الجمعة، 19 أغسطس 2011

العلاقات المصرية الأميركية على صفيح ساخن


شهدت العلاقات المصرية الأميركية توتراً واضحاً خلال الشهور القليلة الماضية، في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، والكشف عن تقديم أميركا 40 مليون دولار لمنظمات وحركات سياسية بعد الثورة سراً من دون علم الحكومة المصرية.




على مدى 30 عاماً، وهو عمر حكم الرئيس السابق مبارك كانت توصف العلاقات المصرية -الأميركية بـ"الإستراتيجية " لما تمثله مصر من ثقل لدورها في المنطقة تجاه المصالح الأميركية، وإستطاعت الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض خلال الثلاثة عقود الماضية أن تفرض سيطرتها، بل ونفوذها على القرار المصري في معظم الأحيان وخاصة في العشر سنوات الأخيرة من عمر حكم مبارك والضغط على نظامه مقابل تحقيق حلمه ونجله جمال في الحصول على ضوء أخضر من البيت الأبيض لتمرير مشروع التوريث، ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن حيث اندلعت ثورة 25 يناير لتجعلها أضغاث أحلام، كما إستطاعت الإدارة الأميركية خلال عهد النظام السابق أن تتحكم في علاقات مصر بدول المنطقة والعمل على إتباع خطاها في علاقاتها مع دول المنطقة إما بالسلب أو بالإيجاب وفقا لأجندة ومصالح واشنطن.

ومرت العلاقات بين الجانبين المصري والأميركي بفترات من الفتور خلال الثلاثين عاما الماضية بسبب مواقف الإدارة الأميركية الفجة وسياسة الكيل بمكيالين من جانبها لممارسات إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية، فضلا عن التلويح بورقة منع المعونات الأميركية سواء الإقتصادية أو العسكرية عن مصر.

وبعد قيام ثورة 25 يناير أرادت الإدارة الأميركية إستقطاب الثورة والثوار إلى جانبها لتنفيذ أجندتها وفرض سيطرتها على مقاليد الأمور لصالحها، ولكن نجحت الحكومة المصرية في إجهاض محاولات البيت الأبيض في إحتواء الثورة وتحويل مساراتها أو التأثير على مجريات محاكمة الرئيس السابق ونجليه وأعوانه وإستطاعت تفويت الفرصة عليها.

وتمر العلاقات المصرية -الأميركية في الوقت الراهن بمرحلة حساسة وحاسمة يشوبها التوتر من جراء بعض الإجراءات والتدابير التي قامت بها الإدارة الأميركية مؤخرا تجاه مصر، ومن أبرزها قرار الكونغرس الأميركي الذي صدر مؤخرا بتعيين مبعوث أميركي لشؤون الأقليات الدينية لدول مصر والعراق وباكستان وأفغانستان.

فضلا عن إعلان السفيرة الأميركية بالقاهرة منح عدد من الحركات السياسية وجمعيات المجتمع المدني بمصر نحو أربعين مليون دولار خلال الفترة الماضية وأن هناك مبلغ يزيد عن مئة مليون دولار أخرى في الطريق إلى عدد آخر من الجمعيات الأمر الذي إعتبرته الحكومة المصرية تدخلا في شؤونها الداخلية وأن هذه الإجراءات من شأنها أن تمس بأمور سيادتها، ونظرا لهذه الضجة التي أثيرت حول المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني وفي محاولة منها لإرضاء الحكومة المصرية وإحتواء لتصعيد الأزمة بين البلدين قررت الإدارة الأميركية نقل جيمس بيفر مدير مكتب هيئة المعونة الأميركية بالقاهرة إلى بلاده.

وفي السطور التالية تبحث "إيلاف" وتناقش أسباب التوتر الحادث في العلاقات المصرية -الأميركية حاليا وتداعياته والنتائج التي يمكن أن تتمخض عن ذلك من خلال بعض المتخصصين في العلوم السياسية والإستراتيجية للوقوف على أبعاد هذه الأزمة وتطوراتها على أصعدة العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية.

منح أميركا للمجتمع المدني المصري

السفير جيفري فيلتمان

وفي البداية ومن واشنطن إعترف السفير جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، - في تصريحات صحفية- بوجود خلافات حول مسألة المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لا تريد التدخل في الشؤون المصرية.

وفي المقابل ومن القاهرة أعلن مصدر حكومي مصري بارز أن أي تمويل أجنبي لمؤسسات مصرية ينبغي أن يخضع للقوانين المصرية، وأن يكون معلنًا ويتسم بالشفافية وتوضيح الجهة المانحة والمستقبلة وحجم التمويل والأنشطة المستهدفة.

علاقة التبعية أنتهت

ومن جانبه أرجع د.محمد إبراهيم منصور، مدير مركز الدراسات المستقبلية بمجلس الوزراء المصري، أسباب الأزمة بين الجانبين المصري والأميركي إلى نتيجة تراكمات صنعت الأزمة الراهنة في العلاقات بين القاهرة وواشنطن،

محمد ابراهيم منصور
وأن القشة التي قصمت ظهر بعير هذه الأزمة، هي مسألة تمويل جمعيات المجتمع المدني وعقد إتفاقات من خلف الكواليس ومن وراء ظهر الدولة مع هذه المنظمات.

وتابع: "كان النظام السابق لمبارك يطلق على العلاقات بين البلدين بـ"الإستراتيجية " لكن هذا الوصف يمكن إطلاقه عندما تكون هناك علاقة ندية أو قوتين متكافئتين، لكن الواقع أن علاقة مصر في عهد مبارك بالإدارة الأميركية يمكن وصفها بإنبطاح كامل وتبعية وتسليم بسياستها لدرجة أننا كنا في مصر نعادي من يعادي أميركا ونصادق من يصادقها، أما الآن ففي مصر إرادة مستقلة وهي إحدى المكاسب القليلة لثورة 25يناير. مضيفا أن مصر إستطاعت أن تنجح في تفعيل القرار السياسي المستقل، وأن تختصر إستقلالية قرارها في وجه التدخلات الأميركية والإسرائيلية".

وحول تصوره المستقبلي للعلاقات المصرية -الأميركية شدد د.منصور على ضرورة إعادة صياغة العلاقات بين الجانبين على أساس من الندية والتكافؤ، وأن تصل لواشنطن رسالة قوية مفادها أن هناك مصر أخرى تستطيع أن تبني علاقاتها على أساس المصالح المتبادلة أى أن هناك مصر جديدة لا تفرط في إستقلالها الوطني مهما كان الثمن سواء معونات أو غيره.

السادات والنقلة النوعية في علاقة مصر بأميركا

ومن جهته، وفي منظور الخبير الإستراتيجي اللواء طلعت مسلم فان العلاقات بين الجانبين المصري والأميركي في عهد الرئيس السابق مبارك كانت هناك محاولة من جانب النظام في تأسيس للعلاقات نتيجة لحدوث تحول خطير في

اللواء طلعت مسلم
هذه العلاقات منذ عهد الرئيس السادات، وبالتالي محاولة لبناء هذه العلاقات على أسس جديدة ومخالفة لما كانت عليه قبل ذلك، لأن السادات أجرى نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين بنسبة 180 درجة عكس مما كانت عليه.

فضلاً عن أنه أعلن أن نسبة 99%من أوراق القضية الفلسطينية في يد الأميركان، وهذا يعني أن مبارك حاول إستمرار هذا الإتجاه وتطويره لإعتباره أن العلاقات مع أميركا رئيسة. وأضاف: "وكان الإختلاف الوحيد بين مبارك والإدارة الأميركية حول التوريث والجانب الديمقراطي، كما أستخدم مبارك فزاعة "الإخوان المسلمين" لتقليل الإتجاه نحو الديمقراطية والذي طالبته به أميركا".

التمويل أزمة مزمنة

وكشف اللواء مسلم أن خلاف مصر مع أميركا حول مسألة المعونات لمنظمات المجتمع المدني وضرورة متابعتها وتوزيعها بإشراف الحكومة المصرية لم يكن وليد اليوم، ولكن هو خلاف قديم بينهما نشب قبل ثورة 25 يناير وتجدد مع هذه المنح والمعونات التي قدمت بملايين الدولارات إلى حركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني.

كان من أبرز هذه الخلافات حول الدعم المقدم لمركز إبن خلدون والذي يترأسه د.سعدالدين إبراهيم وهذه نقطة خلافية، ولافتا إلى أنه لم يتضح بعد وللآن ماذا ستفعل الثورة مع أميركا؟ وللآسف -والحديث للواء مسلم - أن جزء العلاقات الخارجية غير واضح وفي هذه الظروف من الصعب التكهن أو التصور الدخول في مشاكل مع أميركا لكنه أمر لا يمكن تفاديه، لكن في النهاية الموقف من إسرائيل غير موقف مبارك، ولا يستطيع الرئيس المقبل لمصر أن يقوم بما قام به مبارك على إعتبار أنه مخالف لإتجاهات الشارع المصري.

التدرج والبحث عن بدائل

ورأى اللواء مسلم أن كلا الجانبين يعلم أهمية علاقته بالجانب الآخر، ومصر خلال الفترة الماضية معتمدة على أميركا بدرجة كبيرة تجعلها من الصعب أنها لا تستطيع الإستغناء عنها، لكن مصر تحتاج إلى فترة زمنية وإلى نوع من التدرج في إيجاد مصادر بديلة لبعض المصادر التي تعتمد فيها مصر على أميركا.

خلاف طبيعي

محمد بسيوني
وبدوره وصف سفير مصر الأسبق في إسرائيل محمد بسيوني الخلاف بسبب المعونات الأميركية الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني في مصر بين الجانبين بـ "الوضع الطبيعي" لأنه لا يمكن أن نقبل شيئاً يمس السيادة المصرية، ولكن يتم التغلب على الخلاف بإتفاق الجانبين ومن خلال عمل منظمات المجتمنعلا المدني المسجلة لدى الحكومة المصرية، ومشيرا إلى أن بلاده لن تقبل بأي علاقة تبعية أو سياسة تبعية لأنه لنا سيادتنا، والمعونات التي نتلقاها لن تكون مبررا للتبعية.

وبشأن العلاقة المستقبلية بين البلدين أكد بسيوني أنه مع أي نظام من أنظمة الحكم في أميركا سواء الجمهوريين أم الديمقراطيين فإن لمصر لها سيادتها ولن تقبل بأي حال من الاحوال أن تكون دولة تابعة في سياستها، لأن لها تاريخها ودورها وثقلها ومواقفها، ولن نقبل إطلاقا بمعونات أميركية مشروطة تؤثر على سيادة مصر.

تقليص نفوذ أميركا

ورأى لواء د.نبيل فؤاد خبير إستراتيجي أن أميركا درجت خلال فترة حكم مبارك أن يكون لها نوعا من النفوذ على السياسة المصرية بشقيها الداخلي والخارجي، وبقيام ثورة 25 يناير بدأ يتقلص هذا النفوذ، ومن هنا بدا يلوح في الأفق نوع من الشد والجذب بين مصر وأميركا للخروج من دائرة النفوذ الأميركي، ولكن الإدارة الأميركية تحاول إحكام قبضتها على مقاليد الأمور لوجود مصالح لها في المنطقة، ولكن سطح العلاقة بين الجانبين لا يظهر حجم السخونة بينهما تحت السطح.

أنشطة السفارة الأميركية بالقاهرة

نبيل فؤاد
واستطرد: "وأميركا لم تخف أنها قدمت مساعدات لمنظمات المجتمع المدني ولكن مامصير هذه المعونات ؟ وهذا جانب من جوانب الشد والجذب في العلاقات بين البلدين، فضلا عن أنشطة السفارة الأميركية في القاهرة داخل مصر وقيام مسؤولييها بإجراء إتصالات مع فئات كثيرة من الحركات السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وهذا بالطبع مخالف تماما للأعراف الدبلوماسية المسموح بها للسفارات الأجنبية المعتمدة لدى أي دولة وليس السفارة الأميركية فقط إضافة إلى مخالفة هذه الأنشطة لقواعد القانون الدولي".

إستغناء مصر عن المعونات ممكن

وحول حجم المعونات الممنوحة من أميركا لمصر وإنعكاساتها على العلاقة بين البلدين بيّن فؤاد أن "هناك نوعين من المعونات التي تقدم من أميركا لمصر وهي معونات إقتصادية وأخرى عسكرية، وكان حجم المعونات الإقتصادية 1,2 مليار دولار تقلص حجمها الآن إلى 500 مليون دولارسنويا، أما المعونات العسكرية فمازالت تقدر بنحو 1,2 مليار دولار سنويا، وهذه المبالغ ليست كبيرة ، ويمكن لمصر أن تستغنى عنها لو أرادت وعليها حينئذ وضع الخطط البديلة لأنها ليست مبالغ كبيرة، ولكن لو طلبت مصر الإستغناء عن هذه المعونات الآن فهذا يعتبر نوع من تصعيد الخلافات مع أميركا.

خط واضح وصريح للسياسة الخارجية المصرية

وتابع: "وأميركا دولة عظمى ولها مصالح في المنطقة ويجب أن نحترم مصالحها مادامت لا تتعارض مع المصالح المصرية ولا مع الأمن القومي المصري، وبالتالي العلاقات تسير في طريقها، ومن مصلحة أميركا أن تكون جيدة ولكن ليس على حساب المصلحة المصرية، وداعيا أن يكون لمصر خط واضح وصريح لتعديل توجهات السياسة المصرية ليس تجاه أميركا فقط ولكن بإتجاه الإقليم كله الذي تعيش فيه، بإعتبارنا دولة كبرى إقليميا يليق بها وبحجمها لأنه سيهيئها للتعامل بشكل أكثر كفاءة مع القوى الكبرى على المستوى الدولي"

ايلاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger