قانون الإخوان لذبح الحركة العمالية والنقابية
فاطمة رمضانفى الوقت الذى ينشغل فيه الكثير من القوى السياسية والشبابية بل والعمالية فى معارك انتخابات الرئاسة، نجد أن الأغلبية بمجلس الشعب بقيادة الإخوان المسلمين تقرر مناقشة مشاريع القوانين الأربعة للحريات النقابية المقدمة من (خالد الأزهرى وصابر أبوالفتوح وآخرون «مشروع الإخوان» ــ مشروع أبوالعز الحريرى ــ ومشروع عمرو حمزاوى ــ ومشروع كمال أبوعيطة ومحمد جنيدى وآخرين) وبالنظر لأول وهلة للمشروع الذى أخرجته لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب استعدادا لتمريره فى اللجنة العامة بمجلس الشعب، يظهر وكأنه قد أقر مبدأ الحرية النقابية وحق التنظيم ــ التى انتزعها العمال المصريين بعد ثورة 25 يناير على أرض الواقع، فقد تعدى عدد النقابات التى أسسها العمال خلال عام واحد أكثر من 600 نقابة، أغلبها نقابات مناضلة وقاعدية وقفت لكى ينال أعضاؤها حقوقهم المنهوبة منذ سنوات ــ ولكن بقراءته بتأنى تكتشف أن جوهره تفريغ لعمل النقابات من كل ما يجعل النقابات العمالية تدخل فى مرحلة جديدة.
●●●
وفيما يلى بعض من السم الذى دسه نواب الإخوان المسلمين وكل المعادين للعمال فى العسل:
1 ـ فقد استبعد المشروع فى مادة 5: العاملين المدنيين بالشرطة والإنتاج الحربى، العاملين بالمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، العاملين لحسابهم وأصحاب المهن الحرة، ممن تسرى عليهم أحكام القانون، وهو بذلك يقدم هؤلاء العاملون فى هذه الأماكن قربانا لكل من لواءات الجيش والشرطة ورجال الأعمال، حين يجردهم من حقهم فى تنظيمات نقابية تدافع عن حقوقهم ضد شروط العمل العبودية.
2 ــ محاولة الإبقاء على الشكل الهرمى الذى تتركز فيه كل الصلاحيات، الذى يمثل أهم النقاط التى عابت اتحاد عمال مصر على مدى 60 سنة، ومكنت مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسات الأمنية من السيطرة على النقابات العمالية، ففى مادة 18: «يقوم البنيان النقابى على شكل هرمى وتتكون مستوياته من المنظمات النقابية التالية: النقابات العمالية ــ النقابات العامة العمالية ــ الاتحادات العامة للعمال، وللمنظمات النقابية اختيار الشكل الذى تراه»؟
3 ــ مشروع القانون يقوم بقطع أى صلة للعمال بالسياسة، ففى مادة 27، والتى تتحدث عن أهداف النقابات، ركز المشروع على التدريب، وتنظيم الاحتفالات وإصدار الصحف والمطبوعات، وإنشاء معاهد للتثقيف، ولكنه حتى المواد التى كانت موجودة فى قانون النقابات العمالية الحالى والذى به الكثير من العيوب (ق 35)، والخاصة بالمشاركة فى مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأى فى التشريعات التى تمس المهنة أو الصناعة، وكذلك الكلام عن تنظيم الإضراب وإنشاء صناديق لمجابهة الأعباء المالية الناتجة عن الإضراب (مع الوضع فى الاعتبار القيود الموضوعة على الإضراب فى هذا القانون وغيره) أسقطها، حتى مسألة الدفاع عن حقوق العمال ورعاية مصالحهم والعمل على تحسين شروط وظروف العمل، والعمل على رفع مستوى العمال الثقافى والاجتماعى، التى وردت فى المواد 14 ق 35 لسنة 1967، لم يأتِ لها ذكر فى المشروع، ليس هذا فقط بل فى مادة 15 حظرت ممارسة النشاط السياسى على النقابات، وساوى بين هذا الحظر لممارسة السياسة وتشكيل النقابات والاتحادات لسرايا أو تشكيلات عسكرية أو ميليشيا ذات طابع عسكرى؟
4 ـ بعد أن وضع الإخوان المسلمين أرجلهم فى قمة الهرم النقابى لاتحاد عمال مصر (الاتحاد الذى كان يرأسه حسين مجاور)، وضعوا فى المشروع كل ما يعزز أن يكون لاتحاد عمال مصر دائما اليد العليا فى كل شىء، فقد تجاهل المشروع الذى خرج من لجنة القوى العاملة، كل المواد التى أتت فى الثلاثة مشاريع الأخرى المقدمة، التى تزيل كل المعوقات التى تقف أمام حرية العمال فى تأسيس نقاباتهم مثل مادة 4 من هذه المشاريع التى تفك الارتباط بين الصناديق والنقابات، والتى تقف عائقا حاليا دون تكوين العمال نقابات فى الكثير من المصانع الكبرى مثل الحديد والصلب.. فالعامل الذى ظل طوال حياته الوظيفية يدفع فى صندوق لكى يأخذ عندما يخرج للمعاش 50 ألف جنيه من هذا الصندوق تعينه على المعيشة، لن يضحى بحقه هذا من أجل إنشاء نقابة، كذلك فى مادة 5 من المشروع أخذوا بمشروع الإخوان الذى يكتفى لتوفيق الأوضاع إجراء الانتخابات، فى حين أنه من المفروض أن يتساوى الجميع فى النزول للعمال وجمع التفويضات لتأسيس النقابات، لنرى إذا كان العمال فعلا يرغبون فى الإنضمام للنقابات التابعة لهذا الاتحاد أم لا؟
وحتى يكون هناك عدالة ما بين نقابات اتحاد العمال والنقابات المستقلة الفتية التى انشئت بإرادة العمال، مع وعى نواب جماعة الإخوان المسلمين وكل القوى المعادية للعمال بإصرار العمال على تأسيس نقابات حقيقية تدافع عن حقوقهم، حاول المشروع أن يحرم هذه النقابات من الصلاحيات التى تجعلها فاعل حقيقى، فعلى سبيل المثال فى مادة 4 الخاصة بالتمثيل فى التشاور والمفاوضة الجماعية نصت على أن يكون التمثيل فى حالة تعدد المنظمات النقابية تمثيل نسبى وفقا لأعداد عضوية كل منظمة، لكنها نصت على أن يكون رئيس الفريق من المنظمات الأكثر عددا والأسبق تأسيسا، كذلك فى مادة 9 الخاصة بقواعد التفرغ النقابى، الذى عدد فيها حقوق النقابى المتفرغ، يأتى فيها «ولا يكون التفرغ إلا للمنظمات النقابية الأكثر عددا»، فبعد أن وضع العراقيل أمام العمال فى تأسيس نقاباتهم، وبعد أن ضمنوا بقاء العضويات الورقية التى لديهم والتى لن يضطروا للنزول للعمال لكى يقرر العمال أن يدخلوا فى نقاباتهم من عدمه، وغيرها الكثير يبدأون فى وضع مواد تجعلهم وحدهم من لهم حق التفرغ، والقيادة فى التفاوض، وغيرها من الصلاحيات والحقوق.
5 ــ هناك الكثير من المواد التى تعتبر تدخلا واضحا فى شئون النقابات، وبالتالى ضد مبدأ الحرية النقابية، على سبيل المثال لا الحصر، مادة 1 فى الباب الأول الفصل الأول التعاريف، التى تفرض على المنظمة النقابية أن تتكون من الجمعية العمومية، ومجلس إدارة، وهيئة مكتب، كذلك مادة 19 والتى تضع شروط لتشكيل النقابات العامة والاتحادات، مادة 20 والتى تحدد للنقابات مدة الدورة بأربع سنوات، كذلك مادة 23: «لا يجوز الجمع بين عضوية الجمعية العمومية لمنظمتين نقابيتين فى نفس المستوى النقابى وفى نفس الدورة».
6 ــ محاولة القضاء على مسألة المراقبة الشعبية من قبل أعضاء النقابات القاعديين، فقد تجاهل المشروع الاقتراحات الثلاثة الأخرى والتى تنص على انتخاب لجنة مراقبة مالية بجانب انتخاب مجلس الإدارة للنقابة من قبل الجمعية العمومية، وكرس حق الجهاز المركزى للمحاسبات فى مراجعة ميزانية النقابات فى مادة 30، رغم أن رقابة الجهاز كما رأينا لم تمنع سرقة أموال النقابات على مدى 60 سنة، بل لم تمنع سرقة أموال الشعب المصرى كله.
●●●
هذا بخلاف إسقاط المشروع بشكل متعمد للكثير من الأشياء، التى لا مجال هنا لشرحها بالتفصيل، فقد أسقط تعريف العمل والنشاط النقابى، والذى يدخل ضمنه كل شىء حتى الإضراب والمفاوضة، كما أنه أسقط من ضمانات الحماية النقابية منع صاحب العمل من فصل العامل بسبب نشاطه النقابى.
كما رأينا أن هذا المشروع هو مؤامرة على النقابات المستقلة، وحق العمال فى التنظيم بدون تدخل من أحد، وهو بهذا الشكل يحاول القضاء على أهم منجز من منجزات الثورة، فالتنظيم هو المفتاح الذى من خلاله يصبح العمال، وكل فئات الشعب المصرى قوة يعتد بها، ويصبحون رقم فى المعادلة السياسية، لذا على العمال وكل القوى السياسية والقوى الشبابية التى ترى أهمية العمال فى معادلة التغيير أن تتصدى لهذا القانون وأمثالة من القوانين التى تحاول القضاء على منجزات الثورة التى تحققت، وإيقاف الثورة عن الاستمرار حتى تكتمل أهدافها التى أتت فى شعارها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، فالحريات النقابية هى بجوار الحريات العامة والسياسية نصيب العمال من الحرية، وهى التى تعمل على تحقيق الشقين الآخرين العيش والعدالة الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق