللقاءات أن العملية ليست مجرد أفغنة مثل أفغانستان وباكستان بالضبط، لكن ما أقصده هو تحويل المنطقة إلى نسق أفغاني. ولكن حتى هذه التفسيرات قوبلت بالرفض والتعنت. والآن، ما يجري في شمال أفريقيا وبعض دول المنطقة أصبح لا يختلف إطلاقا عما يجري في أفغانستان وباكستان. ولننظر ماذا يجري في ليبيا والجزائر ومالي ومصر وسورية والعراق والسودان والصومال واليمن. علما بأن أحداث الميناء النفطي الجزائري واحتجاز الرهائن لن يكون الأول. المدهش أن الولايات المتحدة وفرنسا صرحتا يوم الأحد 20 يناير 2013 بأنهما سوف تواصلان حربهما ضد تنظيم "القاعدة" في شمال أفريقيا!!!! بالضبط مثلما حاربته وتحاربه الآن في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق. أي أن واشنطن وباريس ولندن ساعدت ودعمت أنظمة يمينية دينية متطرفة في الوصول إلى السلطة في بعض دول شمال أفريقيا، مثلما وضعت أنظمة غير مفهومة في أفغانستان وأخرى عسكرية – دينية في باكستان، وتواصل دعمها وتأييدها وتمويلها لهذه الأنظمة. بل وبدأ التحالف الأمريكي – الأوروأطلسي يحارب تنظيم "القاعدة" في شمال أفريقيا، بالضبط مثلما يحاربه الآن في كل من أفغانستان وباكستان!! إذن، ماذا تبقى لندرك أن الولايات المتحدة والمحور الأوروأطلسي نجحا بالفعل في نقل نسق الأفغنة إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وأن الحرب على "القاعدة" مستمرة إلى أن تتحول كل دول المنطقة إلى أفغانستان وباكستان حقيقيتين في ظل أنظمة يمينية دينية متطرفة، وأخرى يمينية فاشية، وثالثة استبدادية، وكلها تحظى بتأييد أمريكي – أوروأطلسي ليس فقط على مستوى الدعم السياسي والمالي، بل وأيضا العسكري!!!
د. أشرف الصباغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger