الغواصات الألمانية والطائرات الامريكية
أثارت الصحف العبرية الأسبوع الماضى كثيرا من الضوضاء حول صفقة الغواصات
الألمانية إلى مصر، فخرجت مانشيتاتها الرئيسية بعناوين مثل: ((تزايد القلق الإسرائيلى من صفقة الغواصات الألمانية لمصر))، أو ((صفقة الغواصات الألمانية لمصر الأخطر على إسرائيل))، أو ((ألمانيا تقرر عدم المصادقة على صفقة لتزويد سلاح البحرية المصرى بغواصتين)).
وهم يثيرون كل هذه الضوضاء رغم أن الصفقة لا تتعدى غواصتين، ورغم ذلك وهو الأهم، أن هناك صفقات أمريكية جديدة وضخمة لإسرائيل تم الإعلان عنها مؤخرا: فوفقا لصحيفة نيويورك تايمز فإن الولايات المتحدة قررت تزويد إسرائيل بحزمة من الأسلحة المتطورة، لإثنائها عن توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل، وتشمل الصفقة تزويد إسرائيل بطائرات للتموين جواً، وقنابل خارقة قادرة على اختراق تحصينات بعمق 60 مترا، وهى القنابل التى تعهد أوباما فى مارس الماضى بتزويد إسرائيل بها. كما تشمل الصفقة إجراء مناورات بحرية تشارك فيها 25 دولة فى الخليج العربى، بالقرب من مضيق هرمز.
ليس ذلك فحسب، فلقد كشفت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية، أن الولايات المتحدة ستقوم بتوريد طائرات مقاتلة من طراز «إف- 35 إس» معدلة خصيصًا إلى إسرائيل بحلول عام 2016، وأن وزارة الدفاع الأمريكية قد منحت شركة الصناعات العسكرية "لوكهيد مارتن" عقدًا بقيمة 206 ملايين دولار لتوريد هذه المقاتلات المعدلة، التى تعد واحدة من أكثر المقاتلات العسكرية تطورًا فى العالم، وأنه بموجب هذا العقد فإن الشركة الأمريكية ستقوم بتعديل وتطوير نظم الإقلاع والهبوط فى هذه المقاتلات قبل توريدها لإسرائيل، وذلك فى إطار برنامج المبيعات العسكرية الخارجية للبنتاجون، لتحل بذلك محل المقاتلات من طراز "إف-15" و"إف-16" اللذين عفا عليهما الزمن، وأن هذه الطائرات المعدلة التى سيتم توريدها لإسرائيل تم تعديلها بناء على طلب من إسرائيل، حيث ستحتوى على مميزات غير موجودة فى أى من نماذج طائرات الجيل الخامس، وأن هذا التعديل يتضمن تطوير الأجهزة والبرمجيات للمقاتلة "إف- 15 إس" فضلاً عن تطوير أنظمة الهواء فى التصميمات الأولية للمقاتلة.... إلخ.
***
وأتصور أنه من الواجب والضرورى أن نبدأ فى دراسة وبلورة سياسات جديدة فى كل صغيرة وكبيرة تمس مصر والمنطقة هدفها التصدى لتجبر إسرائيل وللدعم الدولى والأمريكى اللامتناهى لها على حساب مصالحنا القومية، بحيث يشعر الجميع أن الدنيا قد تغيرت تغيرا جذريا، وأظن أنه قد آن الأوان أن يقرأ المصريون فى صحفهم الوطنية تحليلات وأخبارا وعناوين تتحدث عن:
((تزايد القلق المصرى من صفقة الطائرات والأسلحة الأمريكية لإسرائيل وعلى الأخص صفقة الطائرات من طراز إف 35))، أو ((مصادر مصرية تصرح بأن نجاح الصفقة التى تديرها إسرائيل مع أمريكا لشراء طائرات عسكرية قد يغير فى ميزان القوة بالمنطقة))، أو ((تحيط حالة من التوتر الشديد الآن بالعلاقات بين القاهرة وواشنطن، على خلفية بيع الأخيرة أسلحة جديدة لإسرائيل))، أو ((تبذل مصر جهداً شديداً حتى لا تصادق الحكومة الأمريكية على هذه الصفقة و تطالبها بالامتناع عن إتمامها، خاصة فى الظروف الحالية الحساسة التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة أن تزويد إسرائيل بكل هذه الأسلحة سيمنحها تفوقا بارزا على مصر))، أو ((أنه فى حال المصادقة على تلك الصفقة سيكون ذلك بمثابة تحول دراماتيكى إلى الأسوأ فى العلاقات بين مصر وأمريكا))، أو ((صرحت القاهرة بأن صفقة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل هى الأخطر على مصر وأن موضوع بيع الطائرات يعتبر موضوعاً حساساً جداً بالنسبة لها)).
إلى آخر هذا النوع من المواقف والتصريحات التى وردت بالنص فى إسرائيل ونشرتها الصحف العبرية تعليقا على صفقة الغواصات الألمانية لمصر .
***
لقد كان النظام الساقط يخشى أن يصدر منه حرف واحد يغضب الولايات المتحدة وإسرائيل، وكان رجاله وخبراؤه يحذرون المصريين ليل نهار من "التجاوز" فى مخاطبة السادة الكبار، وكانوا يعتبرون أى خطاب وطنى هو نوع من التهور له عواقب وخيمة. وظل أذنابهم بعد الثورة يحذون حذوهم، فعملوا على بث الخوف فى نفوس الناس بهدف "تكسير مجاديفنا" الوطنية والثورية، ليثبتوا أنه لم يكن بالإمكان أبدع مما كان، وأن خط التبعية المباركى هو الأصلح والأكثر أمنا لمصر ولا بديل عنه.
أما مصر الثورة فعليها أن تتحرر من سجن الخوف الذى حبسنا فيه مبارك، وعليها أن تضع عددا من النقاط على الحروف منذ البداية، فى رسائل واضحة وقوية للجميع دوليا وإقليميا، بأن أسقفنا قد ارتفعت وخطوطنا الحمراء قد تراجعت، وأن كثيرا مما كان يدور فى الماضى لم يعد مقبولا الآن، وان الرأى العام الشعبى، الذى لا يمكن الضغط عليه أو التواطؤ معه، قد أصبح شريكا وفاعلا أصيلا فى صناعة السياسات واتخاذ القرارات.
Seif_eldawla@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق