من اين تأتى الثقة فى حتمية نجاح المشروع الاسلامى ؟
مصير المشروع (القومى العربى)
د. هشام الحمامى
عاشت المنطقة العربية طوال العقود الخمسة الماضية فى ظلال المشروع القومى العربى، الذى دغدغ مشاعر الشعوب العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، وكانت شعاراته التى تراوحت بين (وحدة حرية اشتراكية) كما كان ينادى شعار حزب البعث العربى الذى تأسس فى دمشق سنة 1947م، أو (حرية اشتراكية وحدة) كما كان شعار التجربة الناصرية (يقولون إن اختلاف الترتيب لم يكن عفويًا!!)..
كانت هذه الشعارات تمثل دستور عمل جماهيرى لشعوب الأمة العربية.. التى كانت لتوها خارجة من احتلالات كثيرة، وكانت تتوق إلى تجسيد كيان عروبى صلب فى مواجهة الاستعمار و(أذناب الاستعمار) كما كان يقول الرئيس عبد الناصر.. تصادمت التجربة البعثية مع التجربة الناصرية، وتصادمت التجربة البعثية فيما بينها وامتلأت بالفجوات المريبة..
أما التجربة الناصرية لم يتبق منها إلا أحلامًا قديمة تجاوزتها الدنيا ومرت من فوقها أحداث كثيرة.. وعبثًا حاول البعض تكوين أحزاب ناصرية تصل الماضى بالحاضر لكنها فشلت.. وأول من تنبأ بفشلها كان الأستاذ هيكل، الذى نفض يديه من المسألة تمامًا وتفرغ لمشروعه الشخصى ككاتب ومؤرخ محترف، وقال ذات مرة تلميحًا هامزًا عن الفترة الناصرية (إن أحوال التاريخ تعطى فى مراحلها الدقيقة والحساسة لبعض الأفراد أهمية تتجاوز طاقة الأفراد) و(يجب علينا أن نتوقف بين الفترة والأخرى للفرز والقراءة).. وجملة حياته ومواقفه بعد وفاة الرئيس عبد الناصر كانت تشير إلى
حرصه الشديد على وجود مسافة بينه وبين الأسواق الناصرية التى انتشرت فى المنطقة العربية.
لم يستطع المشروع القومى العربى أن يقيم على الأرض أيًا من شعاراته سواء بالترتيب البعثى أو بالترتيب الناصرى.. بل المفارقة التاريخية المدهشة هو أن (الحرية) تم انتهاك عرضها من كل زناة الأرض..و(الاشتراكية) أصبحت عنوانًا على تشارك الجميع فى الفقر والمرض والأمية والجهل.. و(الوحدة) جسدت أخبث أنواع الفرقة والخلاف.. تعملقت إسرائيل واخترقت أجهزتها الأمنية كل الأنظمة العربية تقريبًا.. وتحولت القضية الفلسطينية من وضعها الرئيسى باعتبارها القضية المركزية للأمة إلى مجرد صراع إسرائيلى- فلسطينى.
الآن وبعد أن مرت من تحت الجسور مياه كثيرة، وجاء دور الشعوب لتحدث عملية القراءة والفرز التى حدثنا عنها الأستاذ هيكل، فأنتجت الثورات المشرقة التى أزاحت عن صدر الأمة همًا ثقيلاً وعبئًا رذيلاً.. وكان مما أسفرت عنه عملية الفرز تقدم (المشروع الإسلامى) ليحمل عبأ المستقبل بكل ما فى الحاضر من خراب.
من جسامة المسئولية التى تفرضها اللحظة التاريخية الراهنة، أذكر إخواننا فى التيار القومى، أن الإسلام كان ومازال عنصرًا مؤسسًا وأصيلاً من عناصر المشروع القومى العربى.. ولنتذكر شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، فالإسلام والعربية هما من جعل من العرب أمة ذات حضارة وتاريخ..
ولنتذكر الدائرة الإسلامية فى (ميثاق العمل الوطنى) لعبد الناصر فيما يميل كثيرون إلى تفسير صراعه مع الإخوان على أنه كان محض صراع سياسى تخللته كثر من الفجوات على المستوى الشخصى مع بعض القيادات، وحكى لى أحد الإخوان القدامى عن إصرار عبد الناصر على مقابلة الشيخ مصطفى السباعى، مراقب الإخوان فى سوريا، أثناء زيارته سنة 1958م موضحًا له أسباب خلافه مع الإخوان فى مصر، وقرر تدريس كتاب الشيخ (اشتراكية الإسلام) فى المدارس الثانوية.. وأنشئت إذاعة (القرآن الكريم) فى عهد عبد الناصر(25/3/1964م).. وعليه فقد بات على المشروع القومى العربى أن يندمج فى المشروع الإسلامى جملة وتفصيلاً.. وليسمح لى إخواننا القوميون بهذه القفزة الواسعة للأمام - كما كان يقول ماوتسى تنج - وأعتقد أن هذا هو أشرف مصير وأصح اختيار ممكن فى هذا الوقت الفارق.
وأذكرهم بمقولة المفكر العروبى الكبير محمد عابد الجابرى عن (العقل المستقيل)، ذلك العقل الذى يبتعد عن النقاش فى القضايا الحضارية الكبرى..
الآن نحن أحوج ما نكون إلى إعمال العقل مناقشة وجدلاً وحوارًا لا ينقطع حول قضايانا الحضارية الكبرى.. وإن لم يكن الآن؟ فمتى يكون؟
الآن نحن أشد ما نكون احتياجًا إلى (استقلال العقل) - إذا جازت المقابلة - عن موروثات قديمة وخصومات قديمة ومقولات قديمة..
الفرصة الآن أقرب ما تكون إتاحة وإمكانًا لتصحيح أخطاء الماضى مراجعة وإصلاحًا.. البعض منهم يخاتل ذات (اليمين) وذات (اليسار) متخذًا مواقف مريبة.. متمنيًا للإسلاميين الفشل فى حمل عبأ المستقبل، واتخذ مواقف أبعد ما تكون عن المكونات الحقيقية للفكر العروبى مصرًا على إبقاء حالة التوتر التاريخى القديم.. الفشل هنا - لا سمح الله - سيلحق الضرر بالوطن وأهله قبل أن يلحق الضرر بفصيل أو تيار.. وإذا كان اليسار قد التحق فى الماضى (بالمشروع القومى) لأنه كان فى السلطة فى محاولة منه لتوظيفها فى فرض التحولات الاجتماعية والاقتصادية التى يعتقدها.. وهى التحولات التى آلت إلى ما نراه من خيبة تطل برأسها من كل مكان..
فواجب الوقت الآن أن يلتحق القوميون (بالمشروع الإسلامى).. تاركين اليسار القديم يعيش نهايته التاريخية فى هدوء.. وتاركين الليبراليين الجدد (يمضغون) مقولاتهم البالية فى حسرة وشحوب.
وللفتى مهلة فى الدهر إن ذهبت ** أوقاتها عبثًا لم يخل من ندم.
مصير المشروع (القومى العربى)
د. هشام الحمامى
عاشت المنطقة العربية طوال العقود الخمسة الماضية فى ظلال المشروع القومى العربى، الذى دغدغ مشاعر الشعوب العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، وكانت شعاراته التى تراوحت بين (وحدة حرية اشتراكية) كما كان ينادى شعار حزب البعث العربى الذى تأسس فى دمشق سنة 1947م، أو (حرية اشتراكية وحدة) كما كان شعار التجربة الناصرية (يقولون إن اختلاف الترتيب لم يكن عفويًا!!)..
كانت هذه الشعارات تمثل دستور عمل جماهيرى لشعوب الأمة العربية.. التى كانت لتوها خارجة من احتلالات كثيرة، وكانت تتوق إلى تجسيد كيان عروبى صلب فى مواجهة الاستعمار و(أذناب الاستعمار) كما كان يقول الرئيس عبد الناصر.. تصادمت التجربة البعثية مع التجربة الناصرية، وتصادمت التجربة البعثية فيما بينها وامتلأت بالفجوات المريبة..
أما التجربة الناصرية لم يتبق منها إلا أحلامًا قديمة تجاوزتها الدنيا ومرت من فوقها أحداث كثيرة.. وعبثًا حاول البعض تكوين أحزاب ناصرية تصل الماضى بالحاضر لكنها فشلت.. وأول من تنبأ بفشلها كان الأستاذ هيكل، الذى نفض يديه من المسألة تمامًا وتفرغ لمشروعه الشخصى ككاتب ومؤرخ محترف، وقال ذات مرة تلميحًا هامزًا عن الفترة الناصرية (إن أحوال التاريخ تعطى فى مراحلها الدقيقة والحساسة لبعض الأفراد أهمية تتجاوز طاقة الأفراد) و(يجب علينا أن نتوقف بين الفترة والأخرى للفرز والقراءة).. وجملة حياته ومواقفه بعد وفاة الرئيس عبد الناصر كانت تشير إلى
حرصه الشديد على وجود مسافة بينه وبين الأسواق الناصرية التى انتشرت فى المنطقة العربية.
لم يستطع المشروع القومى العربى أن يقيم على الأرض أيًا من شعاراته سواء بالترتيب البعثى أو بالترتيب الناصرى.. بل المفارقة التاريخية المدهشة هو أن (الحرية) تم انتهاك عرضها من كل زناة الأرض..و(الاشتراكية) أصبحت عنوانًا على تشارك الجميع فى الفقر والمرض والأمية والجهل.. و(الوحدة) جسدت أخبث أنواع الفرقة والخلاف.. تعملقت إسرائيل واخترقت أجهزتها الأمنية كل الأنظمة العربية تقريبًا.. وتحولت القضية الفلسطينية من وضعها الرئيسى باعتبارها القضية المركزية للأمة إلى مجرد صراع إسرائيلى- فلسطينى.
الآن وبعد أن مرت من تحت الجسور مياه كثيرة، وجاء دور الشعوب لتحدث عملية القراءة والفرز التى حدثنا عنها الأستاذ هيكل، فأنتجت الثورات المشرقة التى أزاحت عن صدر الأمة همًا ثقيلاً وعبئًا رذيلاً.. وكان مما أسفرت عنه عملية الفرز تقدم (المشروع الإسلامى) ليحمل عبأ المستقبل بكل ما فى الحاضر من خراب.
من جسامة المسئولية التى تفرضها اللحظة التاريخية الراهنة، أذكر إخواننا فى التيار القومى، أن الإسلام كان ومازال عنصرًا مؤسسًا وأصيلاً من عناصر المشروع القومى العربى.. ولنتذكر شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، فالإسلام والعربية هما من جعل من العرب أمة ذات حضارة وتاريخ..
ولنتذكر الدائرة الإسلامية فى (ميثاق العمل الوطنى) لعبد الناصر فيما يميل كثيرون إلى تفسير صراعه مع الإخوان على أنه كان محض صراع سياسى تخللته كثر من الفجوات على المستوى الشخصى مع بعض القيادات، وحكى لى أحد الإخوان القدامى عن إصرار عبد الناصر على مقابلة الشيخ مصطفى السباعى، مراقب الإخوان فى سوريا، أثناء زيارته سنة 1958م موضحًا له أسباب خلافه مع الإخوان فى مصر، وقرر تدريس كتاب الشيخ (اشتراكية الإسلام) فى المدارس الثانوية.. وأنشئت إذاعة (القرآن الكريم) فى عهد عبد الناصر(25/3/1964م).. وعليه فقد بات على المشروع القومى العربى أن يندمج فى المشروع الإسلامى جملة وتفصيلاً.. وليسمح لى إخواننا القوميون بهذه القفزة الواسعة للأمام - كما كان يقول ماوتسى تنج - وأعتقد أن هذا هو أشرف مصير وأصح اختيار ممكن فى هذا الوقت الفارق.
وأذكرهم بمقولة المفكر العروبى الكبير محمد عابد الجابرى عن (العقل المستقيل)، ذلك العقل الذى يبتعد عن النقاش فى القضايا الحضارية الكبرى..
الآن نحن أحوج ما نكون إلى إعمال العقل مناقشة وجدلاً وحوارًا لا ينقطع حول قضايانا الحضارية الكبرى.. وإن لم يكن الآن؟ فمتى يكون؟
الآن نحن أشد ما نكون احتياجًا إلى (استقلال العقل) - إذا جازت المقابلة - عن موروثات قديمة وخصومات قديمة ومقولات قديمة..
الفرصة الآن أقرب ما تكون إتاحة وإمكانًا لتصحيح أخطاء الماضى مراجعة وإصلاحًا.. البعض منهم يخاتل ذات (اليمين) وذات (اليسار) متخذًا مواقف مريبة.. متمنيًا للإسلاميين الفشل فى حمل عبأ المستقبل، واتخذ مواقف أبعد ما تكون عن المكونات الحقيقية للفكر العروبى مصرًا على إبقاء حالة التوتر التاريخى القديم.. الفشل هنا - لا سمح الله - سيلحق الضرر بالوطن وأهله قبل أن يلحق الضرر بفصيل أو تيار.. وإذا كان اليسار قد التحق فى الماضى (بالمشروع القومى) لأنه كان فى السلطة فى محاولة منه لتوظيفها فى فرض التحولات الاجتماعية والاقتصادية التى يعتقدها.. وهى التحولات التى آلت إلى ما نراه من خيبة تطل برأسها من كل مكان..
فواجب الوقت الآن أن يلتحق القوميون (بالمشروع الإسلامى).. تاركين اليسار القديم يعيش نهايته التاريخية فى هدوء.. وتاركين الليبراليين الجدد (يمضغون) مقولاتهم البالية فى حسرة وشحوب.
وللفتى مهلة فى الدهر إن ذهبت ** أوقاتها عبثًا لم يخل من ندم.
- على الطريق · Top Commenterلا ناصرية ولا إشتراكية ولا قومية ولا كفرية هؤلاء قوم لا يرون إلا أنفسهم على الساحة ويحتقرون الإسلاميين ويتهمونهم بالجهل والتخلف والرجعية وينظرون إليهم نظرة إستعلاء ،.
هؤلاء القوم يتمنون الفشل للتيار الإسلامى بل يعملون جاهدين على إفشالهم حتى لو على حساب مصلحة مصر ،.
هؤلاء يعيشون فى وهم أنهم عائدون وبقوة وأن المستقبل لهم لذلك رفضوا وسيرفضون التحالف مع الإسلاميين بعد الثورة ،.
هؤلاء القوم أغلبهم يؤيد بشار الأسد وكلابه بعضهم أعلن ذلك والبعض يظهر العكس ،.
كلمة أخيرة ،.
أقسم بالله العظيم إن مصر لن يحكمها ناصرى ولا شيوعى ولا علمانى من الآن وحتى قيام الساعة وكل هؤلاء سيذهبون إلى مزبلة التاريخ لأنهم نسوا أن للكون إله وأن الأمر كله بيده وأنهم أخذوا فرصتهم فى ظل الإستبداد وأن المستقبل للإسلام شاء من شاء وأبى من ابى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق