الجمعة، 25 مارس 2011

استنساخ عقلية الاستبداد



جمال سلطان (المصريون) 25-03-2011

(إذا أردت أن تتعلم أصول السياسات الحزبية وفنونها فلا عليك سوي أن تستمع إليه، وإذا أردت أن تكون خبيراً في فن التخطيط الحزبي، وفي إدارة العمليات الانتخابية، فلا عليك سوي أن ترصد لفتاته وحركاته.. وإذا أردت أن تعرف فن الحديث المنظم والمؤثر فلابد أن تستمع إلي خطبه وكلماته وإلي مواضع صمته وسكوته.. وإذا كنت تبغي ذلك كله، فلا مفر من أن تعجب بمهارة هذا الرجل، وبحنكته السياسية.. وأقصد السيد صفوت الشريف ...
ويمكنك أن تجد في هذه الكلمة وغيرها من كلمات السيد صفوت الشريف العديد من الدروس السياسية المفيدة، خاصة لمن يحاولون أن يفهموا سر "استمرار النجاح"، وسر "التألق الدائم" في مجال السياسة)

هذه العبارات السابقة التي تقطر نفاقا هي نص ما كتبه الدكتور سامي عبد العزيز عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الذي أثار أخطر قضية جامعية في مصر الآن ، من خلال "لعبة" توزيع الأدوار بينه وبين الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة ، وهو صديقه الحميم ، وكلاهما تم تعيينه بتوافق بين الحزب الوطني وجهاز مباحث أمن الدولة السابق ، فهناك غالبية كبيرة من طلاب وأساتذة كلية الإعلام تطلب إبعاد سامي عبد العزيز بوصفه أحد أبرز منظري الحزب الوطني وأن شركته الإعلانية هي التي قادت حملة تلميع وتسويق مبارك في الانتخابات السابقة كما أنه أحد أبرز مروجي مشروع التوريث وهو عضو لجنة السياسات ، ومتخصص تدبيج عبارات النفاق السياسي لقيادات الحزب الوطني على نفس الشاكلة التي عرضت نموذجا لها في صدر المقال وهو يتغزل في حنكة وعبقرية صفوت الشريف وإنجازاته التي نتعلم منها ، وذلك في سياق تعليقه على نتائج انتخابات البرلمان الفضائحي الأخير والتي اعتبرها من أعظم إنجازات صفوت الشريف وأحمد عز ، والحمد لله أن طلاب كلية الإعلام لم يأخذوا بنصيحة سامي عبد العزيز ولا بدرسه البليغ فشاركوا في الثورة التي أطاحت بصفوت الشريف وحلفائه العباقرة الذين أشاعوا الفساد والقهر والاستبداد والتزوير في بر مصر .

سامي عبد العزيز كتب بإجلال وتعظيم كبير عن الانتخابات المزورة الأخيرة التي كانت أحد أبرز محركات الثورة ودافع عنها بحرارة واعتبرها أعظم انتخابات مصرية وأنها اتسمت بالشفافية والرقي وأن الحزب الوطني أدارها بمهارة وحنكة وعبقرية .... إلخ ، ودافع عن المؤسسة الأمنية لمبارك وسلوكها واعتبر أنها أنموذج للأمن والنزاهة في العالم ، وهاجم شباب مصر الذي قاد الثورة وأدانه وسفه من عقله ووعيه واعتبره يعيش في بلاد الواق واق ، وأنه لا يفهم أن مصر تختلف عن تونس وأن مصر تعرف الديمقراطية والحرية والعدل والنزاهة والشفافية في ظل حكم القائد العظيم الرئيس مبارك ، كل ذلك قاله قبل أيام فقط من تفجر ثورة الشباب والشعب المصري كله ضد نظام مبارك ومؤسسته الأمنية القمعية وحزبه الفاشي المزور وكافة رموزه .

سامي عبد العزيز بهذا التاريخ الأسود يعتبر بامتياز أحد أبرز من ساهموا في إفساد الحياة السياسية ، وزوروا الحقائق ، وأحد من شاركوا في تضليل الشعب المصري ودعم الاستبداد والقمع ، وبالتالي كان طبيعيا أن ينتفض عليه طلاب كلية الإعلام والشرفاء من أساتذة الكلية ويطالبوه بترك قيادة الكلية لأنه ليس أمينا عليها وعلى طلابها وعلى قيمها ، وهي أحد أبرز مراكز صناعة الرأي العام وصياغة عقل النخبة من الجيل الإعلامي الجديد ، إلا أنه يرفض بإصرار أن يترك منصبه ، ويستخدم كل ألاعيبه وحيله وخبراته في شركات الدعاية والتسويق من أجل صناعة "حركة مضادة" داخل الكلية تطالب ببقاء "الزعيم العظيم" ، رغم أنه لم يمض عليه في منصبه أكثر من عدة أشهر قليلة أعظم إنجازاته فيها إصلاح دورات مياه الكلية وتطوير مكتبه ، وحاول أن يستخدم في البداية كل أساليب الطغاة ، فقال إنه لن يرشح نفسه للمنصب لعام آخر !! ، ثم بعد ذلك قال أنه تقدم باستقالته لرئيس الجامعة ولكنه رفض قبولها ، ربما لأنه لم يجد في كلية الإعلام شخصا آخر يمكن أن يديرها ، وأن الكلية ستنهار وتضيع إذا تركها سامي عبد العزيز ، ثم تصاعدت الأمور أكثر عندما اعتصم الطلاب والطالبات وأضرب بعضهم عن الطعام حتى الموت حتى يزاح "كابوس" رجل جمال مبارك هذا ، ثم وقعت المهزلة أول أمس عندما استدعى الشرطة العسكرية لتعتدي على الطلاب المعتصمين وأساتذة الكلية وتعتقل بعضهم مؤقتا في مشهد مؤسف جدا لم يحدث حتى في أيام مبارك ، مما عرض سمعة القوات المسلحة للتشويه ، ثم بدأت الأمور تتصاعد بشكل خطير خلال الساعات الماضية في احتشاد آلاف الطلاب والأستاذة تضامنا مع طلاب وأساتذة كلية الإعلام ، كل ذلك بسبب أن سامي عبد العزيز لا يريد أن يترك منصب عميد الكلية ، وأن صديقه الحميم حسام كامل يتضامن معه ويتواطؤ ومستعد لخراب الجامعة والكلية وربما مصر كلها قبل أن يستجيب لمطالب الطلبة والأساتذة ، وعندما تتردد القوات المسلحة في التعامل بسرعة وحسم مع مثل هذه النماذج البشعة من مخلفات منظومة الفساد والقمع والهيمنة الأمنية فإنها بكل تأكيد ستجد نفسها في ورطة حقيقية كان ثمن حلها في البداية أقل كثيرا في كلفته السياسية والأمنية .

almesryoogamal@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger