<><><><><><><><>
><><><><><><><><>
>
<><><><><><><><>
><><><><><><><><>
>
<><><><><><><><>
>هيكل في حوار اللحظات الفاصلة:الرئيس القادم يحتاج إلي
معجزة..فوز الإخوان معضلة |
<><><><><><><><>
>
هيكل في حوار اللحظات الفاصلة : الرئيس القادم يحتاج
إلي معجزة.. فوز الإخوان المسلمين بالرئاسة معضلة .. وخسارتهم معضلة أخرى
أجري الحوار: محمد عبد الهادي علام وأنــور عبد اللطيف
ـ وغـادة الشرقاوي وأحمد عامر ـ جمال الكشكي وإبراهيم السخاوي ـ عبدالجواد
توفيق
في لحظة انتقال فارقة من تاريخ الوطن.. زادت فيها العتمة وتداخلت
الرؤي وتضاربت الأفكار.. وتاقت النفوس إلي بصيص من أمل.. شددنا الرحال إلي
الأستاذ.. الصحفي والمفكر.. عميد أسرة بالأهرام محمد حسنين هيكل.. علنا نجد
ما يشفي صدورنا ويعالج حيرتنا .
هيكل فى حواره مع محمد عبد الهادى - رئيس
التحرير
ويفتح بتقديره لما يجري في المحروسة طريقا من نور.
في منزله الريفي ببرقاش استقبلنا, كانت فرصة لأن نظفر منه بنسمة هواء نظيفة,
وكلمة صادقة ورؤية للموقف.. بعد أن وصل مستوي الخطاب السياسي في القاهرة إلي درجة
الغليان. وعلي طريقته قبل أن يبحث في أي قضية لابد أن يعرف موقعه وأين نحن الآن,
وإلي أين المسير؟
قال الأستاذ بعد عبارات الود والترحيب:
ـ أخبار الدنيا إيه؟
أعادنا سؤال الأستاذ:إلي ضجيج العاصمة ودخان
المناورات الانتخابية علي كرسي الرئاسة,فكانت إجابتنا:وهل نعرف نحن أكثر من السائل؟
وقد أصبحت كلمات مثل:
مؤامرة..إضراب..اعتصام..مطالب..مرسي..شفيق..موسي..حمدين..صوتك..تزوير..شيكابالا..دستورية..أزمة..وتحرير,هي
الكلمات الأكثر شيوعا هذه الأيام في الشارع المصري, وأيضا علي بترمومتر الكلاما
المسمي بالإنترنت.
كنا قد ترجلنا بصحبته وسط دوحة من الخضرة والورود والأشجار النادرة فشعرنا
أننا في حديقة لها بيت وليس بيت له حديقة, أو في الصومعة الخضراء ـ كما وصفها
الرئيس السادات حتي وصلنا إلي غرفة مكتبه الذي أعد ليكون دوحة يسكنها قارئ واحد
وكاتب واحد, يطل منها علي وجه الدنيا الحسن, فجأة..اكتظ المكان بنا..سبعة من أسرة
تحرير الأهرام.. وامتلأ مكتبه الهاديء بعشرات الأسئلة وأطنان الهموم يعلوها عنوان
واحد أوحد.. مصر قبل الصمت الانتخابي.. وماذا بعد؟
شجعنا بابتسامة وألقي بعشق أبيات من قصيدة لأحمد شوقي ولدت في ظروف معقدة
لكنها تكشف حجم خوفه علي مصر من تقلبات السياسة, حيث شهدت البلاد وقتها وزارات
تتغير وبوليس يضرب عن العمل وانفلات أمني واغتيالات وظروف تنبيء بحرب أو بثورة..
يقول مطلعها:
وقي الأرض شر مقاديره
لطيف السماء ورحمانها
..فانفتح باب
حوار المقادير والمعجزات.
. وإلي التفاصيل:
فوز الإخوان المسلمين بالرئاسة معضلة..وخسارتهم معضلة
أخري
الأزمة في مصر فجرت نفسها.. فهل تستطيع استعادة
الحق في صنع المستقبل؟ البرلمان باشر عملية قصف تشريعي
استباقية للتمهيد قبل بناء حصن الدستور
وسط هذه الأجواء من الغيوم والتي يحدث فيها التصادم بين سلطات الدولة التي
وصفتموها بخماسين السياسة.. حرصنا أن نعرف رؤية سيادتكم.. هل تسفر هذه الرياح
الساخنة عن فتنة؟ أم هي أجواء طبيعية وسحابة صيف.>> الأستاذ: قبل أن تتفضلوا
بالمجيء إلي هنا كنت أستمع إلي قصيدة لـأحمد شوقي, تغنيها أم كلثوم, والحقيقة أنني
سمعتها في الفترة الأخيرة أكثر من عشر مرات, مطلع القصيدة يقول:
وقي الأرض شر
مقاديره لطيف السماء ورحمانها
ونـجي الـكنـانة من فتنة تهـددت الـنيـل
نيـرانـهـا
وعند الذي قهر القيصرين مصير الأمور وأحيانها
ويختلف الدهر حتي
يبين رعاة العهود وخوانها
هذه القصيدة كتبها شوقي يوم أطلقت النار في محطة
القاهرة علي سعد زغلول, في يوليو عام1924 وكاد البلد يواجه فتنة عاصفة.
رياض
السنباطي لحن القصيدة لأم كلثوم سنة1947 في الظروف الصعبة التي أعقبت الحرب
العالمية الثانية, والتي تردت إليها أحوال اقتصادية واجتماعية, وتدافعت فيها خيارات
سياسية وعقائدية متضاربة مع بعضها, وأضيف إلي ذلك ظهور الشيوعيين وخلاياهم السرية,
والإخوان المسلمين ونظامهم المسلح, والعهد الملكي في البلد يواجه أزمته والنظام
الحزبي أغلبية وأقلية يترنح!!
وعندما أذيعت القصيدة لأول مرة, كانت القصيدة
واللحن وصوت أم كلثوم بكائية حزينة, تظهر القلق علي وطن وسط العاصفة.
وعندما
أسمع هذه القصيدة هذه الأيام لا أجدها بكائية, وإنما أسمعها صوت تحذير مبكر, ودعاء
واصل للسماء في لحظة مصير لابد أن نتصدي له بالإرادة, نحن واجهنا أزمات كثيرة من
قبل, وتركنا للزمن أن يحلها, وليس بالضرورة أن حلول الزمن تجيء لصالحنا, وعلينا أن
نتذكر أن الأزمات أنواع:
< هناك أزمات يمكن أن تترك للزمن, أو يمكن التعايش
معها علي نحو أو آخر( أزمة التمييز العنصري في أمريكا مثلا).
< وهناك أزمات
لابد أن يتصدي لها أصحابها, وقبل أن يفوت الوقت, وإلا تعرضت الأوطان للخطر( أزمة
تصدع الجمهورية الفرنسية الثالثة, وهي لا تدري أمام هتلر وظهور النازية).
<
وهناك أزمات لا تجد من يحلها, لا تقبل انتظار الزمن, ولا تقبل عجز أصحابها, وتتزايد
تناقضاتها, فتتولي هي مسئولية الحل بتفجير نفسها, وتلك أخطر الأزمات, لأنه حين تقوم
أزمة بتفجير نفسها, فإن أصحابها لا يعودون هم الفاعل الأساسي, وإنما تنوب عنهم
الفوضي في تقدير مصائرهم.
والظرف الحالي في مصر يكاد يكون قريبا من هذا النوع
الأخير من الأزمات.
أزمات كان لابد لها من إرادة أصحابها, لكن الوقت سرقهم حتي
جاءت اللحظة الخطيرة, وقد وصلوا معها إلي الحافة.
والأزمات علي الحافة جاهزة أن
تفجر نفسها, وتأخذ أوطانها وأهلها وربما جوارها أيضا إلي الهاوية ذاتها!!
الأزمة
الراهنة في مصر قريبة من الحافة, لكنه من حسن الحظ أن إرادة الشعب وقواه حضرت في
الدقيقة ما قبل الأخيرة, والموقف الآن غريب:
إرادة الشعب وقواه حاضرة, وعلي نحو
باهر أدهش كل الناس.
لكن ما يمكن عمله لتجنب الهاوية, موضع خلاف بين الأطراف, لم
يصلوا فيه إلي رأي, والخطر أن كل طرف منهم يتصور أنه وحده يملك حق التصرف, بينما
المسئولية أكبر من كل هؤلاء الأطراف فرادي, وأكاد أقول مجتمعين أيضا.
عندما
أتحدث عن حضور إرادة الشعب وقواه, فأنا لا أتحدث عنه بالوهم, ولا بالتمني, وإنما
أتحدث عن واقع أراه ونراه جميعا, فذلك الشعب الذي حضر بطلائع شبابه بمئات الألوف في
ميدان التحرير, وبالقوي الجرارة التي انضمت إليه عشرات الملايين, صنعت شيئا باهرا
بحق!!
التيار الإسلامي تصور أنه عماد الثورة بينما كان أصحابه أحد
روافدها
عودتنا أن نتحسس موقعنا قبل بحث أي أزمة.. أين نحن الآن؟.. وماذا بعد!
الأستاذ: في ظني أن الحالة أو الأحوال السياسية الحالية في مصر طبيعية إذا
ما تذكرنا وقائع التاريخ, فنحن نعيش حالة ثورة بعد زمن طويل من الكبت والقمع تراكمت
فيه رواسب فوق رواسب, من مشاكل وعقد, وفي مثل هذه الأحوال وكما حدث في أحوال ثورات
كبيرة سبقت في التاريخ يقع شيئان:
أولهما: أن المخزون من أزمنة الكبت والقهر
تنكسر خزاناته الممتلئة, ويخرج ما تراكم فيها من مخلفات وشوائب, وأكاد أقول: عطن
وعفن, بحيث يشعر الناظر إلي ما يجري بكثير من الإحباط والضيق, والكل يفزعون من أن
ما يرونه أمامهم لا يتناسب مع ما توقعوه, وينسون حقيقة أن الثورة التي قاموا بها
تسبب فيها بالدرجة الأولي أنهم لم يعودوا قادرين علي تحمل ما تجمع واختلط وتكاثر
عليهم من سابق أحوالهم.
فهم ثاروا أو في واقع الأمر انفجروا, لأنهم ضاقوا بما ألم بهم, فلا يثور
الناس بسبب طيب أحوالهم, وكمال صحتهم, وهناء عيشهم, وهدوء بالهم, وإنما يثورون لأن
طاقتهم علي الاحتمال لم تعد فيها بقية, وأثقالهم زادت بما لم يعد محتملا.
وإذا كان هذا هو التصور إذن, فإن ما حدث هو أن انفجار الثورة, كشف عن مسببات
المرض وتركها تظهر وتتبدي وتكاد تغطي الساحات.
لو أن أحدا مثلا قرأ تاريخ الثورة
الفرنسية كما كتبه المؤرخ الأشهر جيبونز وغيره, لأصابه الفزع من صور الهول الأعظم
الذي عاشته فرنسا أيام وشهور وسنوات الثورة, وكأن فرنسا لم تكن هي البلد الذي شهد
عز وعظمة لويس الرابع عشر وعصره الذهبي المزدهر بالفنون والآداب والأفكار, والتفوق
بقوة السلاح والمال وبثروة المستعمرات وتجارة الشرق إلي آخره, ولذلك كان غريبا بعد
أقل من ثمانين سنة أن تنتقل فرنسا من العز إلي الثورة, وأن تصبح بلدا يحكمه من
يسمونهم بـ الرعاع, يتظاهرون طوال الوقت, ومقاصلهم لا تكف عن قطع رؤوس خصومهم
وأحيانا أنصارهم, وهم يسحلون نبلاء العصر الملكي في الشوارع, ويسرقون وينهبون
ويعتدون صباح مساء, ويجاهر زعيم مثل روبسبير بأنه لن يهدأ له بال حتي يتأكد من شنق
آخر نبيل ملكي, بأمعاء آخر قسيس كنسي, وتهلل الجمعية الوطنية الثورية لقوله, وهذا
وسط ميدان الثورة الذي كان في الأصل ميدان لويس الرابع عشر, وهو الآن ميدان
الكونكورد أي ميدان الوفاق, وبؤرة الضوء اللامعة في مدينة النور الساطعة.
لاحظوا أن عصر حسني مبارك لم يكن بالضبط عصر لويس الرابع عشر, ولا حتي عصر
لويس السادس عشر الذي قامت الثورة ضده, بل كان عصر حاكم شرقي مستبد بكل ما يصنعه
الاستبداد ويستدعيه من فساد وكوارث!!
درس التاريخ يعلمنا أن كل مكبوت لابد أن ينتهي من إفراغ ما طال كبته, وكل
قهر لابد أن يقتص لنفسه, وأول التلقائي أن يقع القصاص بالتجاوز, وتجيء لحظة يختلط
فيها ما يمكن اعتباره من الحقوق بارتكاب ما سبق اعتباره من الجرائم, وفيه النهب
والسطو!!
هذه طبائع أحوال لابد أن تفهم, ويتحتم مساعدتها حتي تختصر وقتها وتستعيد
الأوطان توازنها, وذلك لا يستبعد أن يكون القانون حاضرا طول الوقت وسيدا, لكن
الأزمة في العادة تكون أخطر من سيادة القانون, لأنها اجتماعية اقتصادية, وهذا ما
حولها إلي فوضوية!!
وأما الحالة الثانية من حالات الثورة بعد الانفجار الأول,
فهي حالة البحث عن امتلاء صحي سليم, قوي وقادر, يكون هدفها البحث عن طريق لبناء
مستقبل يتواءم مع الآمال العريضة التي هي مطلب الثورة وغايتها.
وهذه في العادة فترة مناقشات ومجادلات وتفاعلات, تتوصل بالجهد الجهيد إلي
تمهيد الطريق إلي المستقبل, ومن سوء الحظ أن تمهيد الطرق إلي المستقبل في الثورة,
وفي عموم حركة التاريخ يختلف عما نعرف من عمليات تمهيد الطرق علي الأرض, فالتاريخ
ليس لديه ما نسميه وابور الزلط, يسوي التضاريس, وليس فيه ردم يسد الفجوات, وليس
عنده أسفلت يجعل الطرق بنعومة الحرير, وإنما طرق المستقبل في التاريخ خيارات
إنسانية قابلة للخلاف والاتفاق, وللخطأ والصواب, وتلك صعوباتها, لكن المهم أن تبدأ
عملية طرح وعرض ومناقشة كل الاختيارات, وأن تدور المناقشات مفتوحة بلا قيد, وأن
تسمع الاجتهادات بتفهم وسماحة, ثم أن تبدأ الحركة, حتي وإن بدت متعثرة.
في تجربة
الثورة المصرية جربنا هاتين الحالتين:
< عشنا أعراض حالة الانفجار الأول
ومازلنا نعاني بعض آثارها.
< وعشنا أعراض الحالة الثانية وهي حالة البحث عن
طريق, وبالتأكيد فنحن لم نزل نبحث, وإن كان علي أن أذكر نفسي وغيري بأن عملية البحث
عن طريق المستقبل مازالت عصية أمامنا.
وربما أن السبب هو غياب قيادة معروفة
ومعترف بها, إلي جانب غياب فكرة مرشدة وملهمة لخيارات الثورة المفتوحة, ولهذين
السببين فإن الاستعصاء مازال قائما حتي هذه اللحظة, رغم أننا انتخبنا برلمانا قبل
شهور, ورغم أننا سوف ننتخب رئيسا للدولة بعد أيام.
لاحظ أن البشر في حالة الثورة
قريبو شبه من البشر في حالة الطبيعة البدائية الأولي.
المجتمعات في الحالة
الطبيعية أي البدائية الأولي لا تعرف رابطا, لا تعرف رابطة جامعة, وعليه فإن
المجتمعات تكون أفرادا أو مجموعات تعطي نفسها ما تريد, وتأخذ بيدها ما تحتاج وأكثر,
وتتصارع وتتقاتل ويسود حكم العنف فيها إلي درجة الوحشية, وهي الحالة التي يسميها
أساتذة علوم الاجتماع والقانون بحالة الـLeviathan, أي الوحش الأسطوري الذي يأكل
أجزاء من جسمه إذا جاع.
حتي تتوصل المجتمعات إلي رابط الدستور, فهي في الواقع تجمع شعبا علي أرض في
عقد يضمن شروط العيش المشترك( وهذا هو الدستور), وهو لا يمكن أن يعتمد أو يقوم إلا
علي رضا طوعي من الجميع.
وعلي أساس رابط الدستور يجيء ضابط القانون حين يوضع تنظيم المصالح وفق
ضرورات العيش المشترك, وهنا وفي القانون يمكن أن يكون هناك أغلبية وأقلية, وهنا
يمكن الإجبار بقوة القانون.
هذه بسرعة هي الحالة التي تظهر أوائل الثورات, وهي
قريبة شبه من عملية تأسيس المجتمعات, أو إعادة تأسيسها وبناء الدول أو إعادة
بنائها, وربما أطلت في شرحها, لأني أتمني أن يضع الناس بعض ما يرون من ظواهر ما
نسميه الانفلات بأشكاله المختلفة: انفلات أمني انفلات اجتماعي انفلات سياسي في
إطاره الصحيح.
يرصدونه دون أن يفزعهم.
ويتصدون لعلاجه دون أن يصيبهم
اليأس.
{{ اذا كان هذا الانفلات ظاهرة طبيعية.. أين تكمن المشكلة؟.
>> الأستاذ: المشكلة أن الثورة انفجرت بلا قيادة, ثم إن الدم تفرق بين
القبائل كما يقولون, بمعني أن الشباب الذي تحرك بجسارة وتحدي القهر بشجاعة لم يكن
قيادة للثورة, وإنما كان مفجرا لها, ودوره الكبير أنه استطاع إطلاق طاقة الجماهير
الواسعة المتمثلة في عشرين أو خمسة وعشرين مليونا من المصريين رجالا ونساء وشبابا
من الجنسين خرجوا في طلب التغيير خلال أحداث يناير وفبراير2011, وهؤلاء عادوا إلي
حياتهم الطبيعية بعد أن قلبوا الموازين, وغيروا وجه المجتمع المصري.
والمجلس الأعلي للقوات المسلحة لم يكن قيادة الثورة, فالقوات المسلحة أوكلت
إليها عهدة سيادة الدولة لضمان استمرار شرعية هذه الدولة وبقاء كيانها, وتلك ليست
مهمة قيادة موجهة, وإنما مهمة أمانة مؤقتة.
ثم إن فكرة الثورة, وكذلك مرجعيتها لم تكن دينية, وإنما كانت فكرة الثورة
اجتماعية, اقتصادية, وثقافية, وكذلك مرجعيتها, فالإيمان بالله في قلوب الناس علي
اختلاف أديانهم, وأما صنع المستقبل فهو مسئوليتهم, ومعرفتهم بأمور دنياهم علي حد
المأثور من قول سيدنا محمد, وهو إلي جانب الرسالة من أعظم صناع التاريخ الإنساني
بشهادة كل دارس لهذا التاريخ, وكل قارئ له, علي اختلاف العصور وحتي اختلاف
الأديان.
وفي المحصلة وفي التجربة المصرية, فقد حدث خلط شديد طال القيادة الشرعية
للثورة, وطال مشروع الثورة, بما فيه فكرها وخياراتها.
{{ لكن حجم الانفلات والاتهامات المتبادلة والأكاذيب بين المرشحين زاد عن
الحد..
>> تدخل الأستاذ يهدئ من سخونة كلمات السؤال وقال:
مساء هذا اليوم
سوف يبدأ الصمت الانتخابي, وتتوقف حملات المرشحين, لتهدأ الأعصاب فترة قبل لحظة
الاختيار.
أريد أن ألاحظ بأمانة أن الضجة الانتخابية, وحملات المرشحين, وحالة
الفوران التي سادت خلال الشهور الأخيرة كانت ظاهرة توحي باحتمالات كبيرة للأمل, فقد
كانت فترة حيوية في الحركة, وعرض للأفكار, وحوارات علي أوسع ما يكون, وهذا كله دليل
عافية ويقظة له دلالات, وقد جاء أكثر نشاطا وشبابا مما توقع أحد, ولقد رأيت بنفسي
تقدير الآخرين هذه الحيوية وطاقاتها المتفجرة بالحيوية في كل مكان ذهبت إليه في
الشهور الأخيرة, وبصرف النظر عن ملاحظات لكثيرين حول بعض ما كان يجري ويقال, فإن
الإعجاب بتلك المشاهد وتفاعلاتها كان مثيرا للانبهار بلا حدود لدي جماهير عربية
وغير عربية بغير تحفظ!!
وكان رأيي من أول لحظة وقد قلته علي التليفزيون ليلة سقوط مبارك, في حوار مع
الأستاذة مني الشاذلي حين سألتني عن مشاعري إزاء خروج مبارك وقلت لها إن خروج رجل
ليس هو المهم, ولكن الأهم هو دخول كل الناس إلي الساحة, بما يعني خلاصهم من سلبية
الإحباط, واندفاعهم إلي طلب مستقبل جديد بإرادتهم الحرة, وكان دخول الناس أهم في
رأيي من أي خروج آخر لرجل أو حتي نظام!!
كان ذلك تصوري, وأثبتت التجربة أن ما حدث فاق كل التوقعات.
المسألة أن
دخول الناس لا يكفي, وإنما دخولهم يجب أن يكون بقصد, وأن يكون هناك توجه محدد, ورؤي
تقوده إلي أفق, وهنا وقع المأزق.
كان دخول الناس واقعا, ومقصده واضحا في عمومه, لكن ذلك لا يكفي إذا غاب
التوجه وغاب الأفق, خصوصا ونحن لم نقدر بالضبط حجم الضرر الذي وقع خلال عشرات
السنين الأخيرة, لقد وصفت ما جري لمصر في هذه العشرات من السنين بأنه عملية تجريف
طالت الناس, وطالت الأفكار, ولكن ما ظهر بعد ذلك هو أن ما جري لمصر لم يكن مجرد
حالة تجريف, وإنما حالة تعرية سياسية واقتصادية وثقافية, ولكم أن تضيفوا ما تشاءون,
وعلي مختلف النواحي والمجالات.
هناك حاصل لامتزاج ذلك كله, بمعني أنه:
<
نتيجة حالة التجريف, أو التعرية للناس والموارد, وما كنا نري مجرد طرفها الظاهر مثل
قمم جبال الجليد العائمة...
< ونتيجة قوة الحركة والطاقات المتفجرة بالحيوية,
متدافقة في حركتها إلي درجة الجموح.
< ونتيجة غياب توجيه من طرف معتمد وموثوق
فيه, فإن الحركة راحت تغني عن الفكرة.
<ونتيجة غياب أفق أن القوي تبعثرت إلي
كل اتجاه.
بهذه المحصلة كلها مع بعضها وتفاعلاتها, ومع ظهور وسائل مذهلة في قدرتها علي
الاتصال والتواصل, ومع وجود قوي إقليمية ودولية مهتمة ومؤثرة علي الساحة, لأن لها
مصالح وأهواء محلية مع هذا كله فإن الصورة العامة التي وصلنا إليها في النهاية
أصبحت مقلقة, أصبحت حافلة بنذر الخطر, وقد أخذتنا في الواقع إلي حافة هاوية.
{{ لكن.. ماسر هذا الاشتباك والخلط الذي حدث طوال الوقت وجرف في طريقة مئات
الضحابا?
>> الأستاذ: الخلط حدث عندما تصور الشباب الجسور الذي فجر الثورة أنه
هو قيادة الثورة, وهو غير جاهز بعد للقيادة, وكان أملي ولايزال أن يعرف الجميع أن
هذا الشباب هو مناط الأمل.
والخلط حدث من أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة تصور
نفسه مسئولا للثورة, بينما هو مؤتمن علي شرعية الدولة فقط, وإلي حين العثور علي
طريق يفتح المستقبل.
والتيار الإسلامي في مصر تصور أنه عماد الثورة بل وصاحبها,
والصحيح أن أصحاب ذلك التيار كانوا واحدا من روافد الثورة, بينما حدثها الأكبر لم
يقع تحت أعلامهم, ولا استجابة لشعاراتهم.
لكن الخلط زاد لأسباب, وربما أن أهمها
غياب النخب السياسية حاملة الأفكار والرؤي في مجتمعاتها, لأن النخب السياسية في مصر
كانت تعيش أزمة مصداقية قول, وتأثير, وتوجه, وبدلا من ذلك فإن وسائل الإعلام,
وأولاها الفضائيات حلت محل النخب, وبمنطق الأضواء والألوان والأصوات فإنها يمكن أن
تصنع نجوما, لكن النجوم شيء, والنخب شيء آخر.
ما هو أهم من ذلك كله, وبرغم
الاستعصاء, فإن شيئا له أهميته القصوي يجري في مصر.
جري في مصر تفجير للمكبوت بكل تداعياته وكان هذا ضروريا.
وبدأ في مصر حوار
حول طرق المستقبل وكان هذا لازما.
وأزعم برغم كل ما نلمحه, وكل ما نراه ويقلقنا
أن الأمور في مصر تجري في مجاريها الصحيحة تاريخيا, حتي وإن انزعج كثيرون بيننا من
بعض ما نراه ونعيشه سياسيا أو أمنيا.
{{.. وحالة التخطبط مسئولية من؟
>> الأستاذ: إن ما رأيناه من زمن مبارك هو مجرد القمة الظاهرة من سطح
جبل الجليد العائم, وهذا يستدعي إلي خيالي صورة مشابهة, هي واقعة الباخرة تيتانيك,
وإن علي نحو مختلف.
حكاية تيتانيك ببساطة هي قصة باخرة ظهرت أمام الناس في ميناء
ساوثهامبتون البريطانية, وكأنها درة عصرها, وقد تقرر وسط ضجة عالمية واسعة أن تكون
رحلتها الأولي إلي ميناء نيويورك, واستقلها أكبر عدد من نجوم المال والفن والإعلام
في ذلك الزمن لكي تكون صورة للعز والتقدم, مزينة بأشهر ما في العصر من نجوم, وكانت
قيادة الباخرة معقودة للكابتن إدوارد سميث.. وهو قبطان وجدوه مناسب لهذه الرحلة,
وقد كشفت التحقيقات فيما بعد أنه رجل تختلف قدراته عن ظاهر هيئته, وقد أراد أن يضرب
في الرحلة الأولي لباخرته رقما قياسيا في السرعة, واندفع بها عبر المحيط, يتصور
قدرة محركاته علي شق البحر والسيطرة علي أمواجه, وبعد يومين أو ثلاثة بدأت المصاعب
تظهر أمامه, ولم يكترث, رغم أن تحذيرات متعددة وصلت إليه تنبهه إلي أن مساره محفوف
بكتل من جبال الجليد, عليه أن يحاذرها, لكن الرجل لم يخفف من سرعته, حتي وجد نفسه
فجأة في مواجهة جبل جليد هائل يتحرك كالحائط أمامه, وفي بادئ الأمر أخذته الثقة في
باخرته واستجابة محركاتها تصور أنه في إمكانه تحاشي الصدام معه, فحاول تغيير مساره
كما هو ممكن ومتاح, لكن التيارات التحتية للمحيط لم تكن في اتجاهاتها علي نحو ما
قدر, وهكذا اصطدم, والقصة بعد ذلك معروفة!!
ومن حسن الحظ أن مياه مصر ليست في
اتساع الأطلنطي الشمالي.
وما عندها من بواخر معظمه سياحي نهري.
ومياهها ليست
فيها عائمات جليد بالتلال أو بالجبال.
وإنما في مصر مياه حلوة, وإن كان القاع
متحركا, وعليه فإن خطر الجنوح في رواسب الطمي وارد, وهذا ما أخشي منه.
بمعني أن
باخرة مصر لن تواجه مصير تيتانيك وتغرق بمن فيها وما فيها, وإنما باخرة مصر قد
تتعرض إذا لم تنتبه لمخاطر الجنوح علي الطمي, وأضرار الجنوح, وتكاليف الخروج من
الطين الرخو, دون استبعاد لما هو أسوأ لا قدر الله إذا لم يفهم الجميع, وإذا لم يكن
هناك بحارة مهرة, وفرق مساعدة وإسعاف علي الشاطئ جاهزة.
وربما أن من المشاكل
عندنا ـ علي عكس ما حدث للباخرة تيتانيك هو أن الكابتن سميث أصر علي قيادتها حتي
لحظة الكارثة, في حين أن موقع الريس الذي يقود الباخرة النيلية المصرية منذ بداية
الثورة, تناوب عليه عدد من الأطراف: الشباب حاولوا المجلس الأعلي للقوات المسلحة
حاول الإعلام حاول الأحزاب حاولت كثيرون حاولوا وكان جهدهم أقل من المطلوب!!
هذا
والباخرة المصرية النيلية تحتك فعلا برواسب القاع, ومستنقع الطمي مليء بالأحجار,
وهنا المخاطر!!
{{ هل الأمل إذن يا أستاذنا في انتخابات الرئاسة.. بشرط أن تسفر عن كابتن
حقيقي يتخذ القرار وينقذ السفينة والركاب؟
>> الأستاذ: هناك انتخابات لرئاسة الدولة بعد يومين, وربما سمحت لنفسي
أن أقول إنها لن تحل المشكلة. فلقد كان خطاب الانتخابات ذاتيا وشخصيا وإعلانيا في
معظمه إذا جاز التعبير. حتي المناظرة الشهيرة بين عمرو موسي وعبد المنعم أبو الفتوح
كان ترتيبها وإخراجها إعلانيا, رغم أنها سابقة مهمة في أساليب الخطاب السياسي
المصري.
وبصرف النظر عن المخاطرة, فإنه لا يبدو لي أن أحدا من المرشحين يملك
صورة كافية للحقائق تمكنه من مهام المرحلة. أو يملك رؤية مباشرة, أو قريبة لإمكانية
فعل أكيد وتنفيذ كفء.أو يملك طاقما جاهزا لإدارة الدولة فور تسلمه للمسئولية.
ثم
إن الجهاز الإداري للدولة علي حاله, ولوائحها الإدارية والتنفيذية هي هي, ومجموعات
القيم السائدة في العلاقة بين السلطة والمواطن لم تلحق بعد بهيبة الثورة.
وفي
الوقت نفسه فإن مشاكل الأمن مزعجة, وقضاياه معقدة.
ولست أعرف كيف يمكن أن يتصرف
أي مرشح إزاء المؤسسات, أو إزاء الأجهزة, أو بالمسئولية أمام الناس.
{{ المرشحون للرئاسة بادروا بزيارتك.. واستمعت إليهم بالتأكيد فما الذي
استوقفك في كل منهم؟
>> الأستاذ: دعوني أكون صريحا معكم, هناك انتخابات لرئيس جديد تجري
بعد يومين, وهناك مرشحون عدة تقدموا, وقلبي معهم جميعا, لكن خشيتي عليهم وعلي البلد
أكبر من تقديري لهم.
ولا أعرف ما يدور في رأس كل واحد منهم, لكني أظن أن من يفوز
في انتخابات الرئاسة منهم يحتاج إلي معجزة لكي ينجح في مهمته.
ولقد سمعناهم
جميعا فيما قدموا أنفسهم به, علي أن كل ما سمعناه لم يشف غليلا, فمعظمه أقرب إلي
الإعلان والترويج, وربما التعريف بالنفس وتزكية الذات, مع عروض لصور أريد لها أن
توحي بالثقة في أصحابها, ولكن الصور لا تكفي لصنع حقائق.
هناك من يتصور أنه
قادر.
وهناك من يتصور أنه يعرف.
وهناك من يتصور أن لديه ما
يؤهله.
وللأمانة فإن كلا منهم قد يكون صادقا فيما يتصور, لكني أظن من مجمل ما
سمعت أنه ليس لدي واحد منهم تمثل كامل للحقيقة, أو معرفة كافية بالظروف, أو رؤية
واضحة لتحقيق ما يتصوره ويعلنه, ومع ذلك فهؤلاء الرجال جميعا لهم فضل التقدم
والإقدام, والجسارة والتجاسر.
خشيتي الحقيقية أنهم جميعا في حاجة إلي معجزة!!
إضافة إلي طلب المعجزة فإن كلا منهم له مشاكل حقيقية تخصه علي الطريق, وإذا حدث
واختاره الناس للرئاسة بأصواتهم:
وإذا حدث وفاز الدكتور مرسي فهل تصبح الدولة
كلها من مجلس الشعب, إلي الوزارة, إلي الرئاسة للتيار الإسلامي؟!! وهل ذلك ممكن أو
مقبول أو قابل للبقاء؟!!
- ثم كيف يتصرف الرئيس مرسي إزاء وزارة الداخلية,
وللإخوان ثأر معها وكيف يتصرف مع وزارة الدفاع, وللإخوان خطة للنفاذ إلي الجيش,
باعتباره وسيلة السيطرة الكبري, وإذا وقع ذلك فأين نظرية الأمن المصري, مع العلم
بأن قواعد الأمن القومي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ عربية, وليست
إسلامية.
الإسلام رابطة ثقافية ومعنوية لها أهميتها, لكنه علي أساس الدين لا
يمكن أن تتكامل مصالح اقتصادية واجتماعية بين مصر مثلا وإندونيسيا, ولا بين مصر
مثلا وماليزيا, يمكن أن تكون هناك مع الدول الإسلامية علاقات وثيقة, لكن مساحات
الجغرافيا تضع مسافات تحول دون التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين الدول
الإسلامية.
الأمن نفس الشيء, إذ يصعب أن يكون هناك أمن مشترك بهذه المسافات من
الجغرافيا بين مصر وإندونيسيا وماليزيا علي سبيل المثال, الجغرافيا لها حقائقها..
حلف الأطلنطي يقوم وينشط بين دول موصولة بالجغرافيا مثل أوروبا, وموصولة بالثقافة
دون حواجز جغرافية تحول المحيط إلي جسر مثلما بين أوروبا وأمريكا.
فإلي أين يكون
توجه مصر في مجالات الاقتصاد والاجتماع والأمن القومي؟!
< قولوا لي مثلا ماذا
يمكن أن يحدث بين الرئيس مرسي وبين الأزهر, وبين الكنيسة, ومع المحكمة الدستورية
العليا؟! ما يمكن أن يفعله الرئيس مرسي مع مؤسسة التعليم, ومؤسسة الإعلام, ومؤسسة
الجيش الموصولة بالأمن القومي, ومؤسسة الأمن الموصولة بأمن المواطنة, ومؤسسة
الثقافة الموصولة بالعالم وبالعصر؟!!
هناك إذن معضلة.
إنني واحد من الناس
الذين طلبوا ومازالوا يطلبون فرصة حكم للتيار الديني, يجرب فيها مسئوليات الدولة,
لكن التصرفات حتي الآن تدعو للقلق, ويكفيني في هذا الصدد مقالة مهمة للمستشار طارق
البشري, وقد نشرتها له جريدة الشروق, وفيها ذكر صراحة أن التيار الإسلامي خسر خلال
شهور كثيرا من دعاويه وأسباب قوته, بسبب سوء التصرف وعدم تقدير مسئولية الفوز
الانتخابي وأوهامه الخطيرة المتعجلة للاستحواذ علي كل السلطة.
والحقيقة أن
تصرفات مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الإخوان بعد الثورة تستدعي ملاحظات عرضها
المستشار طارق البشري بالتفصيل.
والحاصل أمامنا أن مجلس الشعب يحاول استخدام
مشروعية الانتخابات في مقابل شرعية الدستور, بقصد إحداث تغيرات عملية علي أرض
الواقع السياسي قبل انتخابات الرئاسة, وقبل وضع الدستور.
وبالفعل فإننا رأيناه
يباشر عملية قصف تشريعي, يمهد فيها عددا من المواقع, ويفتح بها ثغرات سياسية, يستبق
بها بناء حصن الدستور, وهذه عملية أبسط ما يقال فيها إنها لهفة حزبية قبل أن تكون
مصلحة وطنية, وقد وصل الأمر إلي فرض مشروعات قوانين قصد بها أشخاص بالذات, ورجال
بأسمائهم, وراء دعاوي بعضها حق وبعضها بعيد عن الحق!!
وقد دخل البرلمان من غير
داع في تناقض مع الوزارة التي يرأسها الدكتور الجنزوري, والرجل يقبل مهمة تكاد
تقترب من كونها عملا فدائيا.
وقد دخل الجري من غير داع في تناقض مع الوزارة التي
يرأسها الدكتور الجنزوري, والرجل يقبل مهمة تكاد أن تقترب من كونها عملا فدائيا. ثم
إن هذا المجلس يحاول الدخول في صدام مع المحكمة الدستورية العليا. ثم إنه بالتصريح
والتلميح يتجاوز مع القوات المسلحة.
وأخيرا فإن التلميحات بعمليات انتقام وأخذ
بالثأر مسألة تفتح أبوابا لا أظن أن الإخوان المسلمين قادرون عليها, وكلها مما لا
داعي له, علي الأقل في هذه الظروف, وكلها علي عكس ما توقع وتأمل الذين رأوا
ومازالوا يرون أن الإخوان المسلمين يستحقون فرصة تجربة حرة أمام الناس.
الإخوان لم يكونوا القوة الغالبة ولا المبادرة في الثورة
ومن الملاحظ أن هناك خطأ شائعا يظهر في الصحف والإذاعات, وبمقتضي ذلك فإن
البرلمان الحالي يسمي برلمان الثورة, وذلك يحتاج إلي تدقيق, والصحيح أنه إما أن
المجلس هو البرلمان وفقط, أو أنه برلمان ما بعد الثورة بدون تزيد, لكن مسألة أنه هو
نفسه برلمان الثورة, دعوي ليس هناك ما يؤكدها, لأن الإخوان ـ وإن تواجدوا في صفوف
الثورة لم يكونوا القوة الغالبة فيها, ولا القوة المبادرة!! وأقول ذلك بتفهم
واحترام لحقيقة أنهم حصلوا علي أغلبية برلمانية في انتخابات حرة بدون شك!!
ثم
كيف يتصرف الرئيس مرسي مع دولية تنظيم الإخوان المسلمين, وهو مفتوح لعلاقات وراءها
تاريخ معقد, وحكايات ليس من العدل أن يخوض فيها الآن أحد وسط حملة انتخابية غير
عادية!!
وكيف يتصرف الرئيس مرسي مع الفضائيات الإقليمية والعالمية الدينية, وبعض
ما يلقي فيها قنابل متفجرة بالنار, أو مشحونة بالغازات المسيلة للدم, وحتي الأسلحة
البيضاء مسنونة علي الآخر, ومستعدة للذبح الفوري ذبح حرية الفكر قبل ذبح
الرقاب!!
ونحن نري فيها من يتصورون أن قانون المجتمع لا يهمهم, لأن حق القانون
كله عندهم!!
وربما ركزت أكثر علي احتمالات الرئيس مرسي, لأنه مع التقديرات
والاستقصاءات السريعة في نسب قبول المرشحين لدي الناخبين في شأن رئاسة الدولة فإن
بعض الناس يقللون من قدرة الإخوان علي الحشد, مما يجعل الرئيس مرسي رقما أصعب مما
يقدر له في الإحصائيات واستقصاءات الرأي العام, خصوصا وأن قوي الحشد الإخواني هذه
المرة ستكون علي أعلي الدرجات الممكنة لهم, لأنهم ببساطة وبعد ما حصلوا عليه في
انتخابات مجلس الشعب, سوف يفقدون كثيرا إذا خسروا الرئاسة بعد أشهر من انتخابات
البرلمان, والقضية أنهم إذا كسبوا فهي معضلة تواجه البلد, وإذا خسروا فهي معضلة
أخري تواجه البلد أيضا!!
وإذا وقع اختيار الناخبين علي عمرو موسي رئيسا, فكيف
تكون علاقته مع مجلس الشعب؟, وكيف يتصرف حتي في السياسة الخارجية؟, وهي مجال خبرته
المهنية, علي ضوء ارتباطاته السابقة وثقافته المكتسبة, هذا مع أن عمرو موسي أكثر
المتقدمين للترشيح جاذبية وقبولا لدي الناس.
إنني واحد من الذين لا يفهمون لماذا
يصر عمرو موسي علي مقولة إنه اختلف مع سياسات مبارك وعارضها, وذلك في الواقع لم يكن
ممكنا, وليس فيه ما ينتقص من كفاءة وتميز عمرو موسي, فالرجل كان في خدمة الدولة,
والدولة فيها نظام يحكم, والتفرقة بين النظام والدولة تستوجب أن يحاسب أي طرف علي
أدائه وعلي سلوكه, خصوصا إذا لم تكن في تصرفاتهم هم أنفسهم شوائب تمس الكرامة
الوطنية, أو تجاوزات تعتدي علي المال والحق العام.
ليس قضية عويصة أن عمرو موسي
كان وزيرا في نظام مبارك, وليس عيبا أن هذا النظام هو الذي رشحه لأمانة الجامعة
العربية, ولو أنه ترك الخارجية المصرية, لأنه يعارض سياسات مبارك لما أعطته أي دولة
من دول مجلس الجامعة العربية أصواتها ليكون أمينا عاما لجامعة الدول
العربية.
وظني أنه كان في استطاعة عمرو موسي أن يقدم نفسه باعتباره رجلا مهنيا
أدي دوره في إطار السياسات المرسومة, ثم إنه الآن سمع نداء الثورة واستجاب, وأقبل
بكل ما لديه من تجربة لخدمة أهدافها سعد زغلول نفسه فعلها من قبل عندما كان وزيرا
مع حماه مصطفي فهمي( باشا), وفي عهد يحكمه كرومر, لكنه فيما بعد سمع نداء الثورة
واستجاب واستطاع, وهذا ما أحتسب له ثم إن جمال عبد الناصر نفسه كان ضابطا أقسم
اليمين للعرش الملكي, لكن داعي الوطن شده إلي أن يوجد ويكرس ولاءه للشعب, ويقود
ثورة1952 ضد الملك فاروق!!
< قولوا لي كيف يتعامل الرئيس أبو الفتوح مع
القوات المسلحة من ناحية, ومع الإخوان من ناحية, وهناك ثارات عميقة من ناحية,
وثقافة واحدة لدي الطرفين من ناحية أخري, مع ملاحظة أن أبو الفتوح مرشح له كفاءات
كبيرة وحضور مؤثر, وتجربة تستحق الاحترام قادرة علي الوصول إلي الجماهير وتأسيس
علاقة ثقة!!
< قولوا لي كيف يتعامل الرئيس شفيق مع مجلس الشعب, ومع مشاكل
الأمن, بغير داع للاعتماد علي الحزم وحده, هذا مع العلم أن شفيق في رأيي مرشح
تتوافر له كفاءات تنفيذية شهدت له بها ولا أزال.
أقول ذلك رغم سوء فهم وقع بين
الفريق شفيق وبيني, فلقد تحدثت في بداية الثورة عن مخاطر وجود مبارك في شرم الشيخ,
واتصالات تجري معه, وعمليات إحراج لكثيرين بسبب علاقاتهم السابقة معه, وكان ذلك في
حديث مع الأستاذ محمود سعد بالتليفزيون المصري الرسمي في منتصف شهر فبراير2011, وفي
هذا الحديث فقد أخذت موقف الفريق شفيق نموذجا للحرج بوجود مبارك في شرم الشيخ,
ووجود من عرفوه علي مواقع السلطة في القاهرة, ولم أزد عن ذلك.
لكن الفريق شفيق
التبس عليه الأمر, فتصور أنني أقصده بإجراء اتصالات مع مبارك أثناء وجوده في شرم
الشيخ, وهو ما لم أقصده, وقد زاد علي ذلك أنني اتهمته بأنه يأخذ طائرته كل صباح
ويذهب إلي لقاء مبارك في شرم الشيخ, ولم أكن قد قلت بذلك, ولا خطر علي
بالي.
وحين عبر الفريق شفيق عن قلقه مما قلت في حديث تليفزيوني, فإنني اتصلت به
تليفونيا ألفت نظره إلي حقيقة ما قلت.
ثم حدث بعد ذلك أن تلاقينا في بيت الفريق
شفيق مرة بطلبي, لأني وقتها كنت مهتما بتقصي وقائع ما جري في الأيام الأخيرة من حكم
مبارك, والفريق شفيق شاهد رئيسي عليها, ويومها في بيته, وفي حضور السيدة الكريمة
قرينته الراحلة, وابنته الشابة اتصل حديثنا لمدة ساعتين حول حكايات تلك الأيام
الأخيرة وليس غيرها, وبعدها تفضل الفريق شفيق برغبة كريمة منه, وزارني في بيتي
الريفي في برقاش, وطال حديثنا لثلاث ساعات ونصف الساعة, وكان موضوع الحديث تفكير
الفريق شفيق في ترشيح نفسه للرئاسة, وكان حديثنا صريحا ودودا.
وربما من هنا أن
فقرة في حديث للفريق شفيق أخيرا مع الأستاذة هالة سرحان, أظهرت أمامي أن الالتباس
فيما قلت, وفيما لم أقل عن وجود مبارك في شرم الشيخ مازال عالقا في ذاكرة الرجل,
رغم مشاعر طيبة وكريمة أبداها تجاهي, وهو يعرف أنها علي المستوي الإنساني
متبادلة.
أعده الحوار للنشر - ســمير الشحات ـ شريف طـه |
<><><><><><><><>
>
|
|
<><><><><><><><>
>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق