الجمعة، 27 مايو 2011

لنتجاوز معا هذا الشغب السياسي العبثي


جمال سلطان (المصريون) 26-05-2011

شعرت بالدهشة الشديدة وأنا أقرأ أو أستمع لكلام بعض الشباب الذي يريد أن يتظاهر في ميدان التحرير غدا الجمعة تحت شعار "جمعة الغضب" ، وأيقنت أن هذا القطاع من الشباب لا يصلح أبدا لتصدر مشهد إعادة بناء مصر الدولة ، كما أن بعض هؤلاء الشباب لم يعودوا يخفون عداءهم للديمقراطية وخصومتهم مع الشعب نفسه ، وهذا أمر مؤسف ، كما أن حجم التناقضات في مواقفهم وآرائهم تكشف عن عدم وضوح الرؤية تجاه المستقبل ، وأنهم يعرفون ما لا يريدون ، ولكنهم قطعا لا يعرفون ماذا يريدون .

لقد تنازلوا ـ مشكورين!! ـ عن مطلب تشكيل مجلس رئاسي ، ويبدو أنهم أدركوا مؤخرا استحالة أن يتفق ثلاثة أشخاص على ثلاثة مرشحين ، وبوجه آخر ، فإن المسألة أصبحت مكشوفة ومفضوحة ، وأن اللعب أصبح لحساب أشخاص بعينهم ، ولكنهم ارتكبوا جريمة أخلاقية أسوأ من الفكرة الأولى ، وتلك أنهم أرادوا ، سرقة الشعب المصري وإرادته ، بإلغاء نتائج الاستفتاء الدستوري الأخير ، وتجاهل هذه النصوص الدستورية التي صوت عليها ملايين المصريين ، وأهمها أن يتم اختيار لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد من خلال مجلس الشعب المنتخب انتخابا حرا ، وذلك في خلال ستة أشهر من تشكيل البرلمان ، بعض الشباب "النزق" قال : يفتح الله ، نريد أن نشكل الدستور الآن وبدون برلمان ، أي أنهم اعتبروا أنفسهم هم المرجعية وهم الشعب ، وأن ملايين المصريين بقواهم السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية لا قيمة لهم .

والسؤال : لماذا الدستور الآن وليس من خلال لجنة منتخبة خلال أقل من سنة من الآن ، قالوا أنهم يخافون أن يكون البرلمان المقبل من غالبية من الأحزاب والقوى الإسلامية ، وبالتالي تكون اللجنة المختارة مقربة منهم ، وبالتالي يكون الدستور الجديد على مقاسهم ، وهذا الكلام هوس لا مكان للعقل فيه ، وهو يكشف بداية عن هزال تلك المجموعات الشبابية سياسيا ، وعن إدراكهم لحقيقة عزلتهم عن الشعب وعن المجتمع ، واعترافهم بأنهم يشعرون أن الشعب سيعاقبهم في الانتخابات وسوف يخسرون ، وبدلا من أن يصححوا علاقتهم بالشعب ويتصالحوا مع "الناس" ويعيدوا جسور التواصل مع خلاياه ، يريدون أن يعاقبوا الشعب ويهمشوه ويستبعدوه من صياغة مستقبل الوطن ، لأنه سيختار غيرهم في الانتخابات ، هل هذا عقل سياسي ، ناهيك عن أن ينسب إلى ديمقراطية أو ثورة "شعبية" .

حسنا ، دعونا نصوغ الدستور الآن وليس غدا أو بعد تشكيل البرلمان ، فمن الذي سيعد هذا الدستور الآن ، ومن الذي يختار أسماء من يعدون الدستور ، ومن الذي فوضه بذلك، وماذا لو اعترض ملايين المواطنين على هذه الأسماء ، وماذا لو طرحت بعض قوى الثورة أسماء وطرح آخرون أسماء أخرى ، بأيهما نأخذ ، أم نجري قرعة ؟! ، طيب ، وافقنا على اللجنة ولم نعترض على أحد فيها وسلمنا بالجميع وأعدت اللجنة النصوص الدستورية ، أين نذهب بتلك الأوراق والنصوص التي يكتبونها ، أليس من المحتم أن نذهب بها إلى الشعب من أجل الاستفتاء عليها لتكون دستورا للبلاد ، لكن هنا المشكلة ما زالت باقية أيها "الرفاق" ، وهو أن القوى التي تخشون منها ستكون هي الأكثر قربا وتأثيرا في الشعب والمجتمع ، وبالتالي فهي التي ستحسم وجهة التصويت والاختيار ، تماما كما حدث في الاستفتاء الأخير ، فما العمل هنا إذن ، هل نلغي الاستفتاء ونصدر "فرمانا" أن هذه النصوص هي دستور البلاد رغم أنف الشعب المصري كله ، وبدون تصويت ولا ديمقراطية ولا يحزنون ، إنها دائرة مغلقة وسوداوية ومترعة بالهوس الذي يتحدث به شباب عبثي التفكير ، كما أنه فكر عقيم ولا يصلح أبدا في أي سجال سياسي محترم أو عقلاني .

والحقيقة أن مساحات الاختلاف في الدستور الجديد ستكون محدودة جدا ، ولا خوف عليها من إسلاميين أو علمانيين ، أو يسار أو يمين ، ولا تجرؤ أي قوة سياسية الآن على أن تتجاهل رغبات الشعب في الحرية والكرامة ولا أن تتلاعب بها ، لأن مطالب الشعب باتت شديدة الوضوح ، بعد طول معاناة مع القمع والديكتاتورية ، بتعزيز سيادة القانون ، والحريات العامة ، وصون الحق في الاختلاف وسيادة القانون والفصل بين السلطات وغير ذلك مما يدعم أشواق الأمة نحو الحرية والحياة الديمقراطية السليمة ، ونقاط الخلاف يمكن أن تنحصر في المدى الذي نقلص به صلاحيات منصب الرئيس وهل يكون الحكم برلماني أو رئاسي ، وأيضا الخلاف حول إبقاء أو إزالة نسبة العمال والفلاحين وكوتة المرأة ، فما الذي تخافون منه إذا اختار البرلمان المقبل لجنة صياغة الدستور .

بدلا من الدخول في متاهات فارغة ، وعبث سياسي مهين للثورة ووجهها الرائع الذي بهر العالم ، علينا أن نفكر بجدية وإحساس بالمسؤولية في أولويات حقيقية وجادة ، وتفصيلية ، علينا أن نتحاور من الآن في ما نأمله في دستور مصر الجديد ونبلوره بحيث يكون حاضرا بوضوح كاف أمام اللجنة التي ستصوغ الدستور الجديد ، وأن نركز الآن على تحصين المؤسسة الأمنية إداريا وقانونيا من أن تنزلق إلى الممارسات الإجرامية السابقة ، وأن تستعيد مصر عافيتها الأمنية سريعا ، وأن ندعم المجلس العسكري في كل خطوة يخطو بها نحو تأهيل البلاد لنقل السلطة إلى الحكم المدني المنتخب ، وأن تتحول الطاقات الشبابية الجديدة إلى العمل المؤسسي والحزبي المؤطر قانونا ، وبشكل سريع وعاجل ، بما يعيد تصحيح الخريطة السياسية لتعبر عن المرحلة الجديدة بشكل أفضل ، .. باختصار ، الأولوية الآن أن نفكر في البناء وليس المشاغبة السياسية المهدرة لطاقات الجميع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger