الأربعاء، 12 سبتمبر 2012


تعتبر مؤلّفات محفوظ بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر

نجيب محفوظ ينهل من ماء النيل
 
العرب اونلاين- شادي زريبي

أعراسه وسمّاره في كتاباته تشبه "ليالي ألف ليلة ولية" وعطر كلماته متلبس بروائح الأصالة "الفرعونية". رواياته مثّلت جزءا من الواقع المصري في أشدّ فتراته حرجا.

عاصر الملوكية وتفاعل مع ثورة الضباط الأحرار، أباح دمه الإسلاميون وكرّمه الغربيون. هو أديب نوبل نجيب محفوظ الحاضر الغائب في ذكرى رحيله السادسة، والذي سيبقى حاضرا خالدا خلود العظماء.

كأنه وُلد لكي يكون "قاهريّا". وكأن القدر بعثه ليكون الأمين على دولة المعز لدين الله الفاطمي.وكأن عينه لم تقع إلا على سحر النيل وجماله، كيف لا وهو الذي شرب من نهر النيل العظيم حتى صار قطعة منه ومن جدران القاهرة.

نجيب محفوظ استطاع أن يؤسس مدرسة أدبية خاصة به صوّر من خلالها التفاصيل الصغيرة للحياة المصرية في أسلوب مميّز وروايات ظلت عالقة بالأذهان. محفوظ كان رساما بالقلم عندما نقل إلينا الشوارع القاهرية وحاراتها وضوضاء الأسواق وصياح الأطفال وعراك الباعة وحديث المقاهي وروائح دخان الشيشة "الخليلية".

ولأن اسمه ظل رمزا للعطاء، احتفلت الأوساط الثقافية العربية وحتى العالمية في أواخر الشهر الجاري بذكرى وفاة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذي ترك بصمة واضحة في الأدب العربي.

رواياته ألهمت المخرجين كي يحولوها إلى السينما، فكانت الأفلام شاهدة هي أيضا على عبقرية الرجل.. "الكرنك" و"عبث الأقدار" و"القاهرة30" و"زقاق المدق" و"خان الخليلي" و"بداية ونهاية" و"السراب" و"المرايا" و"حب تحت المطر" و"عصر الحب" و"ملحمة الحرافيش"، وغيرها من الأفلام الناجحة التي أدى أدوارها نخبة الفنانين، من عمر الشريف وفريد شوقي وعزت العلايلي وسعاد حسني إلى نور الشريف ورشدي أباظة وماجدة، دون أن ننسى محمود ياسين وسهير رمزي وتحية كاريوكا وعبد المنعم ابراهيم، والقائمة تطول.

كتب نجيب محفوظ منذ بداية الأربعينات واستمر حتى 2004. تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها شيمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم. يُصنف أدب محفوظ باعتباره أدبا واقعيا، فإن مواضيع وجودية تظهر فيه. محفوظ أكثر أديبٍ عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون.

ولم تمرّ ذكرى وفاة نجيب محفوظ، هذه السنة، في الخفاء حيث نظمت الهيئة العامة للكتاب ندوة، بمناسبة مرور ست سنوات على رحيله، شارك فيها أسماء لامعة في سماء الثقافة والأدب، ونقصد يوسف القعيد وجمال الغيطاني.

هذه الندوة استعرضت أعمال محفوظ، وسيرة حياته الأدبية، ومختلف جوانب حياته المليئة بالأحداث، وهو الذي عاش أهمّ فترات مصر السياسية.

يقول يوسف القعيد: "إن نجيب محفوظ بعدما تخرج كان يريد أن يسافر إلى فرنسا؛ لدراسة الفلسفة في باريس ليصبح أستاذًا جامعيًا بعد عودته، وعندما تقدم بأوراقه للحصول على بعثة، وسأل عن اسمه تصور الموظف أنه مسيحي فرفض الورق ولم يذهب للبعثة، ولم يحوله فشل بعثة فرنسا لإنسان معقد، وقرر وقتها أن يكون روائيًا، طالما أن هذا الباب أغلق وأخذ الأمر بجدية ومثابرة، وكان يكتب في البداية روايات تاريخية، ولكن توقف بعد كتابة ثلاث روايات عندما اكتشف أن جورج زيدان يكتب الرواية التاريخية، وبدأ محفوظ يكتب روايات من الواقع المعاصر."

وتحدث جمال الغيطاني عن المقاهي، في حياة نجيب محفوظ وذكرياته معه، وقال: "فقد لعبت المقاهي دورًا كبيرًا في حياة نجيب محفوظ". وأضاف الغيطاني: "حتى عام 1959 كنت أقرأ له، ولم ألتق به شخصيًا، ولفت نظري كتب تحمل أسماء الشوارع التي أعيش فيها؛ مثل زقاق المدق وقصر الشوق، وبدأت بزقاق المدق وفوجئت أنني أمام رواية تتجاوز الروايات الأجنبية التي كنت معجبًا بها."

بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر كفاح طيبة ورادوبيس منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة.

وتعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.

في 21 سبتمبر/أيلول 1950 بدأ نشر رواية "أولاد حارتنا" مسلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية". لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعتها في بيروت عام 1967.واعيد نشر أولاد حارتنا في مصر في عام 2006 عن طريق دار الشروق.

في أكتوبر/تشرين الأول 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ قد قرر اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل.

وفي بادرة ردّت الاعتبار لنجيب محفوظ، أقامت وزارة الثقافة المصرية احتفالية كبرى كرّمت فيها رائد الأدب العربي.

وتضمنت الاحتفالية، التي امتدت إلى خارج العاصمة القاهرة، إقامة سلسلة من الندوات واللقاءات عن أدب نجيب محفوظ، بمشاركة كوكبة متميزة من الأدباء والكتاب والنقاد، حيث أقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب ثلاث ندوات؛ الأولى بعنوان "ذكريات مع نجيب محفوظ"، شارك فيها يوسف القعيد، وجمال الغيطاني، والثانية بعنوان "دراسات حول نجيب محفوظ" بمشاركة إكرامي فتحي، وجيهان فاروق، وحسام نايل، والأخيرة حفل توقيع وندوة لكتاب "نجيب محفوظ وأدبه في إيطاليا" حملت إمضاء الناقد الدكتور حسين حمودة مؤلف الكتاب، والدكتور صلاح السروي، والدكتور يسري عبد الله.

كما أقام المجلس الأعلى للثقافة ندوتين الأولى بعنوان "عالم نجيب محفوظ" شارك فيها بهاء طاهر، والدكتور جابر عصفور، والكاتب جمال الغيطاني، والدكتورة هدى وصفي، والثانية بعنوان"مرايا نجيب محفوظ"، بمشاركة الدكتور حسن حنفي، ويوسف القعيد، والدكتورة أماني فؤاد.

ولعل هذا التكريم يأتي ليبرهن عن مكانة محفوظ الأدبية، الذي ترك لنا إرثا ضخما من الأعمال لعلّ اشهرها: "عبث الأقدار" و"رادوبيس" و"خان الخليل" و" زقاق المدق" و"السراب" و"بداية ونهاية" و "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" و"اللص والكلاب" و"الشحاذ" والسمان والخريف" و"الطريق"."

إذن رحل عنّا نجيب محفوظ يوم 30 أغسطس/آب 2006 إثر قرحة نازفة، إلا أنه ظل حيّا بأدبه في نفوس أهل الثقافة وعشاق الكلمة الصادقة.. محفوظ كاتب استثنائي في عالم الرواية وعلم من الأعلام العربية التي شرّفت الفكر العربي فاستحق أن ينقش اسمه جنبا إلى جنب مع كبار الأدب العالمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger