الجمعة، 27 مايو 2011

المضروبون الأربعة




د. نصار عبدالله | 26-05-2011

العشرات من الإعلاميين المصريين ـ وربما أيضا المئات ـ تعرضوا لقدر معين من الضرب من الأجهزة الأمنية فى النظام السابق ( وربما الحالى أيضا)، وهو ضرب تراوح حجمه ومداه مابين صفعة أوصفعتين على الخد فى إحدى الحالات، إلى لكمة فى الفم أو العينين فى حالة أخرى، أو إلى ركلة أو مجموعة من الركلات فى البطن ومواضع أخرى فى حالة رابعة، أو القرع بالعصا الكهربائية او الهراوة السادة فى حالة خامسة ، أو مزيج من هذا كله فى حالات أخرى ، غير أنه من بين تلك الحالات كانت هناك أربع حالات فقط يمكن الجزم بقدر كبير من الثقة بأنها كانت حالات ضرب متعمد مع سبق الإصرار والترصد!! ، أو بعبارة أخرى فإنها كانت وقائع ضرب لإعلاميين مقصودين بعينهم تم تنفيذه بناء على خطة مدروسة بعناية شديدة ، وقد جرت هذه الوقائع جميعها فى ظل النظام السابق،...هؤلاء الإعلاميون هم طبقا لتاريخ ضربهم : الأستاذ جمال بدوى عام 1995 ، الأستاذ سليم عزوز عام 2000 الأستاذ رضا هلال عام 2003 والدكتورعبدالحليم قنديل عام 2004 ، ففى عام 1995فوجىء الأستاذ جمال بدوى وهو يقود سيارته بسيارة نصف نقل مسرعة تتجاوز سيارته ثم تقف أمامه فجأة بشكل أرغمه على التوقف، بعدها نزل عشرة رجال أشداء فتحوا باب سيارته وانتزعوه منها وانهالوا عليه ضربا بطريقة وحشية ثم ألقوا به على الطريق واستفلوا سيارتهم مسرعين، وقد تقدم الأستاذ جمال بدوى وقتها ببلاغ لم يسفر عن شىء، لا عن السيارة ولا عن هوية الجناة!! ، غير أن الذى أفصح عن دافع الجريمة هو اتصال هاتفى تلقاه الأستاذ بدوى ـ فيما روى عنه ـ من شخصية سياسية رفيعة المستوى قالت له بشماتة : " علشان تبقى تلم نفسك وتحاسب كويس قبل ما تكتب "، أما الأستاذ سليم عزوز الذى يكتب حاليا بصفة منتظمة فى جريدة القدس العربى وأحيانا فى موقع :" المصريون" مقالات ساخنة تجمع فى آن واحد بين عمق الأفكار والسخرية اللاذعة ، فقد تعرض فى عام 2000فى أعقاب حملة على الدكتور يوسف والى شنتها جريدة الأحرار التى كان يكتب فيها، وكان هو شخصيا من أبرز الذين قادوا تلك الحملة ، تعرض فى ذلك الوقت لواقعة تستحق أن تروى، فقد اتصل به واحد من ضباط الشرطة الذين أنهيت خدمتهم فيما بعد، وقال إن لديه وثائق هامة تدين مسئولا أمنيا كبيرا فى وقائع جنائية، وإنه يريد أن يسلمها له أملا فى نشرها على الرأى العام ، وحدد له موعدا لتسليمها فى مكان ما بالمقطم وابتلع الأستاذ سليم الطعم رغم أنه، أو ربما لأنه ، صعيدى من طهطا ، وحين توجه إلى الموقع المحدد وجد بدلا من الضابط مجموعة من البلطجية بالأسلحة البيضاء قاموا بتشريحه ، ( التشريح فى هذا السياق يعنى إحداث جروح طولية فى الوجه والرقبة ) وما زال سليم عزوز يحمل آثار التشريح إلى يومنا هذا ...انظر إلى صورته التى تنشرها القدس العربى مع كل مقالة من مقالاته ..وسوف ترى أثر التشريح واضحا للعيان!! ...أما المضروب الثالث فقد شاء له حظه العاثر أن يتحول من مضروب إلى مقتول ...إنه رضا هلال الذى كشفت جريدة الفجر فى عددها الماضى لغز اختفائه فى عام 2003 ، ورغم أنه ليس صعيديا إلا أنه تم استدراجه إلى موقع الضرب بنفس الأسلوب الذى تم به استدراج سليم عزوز، وهو مكالمة هاتفية تطلب منه سرعة التوجه إلى مكان معين لنجدة صديق عزيز أصيب فى حادث، وبدلا من أن يجد صديقه، وجد من ينهالون عليه ضربا دون أن يأخذوا فى حسابهم أنه لايحتمل هذا القدر من الضرب ففارق الحياة بين أيديهم ، وهنا لم يجدوا حلا سوى أن يخفوا الجثة فأخفوها على مدى ثمانى سنوات سرت فيها شائعات كثيرة عن لغز اختفائه إلى أن قامت الفجر بإماطة اللثام عن اللغز بناء على الوثائق التى تم العثور عليها بعد اقتحام مقر أمن الدولة، اما رابع المضروبين فهو الدكتور عبدالحليم قنديل رئيس تحرير العربى الناصرى الذى كان أول من هاجم فساد الأسرة الحاكمة بشكل مباشر بعد أن كان الهجوم ينصب على فساد المحيطين بها فحسب، وهو أول من قادوا حملة التصدى لمشروع التوريث، كما أنه من أوائل االمؤسسين لحركة:" كفاية" التى كان شعارها: "لا للتمديد والتوريث"، وفى عام 2004وبعد تناوله للسحور خارج منزله فوجىء بعد عودته بزوار الفجر ينتظرونه أمام الباب، حيث قاموا باختطافه ونقله إلى السحراء وهناك جردوه من ثيابه وأوسعوه ضربا ثم تركوه عاريا بين الحياة والموت...إننى أعلم بطبيعة الحال أن النائب العام مثقل بمئات التحقيقات فى جرائم النظام السابق وأعوانه، وأن فتح باب التحقيق فى هذه الجرائم لن وغيرها لن يغير من الناحية العملية شيئا فى طبيعة الأحكام التى يتوقع صدورها ضد وزير الداخلية السابق ومعاونيه فيما هو منسوب إليهم من الوقائع التى يكفى ثبوت واحد منها لكى يجلب لهم حكم الإعدام ، وربما يقول قائل: ما جدوى أن نضيف إليها جنحة ضرب لوثبتت فإن عقوبتها الحبس، حتى لو أفضى الضرب إلى موت ، وهنا نرد بأن فتح باب التحقيق ضرورى حتى يشعر كل من تسول له نفسه بالإعتداء على الإعلاميين بأنه سوف يجىء يوم ، ودائما سوف يجىء يوم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger