الثلاثاء، 22 مارس 2011

مقعد أمام شاشة إعلام مزور



جمال سلطان | 22-03-2011

أمس تحولت الفضائيات المصرية وبعض الفضائيات العربية إلى مأتم كبير وبدا كأن الضيوف المختارين بعناية وجميعهم من الرافضين للتعديلات الدستورية يتقبلون العزاء مع المذيعين ، كان مثيرا جدا مشهد المذيعة منى الشاذلي وهي تبادل ضيفها "الوحيد" ضياء رشوان التعازي في النتيجة ، وتثنيتها على كلامه بأنه لم يكن استفتاءا وأن الشعب ذهب للاختيار في موضوع لا يفهمه ولا يعرفه ، وأن أكثر من ذهبوا كانوا يريدون دخول الجنة والنجاة من النار ، كان ضياء يغني ومنى مثل كورال له , ولسان حالها : قول كمان ، وهو تدني مثير في مستويات البرامج الحوارية ، كما أني أربأ بالصديق ضياء أن يصل به العناد والمكابرة إلى هذه القسوة المفرطة في هجاء الشعب والتحقير من الناس الذين عرض نفسه عليهم قبل أشهر قليلة لكي ينتخبوه للبرلمان ثقة منه في وعيهم ورشدهم السياسي ، فموقفه العصبي هذا يضره جدا في أي مشروع سياسي يخوضه مستقبلا ، بل يضر مصداقيته التي كنا نحترمها كباحث رصين .

ومع احترامي الكامل لضياء ، إلا أني لم أستوعب أن تخصص منى الشاذلي حلقتها للحوار في نتائج "عرس الاستفتاء" فتأتي بواحد من أشد المهاجمين للاستفتاء والمعارضين له ، دون غيره ، وتتكلم باستهبال زائد عن أنها أرادت أن تأتي بشخصية محايدة ، رفضت منى ورفض فريق إعداد برنامجها دعوة أي صوت مقابل ضياء ، أرادوا أن يكون "مأتم العزاء" مخصصا للندب والتطبير والعويل على نتيجة اختيار الشعب ، وأن تخصص الحلقة لهجاء المصريين وتحقيرهم ووصف ملايين الشعب المصري بأنهم دراويش سذج ومغفلون ضحك عليهم البعض وقال لهم قولوا نعم تدخلون الجنة !!، كانت المفارقة مثيرة للغاية ، الشوارع والبيوت والمنتديات والعالم كله يحتفل بهذا المشهد الحضاري والديمقراطي الرائع للشعب المصري ، بينما كانت فضائيات "التزوير" تنصب مآتم العزاء .

في قناة الجزيرة مباشر ، وهي القناة الأفضل عربيا في موقفها الأخلاقي والمهني المحايد والمتوازن من الحدث ، تحول شعار "الرأي والرأي الآخر" الشهير للقناة ، إلى "الرأي والرأي نفسه" في مصطبة إبراهيم عيسى المسماة "صالون ابراهيم عيسى"، فقد ضاقت أمام إبراهيم مصر بطولها وعرضها ، فلم يجد إلا ثلاثة من أشد المعارضين للتعديلات ، لكي يدعوهم للتعليق على الاستفتاء دون أي صوت آخر أو رأي آخر ، وكانت الحلقة مزرية للغاية في هجاء مصر وشعبها واتهام الملايين التي صوتت لصالح التعديلات بالجهل والخيانة .. إلخ ، لدرجة أن صاحب المصطبة من فرط حرجه اضطر لأن يتقمص دور المخفف لهذه الشتائم كل فترة .

غالبية القنوات الفضائية تركت كل شيء جميل في الاستفتاء وراحت تنقب عن أي شيء غير جيد لكي تركز عليه ، واتحمق خيري رمضان بتمثيل مضحك لا يحسنه وهو يتحدث عن "الاعتداء" على الدكتور محمد البرادعي في الاستفتاء ، وصال وجال وكأن هناك حادثة اغتيال ، رغم أن مثل هذا السلوك السياسي "المرفوض" عادي جدا في أعرق الديمقراطيات الغربية ، يقذف المتصدر للعمل العام أحيانا بالطماطم أو البيض أو حتى الأحذية ، ويتم توقيف المهاجم ومحاكمته ، فعملية النفخ في هذا الموضوع مكشوفة ومفضوحة لمحاولة تلطيخ الوجه الجميل للاستفتاء التاريخي ، وكنت أتمنى أن يتمكن أحد من الإمساك بهذه الحفنة الصغيرة جدا التي ارتكبت هذا السلوك المشين ، فأنا على يقين من أنهم مدفوعون من بقايا أجهزة قديمة ، لأن البرادعي شخصية ذات خلق رفيع ورزانة وقيمة مصرية كبيرة ومؤمن حقيقي بالليبرالية الجادة وليست الانتهازية ، تختلف معه أحيانا لكن لا تملك إلا أن تحترمه ، والخصومة الوحيدة له كانت مع عصابة لجنة السياسات في الحزب الوطني والمؤسسة الأمنية وملحقها الإعلامي الذين رأوه خطرا على مشروع التوريث .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger