ألقت فضيحة تهريب الأمريكيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي بظلالها على كافة الأوساط الوطنية الشعبية والسياسية في مصر، فقد أفاقتنا الصدمة على حقيقة مفجعة مفزعة، وهي أن مصر ما زالت تدور في فلك التبعية المذل المهين للحلف الصهيوني الأمريكي.
حول قضية "التمويل الأجنبي والاستقلال الوطني" دارت الندوة الأسبوعية لحزب العمل بحضور نائب رئيس الحزب عبد الحميد بركات، والمفكر القومي المهندس محمد عصمت سيف الدولة، والشيخ محمد الشريف عضو المكتب السياسي بالحزب، ولفيف من أعضاء الحزب والإعلاميين.
في البداية أكد عبد الحميد بركات نائب رئيس الحزب، أن ما تمليه أمريكا علينا هو القانون السائد في مصر، وأن ما حدث في الأسبوع الماضي أثبت صحة ذلك، وهو عكس ما كنا نبتغيه بعد ثورتنا العظيمة إلي رفعت شعار الكرامة والاستقلال.
وقال بركات إن خبر سفر المتهمين هز كل مواطن مصري شريف حر، فقد انهارت الكرامة المصرية وأثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمجلس العسكري هي نفس العلاقة بين الإدارة الأمريكية ونام مبارك الذي لم يسقط بعد.
وأشار بركات إلى أن حزب العمل كانت له بوصلته السياسية والتي تحدد طريقة ممارسته السياسية من خلال شقين رئيسيين وهما: شق داخلي يركز على محاربة الفساد والديكتاتورية، وشق خارجي يركز على ضرورة التخلص من الهيمنة الصهيونية الأمريكية، وأن الكثير من القوى السياسية اتفقت مع الحزب في الشق الأول واختلفت معه في الشق الثاني، إلا أنه كان يرى ضرورة السير في الاتجاهين معًا؛ فالاثنان مرتبطان ببعضهما البعض.
فيما استهل المفكر القومي المهندس محمد عصمت سيف الدولة حديثه بقوله إنه عندما قمنا بمعركتنا الكبرى في أكتوبر 1973، تدخل الأمريكان للحيلولة دون اكتمال النصر، فدخلوا الحرب ضدنا، ومدوا العدو الصهيوني بجسر جوى من الأسلحة، وخططوا ونفذوا معه ثغرة الدفرسوار، ثم أصروا على انسحاب قواتنا إلى أماكنها الأولى قبل العبور، مقابل انسحاب القوات الصهيونية، ثم اخضعوا النظام وأرغموه بالتواطؤ و بالإكراه على توقيع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني، قاموا فيها بتجريد 2/3 سيناء من القوات والسلاح، ثم قاموا بزرع قواتهم هناك بدلا من القوات الصهيونية تحت مسمى قوات متعددة الجنسية، فخرج العدو الصهيوني ودخلت أمريكا ومازالوا فيها حتى الآن.
وأشار سيف الدولة إلى أن الأمريكان قدموا دستورًا لمصر إلى السادات ومنذ 18 يناير 1974 حتى 25 يناير 2011 ومصر تُحكم بهذا الكتالوج الأمريكي الذي لا يهدف إلا إلى حماية الأمن الصهيوني وعدم الدخول في أي حرب معها، وهو الكتالوج الذي خرج الثوار في يناير 2011 لإسقاطهم بهتافهم الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام" والنظام ليس مجموعة أشخاص.
وأضاف سيف الدولة أن هذا الكتالوج يعتبر هو الدستور الفعلي والحقيقي لمصر، فله السيادة على دستورنا الرسمي الصادر عام 1974م وكان الهدف الرئيسي لهذا الكتالوج، وما زال هو تفكيك مصر التي أنجزت النصر العسكري في 1973م، تفكيكها مسمارًا مسمارًا، وصامولةً صامولة، واستبدال مصر أخرى بها غير راغبة في مواجهة الكيان الصهيوني، وغير قادرة على ذلك إن هي رغبت؛ فأمن الصهاينة هو الفلسفة والغاية التي من أجلها تم تصنيع مصر الجديدة، مصر على الطريقة الأمريكية.
وذكر سيف الدولة أن لهذا الكتالوج المقدس خمسة أبواب، أولها هو إبقاء سيناء رهينة، بحيث يمكن للصهاينة إعادة احتلالها في أي وقتٍ خلال أيام وذلك بهدف وضع النظام المصري تحت تهديد وضغط مستمر، يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يُقدم على أية سياسة أو خطوة تغضب منها الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن كيف فعلوا ذلك؟
فعلوها من خلال الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء بموجب اتفاقية السلام، والواردة في الملحق الأمني، والتي بموجبها تم تقسيم سيناء إلى شرائح طولية موازية لقناة السويس أسموها من الغرب إلى الشرق (أ) و(ب) و(ج)، وسمح لمصر بوضع قوات مسلحة في المنطقة (أ) فقط، وبتعداد 22 ألف جندي فقط أي ما يوازي ربع عدد القوات التي عبرنا بها في 1973م، بعرق جبيننا وبدم شهدائنا، والتي قبل الرئيس السادات إعادتها مرةً أخرى إلى غرب قناة السويس في اتفاقيات فض الاشتباك الأول المُوقَّعة في 18 يناير 1974م.
- أما المنطقة (ب) فمحظور وضع أكثر من 4000 جندي حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة.
- وفي المنطقة (ج) بوليس مصري فقط.
- وتراقبنا على أراضينا، قوات أجنبية موجودة في سيناء في قاعدتين عسكريتين في شرم الشيخ والجورة، بالإضافة إلى 31 نقطة تفتيش أخرى، وهي قوات غير خاضعة للأمم المتحدة، يطلقون عليها قوات متعددة الجنسية، وهي في حقيقتها قوات وحيدة الجنسية؛ حيث إن 40% منها قوات أمريكية، والباقي قوات حليفة لها من حلف الناتو وأمريكا اللاتينية والقيادة دائمًا أمريكية.
هذه هي خلاصة التدابير الأمنية في سيناء، والتي تحول دون قدرتنا على الدفاع عنها في حالة تكرار العدوان الصهيوني علينا، على الوجه الذي حدث في عامي 1956 و1967م.
إن هذا الوضع هو بمثابة "طبنجة" موجهة إلى رأس مصر طول الوقت، وهي طبنجة مستترة، غير مرئية للعامة، العدو لا يُعلن عنها، والنظام يُنكر وجودها، ولكنه يعمل لها ألف حساب.
هذا هو الباب الأول في كتالوج حكم مصر.
الباب الثاني
- جاء هذا الباب لتجريد مصر من المقدرة على دعم أي مجهودٍ حربي جديد على الوجه الذي حدث قبل وأثناء حرب 1973م.
- فلقد اكتشفوا أن وراء نصر أكتوبر قوة اقتصادية صلبة هي القطاع العام المصري الذي استطاع أن يمول الحرب، فقرروا تصفيته.
- أي أن بيع القطاع العام أو الخصخصة كما يقولون، والذي تمارسه الإدارة المصرية بنشاط وحماس منذ 1974م وحتى الآن، ليس مجرد انحياز إلى القطاع الخاص أو إلى الفكر الرأسمالي، وليس قرارًا سياديًّا صادرًا من وزارة الاقتصاد المصرية، وإنما هو قرار حرب صادر من وزارة الخارجية الأمريكية، ألزمت به الإدارة المصرية، فالتزمته.
- وكان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية هي آليات الضغط والتنفيذ لإتمام هذه المهمة.
- واستبدل دور القطاع العام في دعم المجهود الحربي، بمعونة عسكرية أمريكية سنوية لمصر مقدارها 1.3 مليار دولار، يعتمدها الكونجرس في ميزانيته في مارس من كل عام، مقابل 2.4 مليار للكيان الصهيوني.
وبهذه الطريقة ضمنوا الضبط الدائم للميزان العسكري لصالح الصهاينة، والإحاطة الكاملة بقدراتنا العسكرية، والتحكم فيها من خلال الخبراء وقطع الغيار وخلافه.
إن صدور قانون الانفتاح الاقتصادي في مارس 1979م بعد شهرين من اتفاقية فضِّ الاشتباك الأول، وقبل انسحاب القوات الصهيونية من سيناء ليس صدفة.
كان هذا هو الباب الثاني في كتالوج حكم مصر.
الباب الثالث
- وهو الباب الذي ينظم الحياة السياسية في مصر، فيرسم الخطوط الحمراء والخضراء، ويحدد معايير الشرعية ومحاذيرها، ويحدد من المسموح له بالعمل السياسي والمشاركة في النظام من الحكومة والمعارضة، ومن المحجوب عن الشرعية والمحظور من جنتها.
- وفى هذا الباب تم وضع الشرط الأمريكي الأساسي بل والوحيد لحق أي مصري في ممارسة العمل السياسي، وهو شرط الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود، والقبول بالسلام والتعايش معها.
- وعلى ذلك فإن أي جماعة أو حزب لا تقبل الاعتراف بإسرائيل، يحظر عليها المشاركة في العملية السياسية.
- وتم صياغة ذلك بتأسيس نظام حزبي صوري، مكون من عددٍ محدودٍ من الأحزاب على رأسها دائمًا حزبا واحدا يستأثر بالحكم وبالسلطة، يُسمَّى بحزب مصر أو الحزب الوطني أو حزب المستقبل أو أي اسم، ولكن بشرط أن يكون في الصلب من برنامجه ما يُفيد أن السلام خيار إستراتيجي.
- والسلام كما نعلم هو الاسم الحركي لأمن العدو الصهيوني؛ وعلى ذلك فإن الالتزام الرئيسي للحزب الحاكم في مصر يجب أن يكون هو: "أمن إسرائيل خيار إستراتيجي".
- ولقد وضع الأمريكان هذا الباب في الكتالوج؛ خوفًا من أن يأتي خليفة لأنور السادات ينقلب على السلام مع إسرائيل، كما انقلب هو على سياسة عبد الناصر بسهولة فائقة.
- ليس ذلك فحسب، بل بلغت بهم الدقة في تفكيك مصر القديمة، مصر المعادية للصهاينة، إن قرروا منع العمل السياسي في الجامعات المصرية؛ وذلك بسبب ما رصدوه من دور الحركة الطلابية في أعوام 1971 و72 و73 في الضغط على السادات للتعجيل بقرار الحرب، وما رصدوه أيضًا من دور الجامعة والحياة الطلابية في تربية وإعداد وصناعة أجيال وطنية تُعادي أمريكا وإسرائيل.
فقرروا إغلاق المصنع الوحيد في مصر الذي ينتج شبابًا وطنيًّا، مسبسًا، واعيًا بحقائق الأمور.
- ولم تكن صدفة أن تصدر اللائحة الطلابية التي تمنع العمل السياسي في الجامعات عام 1979م، في ذات العام الذي وقَّعت فيه مصر اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.
كان هذا هو الباب الثالث في كتالوج حكم مصر.
الباب الرابع
- أما هذا الباب فكان هدفه بناء وتصنيع طبقة من رجال الأعمال المصريين موالية وتابعة للولايات المتحدة وصديقة للعدو الصهيوني.
- طبقة تتبنى المشروع الأمريكي وتدافع عن النظام الجديد وتحميه ضد باقي طبقات الشعب وفئاته.
- طبقة تدافع عن السلام مع الصهاينة، وعن التبعية لأمريكا، وترتبط مصالحهم معًا بروابط التوكيلات والتجارة والبيزنس.
- ولقد تم تصنيع هذه الطبقة بأموال المعونة الأمريكية الاقتصادية البالغة 800 مليون دولار سنويًّا منذ 1975م، والتي تقلَّصت فقط في السنوات الأخيرة.
فقامت هيئة المعونة الأمريكية بالتعاقد مع مئاتٍ من الأفراد والشركات على مئات المشروعات وبتسهيلاتٍ هائلة وصلت في بعضها إلى إقراضهم بفائدة مؤجلة 1.5%، بأقل كثيرًا عن الفائدة السائدة في البنوك المصرية.
- وتمت المهمة بنجاح، وتم تصنيع طبقة المصريين الأمريكان، وهي التي تملك مصر الآن وتُديرها، وهي التي تعقد اتفاقيات البترول والغاز والكويز والسياحة مع الكيان الصهيوني، وهي التي أدخلت الشتلات الزراعية الصهيونية إلى مصر، وصدَّرت الإسمنت إلى الجدار العازل هناك، وما خفي كان أعظم.
- وهي الآن تمتلك عددًا من الصحف والقنوات الفضائية والجمعيات الأهلية، وتوجه ما يصدر من تشريعاتٍ برلمانية، ومن رجالاتها تتشكل كل عام بعثات طرق الأبواب التي تحج إلى أمريكا كل عامٍ لتلين العلاقات، وتعقد الصفقات، وتُسجِّل التعليمات.
كان هذا هو الباب الرابع من الكتالوج.
الباب الخامس
- أما الباب الخامس والأخير في الكتالوج الأمريكي لحكم مصر، فهو يتناول كل خطط عزل مصر عن الأمة العربية والإسلامية، وضرب أي جماعةٍ أو فكرة أو عقيدةٍ أو أيديولوجية تعادى المشروع الأمريكي الصهيوني.
- ولقد وضع الأساس القانوني لهذا الباب في المادة السادسة من معاهدة السلام التي نصَّت صراحة على أولوية هذه المعاهدة عن أي التزامات مصرية سابقة عليها، وبالذات اتفاقيات الدفاع العربي المشترك.
- كما ألزمت مصر في نفس المادة بعدم الدخول في أي التزامات جديدة تتناقض مع أحكام ونصوص المعاهدة الصهيونية.
- وكانت الخطوة التالية هي تشكيل جيش من المفكرين والكُتَّاب والصحفيين والإعلاميين، مهمته توجيه مدفعية فكرية ثقيلة، إلى كل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي، وكل ما هو وطني أو تقدمي.
- جيش مهمته تجريد مصر من هويتها التاريخية والحضارية بصفتها جزءًا من كل عربي إسلامي في مواجهة مشروع استعماري أمريكي صهيوني.
- وكان المستهدف في هذا الباب هو وعي الناس ومعتقداتهم، من حيث هما خط الدفاع الأخير والأصلب عن الوطن.
- وافتتح الهجوم توفيق الحكيم عندما كتب في منتصف السبعينيات مقالًا بعنوان "حياد مصر"، طالب فيه بأن تقف مصر على الحياد بين العرب والكيان الصهيوني، كما وقفت سويسرا على الحياد في الحرب العالمية الثانية، وانضمَّ له في الهجوم لويس عوض وحسين فوزي، وبدءوا حملةً على عروبة مصر، وعلى ما أسموه بالغزو العربي الإسلامي، ونادوا بالفرعونية وبحضارة 5000 سنة، وبالروابط التاريخية بيننا وبين اليهود...إلخ.
- وتصدى لهم حينذاك، نخبةٌ من أشرف الكُتَّابِ الوطنيين، على رأسهم أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش، ولكنهم ما زالوا بيننا، ينشطون مع كل اعتداءٍ جديدٍ على الأمة. نشطوا في العدوان الأخير على غزة، وفي العدوان على لبنان 2006م، وفي الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، و في الانتفاضة الفلسطينية 2000م، ومرات كثيرة أخرى، يكون مطلوبًا فيها التغطية على موقفٍ للإدارة المصرية.
كان هذا هو الكتالوج الأمريكي المقدس لحكم مصر بأبوابه الخمسة:
1- رهن سيناء.
2- تصفية القطاع العام.
3- نظام سياسي، حكومة ومعارضة، يعترف بالكيان ويسالمه.
4- طبقة رأسمالية تابعة لأمريكا وصديقة للكيان الصهيوني.
5- وأخيرًا عزل مصر عربيًّا.
والكتالوج- كما ذكرنا في البداية- له السيادة والسمو الفعلي عن كلِّ ما عداه من نصوص أو قوانين أخرى بما فيها الدستور المصري ذاته، ولن نجد لأي تفصيلة مما يحدث في مصر الآن خارجة عنه، وكل القضايا الحالية المثارة الآن حول الفساد والاستبداد والطوارئ.. إلخ، ما هي في حقيقتها، إلا مجرَّد سطرٍ هنا أو سطر هناك في أحد أبواب الكتالوج.
وأضاف سيف الدولة أن الإدارة الأمريكية تعرضت لصدمة كبيرة عندما قامت ثورة يناير وعقدت العديد من الجلسات بالكونجرس أهمها جلسة في مجلس النواب الأمريكي في 13 ابريل 2011، وكانت حول الانتخابات المصرية القادمة والحكومة التي قد تنشأ عنها، واستمعت فيها إلى توصيات روبرت ساتلوف مدير معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" وهو المؤسسة الفكرية للوبي الصهيوني في واشنطن، وهى شهادة واحدة فقط من عشرات الشهادات المماثلة التي تصل إلى ذات النتائج والتوصيات.
وقد أوصى ساتلوف الحكومة الأمريكية بأن تقوم مواقفها العلنية على تحذير المصريين من أنها ستقبل فقط التعامل مع حكومة لها مواصفات معينة وذلك للتأثير المبكر على الانتخابات المصرية القادمة، على أن يكون من أهم مواصفاتها:
السلام مع إسرائيل، وتوسيع السلام في المنطقة ليشمل دولا أخرى، وتحقيق الالتزامات الدولية بما في ذلك حرية الملاحة في قناة السويس، والاعتراف بتقسيم السودان، والشراكة الثنائية مع الولايات المتحدة لدعم الأمن والسلام في الشرق الأوسط وأفريقيا والبحر المتوسط.
وحثّ ساتلوف الإدارة الأمريكية على ممارسة الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر لثنيه عن تمرير قوانين انتخابية قد تسمح بوصول إسلاميين إلى الحكم في مصر، لأن من وجهة نظره أن: (حكومة مصرية تقودها جماعة الإخوان أو توجهها أو تكون مصدر إلهامها لن تفي بهذا الغرض) أي أن المهم هو الغرض، فالتخوف الأمريكي ليس كما يدّعون، من الإسلام ولا من الإسلاميين، وإنما التخوف الفعلي من كل من يمكنه أن يقول لأمريكا وإسرائيل (لا)
سواء كان إسلاميا أو عروبيا أو يساريا أو ليبراليا أو مستقلا.
وقال سيف الدولة إن تاريخنا خلال العقود الست الماضية هى خير دليل على ذلك حيث تعرضت كل التيارات الوطنية على اختلاف توجهاتها لحملات مسعورة من الأمريكان والصهاينة: بدءا باليسار بعد الحرب العالمية الثانية ثم التيار الوطنى والقومى فى الخمسينات والستينات، والآن جاء دور التيار الإسلامى، فالقصة ليست فى التوجه الايديولوجى، وإنما فى الموقف السياسى من الأمريكان والصهاينة.
ووجه سيف الدولة رسالة إلى الأغلبية الإسلامية بان الشعب اختاركم لانه يراكم خط الدفاع الاخير عن الأمة، كما وجه دعوة الى كل القوى الوطنية فى مصر، وأن نتوقف عن المعارك الخطأ بين المسلمين والمسيحيين أو بين الليبرالى والإسلامى أو بين السلفية والصوفية، وأن نعود جميعا الى روح ميدان التحرير ونستعيد وحدتنا تحت راية وطنية واحدة وبرنامج وطنى واحد البند الأول فيه هو الاستقلال عن المشروع الأمريكى الصهيونى، فهذه هى المعركة الأهم والأخطر والأكثر شراسة.
وأكد سيف الدولة أن الأزمة الأخيرة أثبتت للرأي العام المصرى كثيرا من المستور عن حقيقة العلاقات المصرية الأمريكية التى حاول الجميع تجاهلها أو تجنب الخوض فيها منذ بداية الثورة، فد كشفت أن أمريكا لا تزال فوق الجميع، فوق مصر والمصريين وفوق الثورة والثوار وفوق الدستور والقانون، وفوق السلطة التنفيذية، إن لم تكن هى السلطة التنفيذية الفعلية فى البلاد، و فوق السلطة التشريعية التى التزمت الصمت تماما فى الأزمة الأخيرة، وفوق السلطة القضائية الضحية الأولى فى هذه الأزمة.
وأشار إلى أنه لو أردنا التعبير عن حقيقة هذه العلاقات فى صيغ دستورية لكتبنا أن مصر جزء من الشرق الأوسط الجديد وليست جزءا من الأمة العربية. وأن أمن مصر القومي جزء لا يتجزأ من الأمن القومى الأمريكى، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فيما لا يخالف المصالح الأمريكية، وأن السيادة للشعب المصرى بما لا يتعارض مع السيادة العليا للولايات المتحدة الأمريكية، وان نظام مصر الاقتصادى هو النظام الذى ترتضيه وتختاره لنا الولايات المتحدة وفقا لتوصيات صندوق النقد الدولى. وان على الشعب دعم الصناعة الوطنية بما لا يضر بالصناعة الأمريكية على شاكلة فلتشترى المنتج المصري إن لم تجد المنتج الأمريكى.
وأعرب سيف الدولة عن استيائه من دور البرلمان وبالأخص جماعة الإخوان التي كان لها دور كبير في الإفراج عن المتهمين وفقا لكلام جون ماكين الذي قال "إن بيان الإخوان الصادر في 20 فبراير كان له دور كبير في تخفيف الأزمة" وأنا أعني هنا البيان الصادر باللغة الإنجليزية، كما اندهش من موقف نواب السلفيين الذين قدما طلبات إحاطة حول السفينتين الحربيتين الإيرانيتين اللتين عبرتا قناة السويس، مع أن أحدًا لم يعلق على السفينتين الحربيتين الأمريكيتين اللتين عبرتا القناة بعدها بيومين أو عن السفينتين الحربيتين الإسرائيليتين اللتين عبرتا القناة بعدهما بيومين.
وفي نهاية حديثه، طالب سيف الدولة جميع الأحزاب بأن تطرح شعار الاستقلال عن التبعية لأمريكا، وأن الحل في ذلك يكون عن طريق تعبئة وتهيئة المواطنين ضد هذه التبعية المهينة المذلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق