الاثنين، 21 مارس 2011

لا أمريكية للتعديلات الدستورية المصرية

أمير سعيد

لدى واشنطن أكثر من مبرر لتضع "لا" كبيرة في صفحة استفتاء تعديل الدستور المصري، وهي الـ"لا" ذاتها التي حاولت أن تضعها من قبل على قرار الشعب المصري بخلع حليفها مبارك من دون جدوى، لكن مع اختلاف التكتيك في الحالتين.

والحافز الذي دفع حلفاءها إلى التقاط استطلاع رأي يجريه مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء قبل أن يكتمل للإيحاء بأن الشعب المصري لا يريد هذه التعديلات الدستورية، مع أنه الآن يعطي نتائج مغايرة لا يريدها هؤلاء، مشفوعًا بروزنامة البرامج الأمريكية في التليفزيونات "الرأسمالية" المصرية، والعديد من المقالات في الصحف "الشقيقة" لتلك الشاشات، وحزمة من صفحات الفيس بوك لـ"النشطاء"، هو عينه الذي ارتسمت به السياسة الأمريكية تجاه دولنا المبحرة نحو شطآن الاستقلال طوال العقود الماضية.

والذين رثوا الديمقراطية الغائبة ورفعوا راية المطالبة بتطبيقها، هم الآن الذين نراهم يسعون لإجهاضها، ويبدو أن الخوف من إظهار حجمهم الحقيقي في الشارع قد غيَّر كثيرًا من قناعاتهم بالمبدأ الذي بنيت عليه الثورة ومطالبها، من كون الشعب يريد أن يختار بنفسه نوابه وقادته.

البكاء على الديمقراطية إذن هو السبيل إلى إجهاضها، وهو الذي يجعلنا نستمع بمرارة إلى حجج تصادر في مجموعها على حقنا كمواطنين مصريين في أن نقول: نعم أو لا للتعديلات المؤقتة على الدستور المصري؛ إذ تصب جميعها في خانة تكتيف الديمقراطية ووأد الحلم الذي تدفق من أجله الملايين إلى الميادين.

وقبل أن أزيد، لا يمكنني بالتأكيد أن أخوِّن كل من يقول لا، وأدرك أن ضبابية المشهد قد تحمل بعض المتخوفين على مكتسبات الثورة على التصويت بـ"لا" في الاستفتاء القادم، ويمكنني أن أتفهم أسبابهم. لكنني هنا بالتحديد أتحدث عن مصالح جمعت بين حلفاء لواشنطن حدت بهم إلى اتخاذ موقف يبدو موحدًا -سبق أن أشرت إليه في مقال سابق قبل خلع الرئيس- يسعى لاتخاذ آليات ليست ديمقراطية في حقيقتها لتثبيت أقدامهم في السلطة أو بالقرب من مركز التأثير فيها. وعليه فقد جرى التسويق مثلاً لمسألة "مد الفترة الانتقالية" بمجلس رئاسي ريثما يتم تعديل الدستور، ثم العمل على إجراء انتخابات رئاسية تسبق البرلمانية.

وإذا بسطنا المسألة، سنجد أن جوهر اللعبة الديمقراطية هو في وجود برلمان منتخَب بطريقة حرة، ومنه يمكن الخلوص إلى إكمال كل أركان النظام بصورة ديمقراطية؛ فمن خلال البرلمان الحر يتم تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد من شخصيات اختيرت من خلال آلية انتخابية بشكل غير مباشر، أي عن طريق نواب المجلس ذاتهم، وبوسعهم الحد من صلاحيات الرئيس أو تحويل النظام لبرلماني متى رأت الغالبية ذلك، وعن طريقه يمكن إتاحة أي دستور للتعديل من خلال غالبية كبيرة، ومن خلال البرلمان تتشكل الحكومة وتحظى بالثقة أو تفقدها، ومنه سيتم تعديل نظم الإدارة المحلية، وطريقة اختيار المحليات والعمد، وعمداء الكليات... إلخ.

هذا كله ما تحذر منه الولايات المتحدة تحديدًا، وتعمل على تأجيل حصوله حالما تتمكن من التأثير على مزاج الناخب المصري من خلال آليات التأثير العالمية المعروفة من آلة إعلامية يمتلكها بعض حلفاء واشنطن، إضافةً إلى إعادة تدوير عمل رجال الأعمال وتوسيع دائرة نفوذ الحركات القريبة منها في ميدان السياسة المصري.

وإلى أن يحين ذلك؛ فلا غضاضة في أن يطالب العديد من "المثقفين" و"النخبة" و"النشطاء" بانتخاب لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد من "الخبراء والفقهاء الدستوريين الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة"، من يختارهم؟! ومن يشهد لهم؟! ومن يضمن حيادهم؟! في حين يظل "المجلس الرئاسي المكوَّن من عسكري واثنين من المدنيين"، لمدة سنة كاملة قد يطيلونها لاثنين أو يناشدونه بالبقاء!

من هذان المدنيان؟! ومن انتخبهما؟! ومن منحهما الحق في البقاء بالسلطة لمدة أطول مما كان مبارك نفسه سيبقى رئيسًا فيها دون إرادة شعبية هو الآخر؟!

ثم من بعد، ستنهي هذه اللجنة الدستورية عملها في صياغة دستور دونما أي إرادة شعبية ودون تصويت على مواده بما يتيح لـ"حلفاء الولايات المتحدة" التلاعب بموادّه التي لا تريدها واشنطن، والتي لا يمكن تمريرها في استفتاء حقيقي.

ومن ثَمَّ تجرى انتخابات رئاسية وفقًا لدستور قد يكون هو الآخر مفصَّلاً على شخصيات بعينها، حيث ستتيح طول المدة هذه لتصدير أحد الأسماء التي بدأ تلميعها من الآن (بمناسبة التلميع، هل نذكر جيدًا أن كثيرًا من وزراء الحكومة الحالية قد تمت استضافتهم في "قنوات معروفة بعينها" قبل ترشيحها للتشكيل الوزاري بنحو أسبوعين، وأزيح عنها غبار النسيان؟ وهل نذكر توقيت تلميع أحد المرشحين للرئاسة في البرنامج ذاته الذي استضاف رئيس الوزراء للترسيخ الذهني لدى المشاهد بما يمنح المرشح أكبر من حجمه وفرصته؟).

وبعدئذٍ سيصار في هذا السيناريو البغيض إلى إجراء انتخابات برلمانية بعد أن تتجهز لها الأحزاب جيدًا!! وبالطبع ثمة ما يتم تسويقه الآن بقوَّة، أن الانتخابات النيابية إذا ما أجريت الآن فسوف لن تأتي سوى بالحزب الوطني والإخوان، وهم لا يعنون الوطني قطعًا؛ لأن الجميع يدرك أنه الأقل جهوزية اليوم من بين جميع القوى لإعادة ترتيب ذاته، وبالعكس ربما يمنحه عام آخر فرصة لإعادة تجديد ذاته باسم ووجوه كانت مغمورة في الحقبة السابقة، وإنما في الحقيقة هم يعنون "الإخوان" تحديدًا.

حسنًا، إن كانوا ليسوا جاهزين وهم قد زعموا أنهم الناطقون باسم الثورة، وأنهم قد نجحوا في حشد نحو 10 ملايين في طول البلاد وعرضها أثناء الثورة (أو هكذا يصورون ويوحون أن القوى الإسلامية والوطنية هي من تعمل على "اختطاف الثورة" وأنهم الأكثرية الغالبية)؛ فهم إمَّا كاذبون في مزاعمهم تلك، أو لا مبرر لدعواهم حول احتكار الإخوان للمقاعد البرلمانية، هذا ناهيكم عن أن الإخوان ذاتهم قد كرروا مرارًا أنهم لن يسعوا لأكثر من 30% من مقاعد البرلمان؛ فممَّ يتخوفون إذن؟!

أما إذا كانوا مع كل ذلك يخشون أن ما أفسحه الإخوان لبقية القوى سيشغله آخرون من قوى وطنية ومستقلين بخلافهم؛ فإنهم يحتاجون حينئذٍ إلى معجزة تقفز بهم في سدة الحكم، وهي ستكون حينها بوسيلة لا ديمقراطية أبدًا.. فهل هذا هو الهدف الحقيقي وراء ارتداء مسوح رهبان الحرية ورفض "ترقيع" الدستور عبر استفتاء وإعادة صياغته بدونه؟!

عمومًا، ستظل ثقتي بالأمريكيين وحلفائهم واحدة، وهي أنهم أعدى أعداء الديمقراطية في عالمنا العربي، وأن بُغضهم إياها لنا نابعٌ من رفضهم القاطع لأن نقول لهم "لا" ديمقراطية؛ لذا سيجهدون خلال الأيام القليلة القادمة لنقول "لا" لاستقلالنا عنهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger