الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

01                        
الدستور المرتقب يجب أن يعبر عن تطلعات المصريين
الدّستور المصري... يُدبّرُ بليل؟

انسحاب القوى المدنية المصرية فضلا عن انسحاب ممثلي الكنائس المصرية طرحَ سؤالا حارقا حول سير صياغة الدستور المصري المرتقب منذ إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تعليق العمل بالدستور السابق

عبد الجليل معالي

قال سياسيون مصريون أنهم انسحبوا من الجمعية التأسيسية التي تكتب دستورا جديدا للبلاد. وأعلنت الكنائس المصرية الرئيسية، السبت، سحب ممثليها من الجمعية قائلة إن مسودة للدستور الجديد كتبتها لجنة صياغة في الجمعية لا تضمن التعددية القائمة في المجتمع منذ مئات السنين.

انسحاب القوى المدنية المصرية فضلا عن انسحاب ممثلي الكنائس المصرية طرحَ سؤالا حارقا حول سير صياغة الدستور المصري المرتقب منذ إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الذي أدار شؤون مصر لفترة انتقالية بعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك- عن تعليق العمل بالدستور السابق. 

ويتعين طرح مسودة الدستور في استفتاء شعبي قبل أن تصبح سارية. ولن يكون بإمكان مصر التي حُلّ مجلسها التشريعي في أبريل نيسان بحكم قضائي إجراء انتخابات تشريعية إلا في وجود دستور. 

ما يسود مؤخرا حول خلافات متعلقة بالجمعية التاسيسية المكلفة بإعداد مسوّدة الدستور، ينبئُ بسعي واضح من قبل الإخوان إلى فرض نواياهم وتصوراتهم على دستور جديد قد يدومُ عقودا، ولعلّ تواتر الانسحابات من الجمعية التأسيسية مؤخرا تؤشرُ على حجم الامتعاض الذي يعلنه أعضاء الجمعيّة التأسيسية الذين اختاروا الانسحاب احتجاجا على "النوايا الدستورية" للإخوان، وهي نوايا يوضحها حمدي الفخراني عضو الشعب المصري السابق الذي وصف ما يدور داخل الجمعية التأسيسية "بهيمنة فكر جماعة الإخوان المسلمين وبشكل شبه كامل على الجمعية التاسيسية لصياغة الدستور" لافتا إلى أن "تأسيسية الدستور ستفرزُ دستورا إخوانيا وليس دُستورا مصريا كما يُفترضُ" 

السعي الإخواني إلى "فرض" دستور جديد على مقاسهم أفرزَ عديد المواقف والتداعيات بدأت أولا مع انسحاب ممثلي الكنائس الأورتودكسية والانجيلية والكاتوليكية وتبعه انسحاب أعضاء الهيئة العليا لحزب الوفد التي أعلنت السبت، انسحاب ممثليها من الجمعية التأسيسية للدستور، وهؤلاء وأولئك أشاروا إلى نفس السبب والعلّة: حيث بررت الكنائس المصرية الرئيسية سحب ممثليها من الجمعية بأن مسودة للدستور الجديد لا تضمن التعددية القائمة في المجتمع منذ مئات السنين، وان الاسلاميين الذين يهيمنون مع حلفائهم على التأسيسية يريدونَ "تأبيدَ" الحكم الإسلامي للبلاد، اما عمرو موسى رئيس حزب "المؤتمر" المصري فقد أرجع ذلك إلى أن "المسيطرون على الجمعية التأسيسية من الأحزاب الإسلامية خالفوا كافة الوعود التي سبق وأن اطلقوها والتي تؤكد أنه لا يجب أن نلجأ للتصويت العددي وإنما للتوافق الذي يضم كافة الأطراف وليس الذي يضم البعض ويستبعد البعض الآخر". 

يبدو أن قراءة متأنية لما يحدث من تجاذب داخل الجمعية التأسيسية المصرية قد تذهبُ بهذا التجاذب إلى أبعد من مجرد الاختلاف حول نقطة او فصل او مادة في الدستور فهذا عاديّ ومألوف بل مطلوب وصحّي في كلّ دساتير الدنيا، ولكن الأمر أعمقُ من ذلك فهو يعكسُ "نهما" سياسيا إخوانيا يودّ الاستحواذ على كلّ شيء: السيطرة على مفاصل الدولة، والهيمنة على الاقتصاد والإعلام والقضاء، والأهمّ هو مصادرة المستقبل من خلال فرض مشروع دستور على مقاس نظرة الإخوان إلى مصر. 

ولعلّ جماعة الإخوان عندما يُصرّن بأغلبيتهم او بتحالفهم "في زواج غير شرعي مع السلفيين" على صياغة مواد الدستور "وخاصة الخلافية منها" على مقاسهم او كما يريدون، هم بذلك يرسمونَ مستقبل مصر لعقود قادمة وهم بذلك أيضا يريدونه مستقبلهم مع استبعاد كلّ من يخالفهم حتى ممن جاء بهم إلى السلطة. 

الاختلاف حصل حول مسألة اعتماد الشريعة وهو موضوع المادة 220 من مسودة الدستور فقد ورد في نص المادة أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة"، وهو ما يعتبرُ إصرارا من جانب الإسلاميين ولجنة الصياغة النهائية على تلبية مطالب السلفيين، باستبدال كلمة مبادئ الشريعة بأحكام الشريعة، لكنهم فشلوا في ذلك بسبب إصرار القوى المدنية على مجابهة هذا المطلب المتشدد، فلجأت القوى الإسلامية المسيطرة على الجمعية التأسيسية إلى إضافة مادة مفسرة للمادة الثانية". 

وقد اختزلَ ذلك نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان بالقول بأن "مسودة الدستور الأولى، وضعت قيد أحكام الشريعة الإسلامية على حقوق وحريات المرأة، واستخدمت ألفاظا ومصطلحات دينية إسلامية بما يتنافى مع مفهوم الدستور، بأنة وضع لكافة المواطنين، دون تمييز بين أديانهم وأعراقهم، كما أنه لا يحتوى على لفظ واحد يعبر عن مدنية الدولة".

موجة الرفض لم تكن مقتصرة على الاحزاب السياسية قط بل امتدت وتوسعت إلى منظمات المجتمع المدني حيث احتج عدد كبير منها وأعلنت 154 مؤسسة حقوقية مصرية رفضها لمسودة الدستور التي خرجت عن الجمعية التأسيسية، بسبب "كثرة المواد التي ترسخ لدولة استبدادية وقمع للحريات المدنية وحقوق الإنسان وإهدار مبدأ الفصل بين السلطات والتمييز بين المصريين، والانتقاص من ولاية القضاء واستقلاليته وتقييد الإعلام وحرية الصحافة".

وأكدت المؤسسات في بيان مشترك أصدرته السبت أن هذه المسودة خلت من أي مرجعية حقوقية أو النصّ على أي من التزامات الدولة المصرية وتعهداتها الدولية المتعلقة باتفاقيات ومواثيق وإعلانات حقوق الإنسان، ومن ناحية الشكل لخروجه عن جمعية تأسيسية مطعون في صحتها، مطالبة بأن يكون هناك باب خاص في الدستور الجديد يخص المجتمع المدني بكل هيئاته ومؤسساته، بحيث يضمن له حرية التنظيم وحرية العمل.

كما طالبت بأن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور في صياغة الدستور الجديد باعتبارها من القوى الوطنية الفاعلة، التي ساهمت في ترقية الوعي السياسي الجمعي لدى الشباب في مجالات الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكذلك حقوق المرأة والطفل.

نخلصُ إلى أن الخلاف المحتدم لا يتمحورُ حول نقطة بعينها، بل هو صراع بين مشروعين: مشروع الدولة المدنية التي ناضل من اجلها الشعب المصري طويلا، وبين نموذج آخر لدولة دينية تيوقراطية تسعى الجماعات الإسلامية إلى فرضها وزرعها في مصر، ولا تعدو الخلافات التي تطفو من حين لآخر أن تكون إلا تعبيرا على عمق هذا الصراع، والواضح ان جماعة الإخوان بصدد التراجع عن تعهدات سياسية قطعتها على نفسها قبل الانتخابات مفادها ان تعمل وتتحرك لفائدة عموم الشعب المصري بكلّ فئاته وأطيافه، وهي تتراجع كذلك حتى على اتفاقات يتمّ عقدها داخل الجمعية التأسيسية بين مكونات المجتمع السياسي المصري، وهو ما يشيرُ إليه أيضا المتحدث الرسمي السابق باسم الجمعية وحيد عبد المجيد الذي أعلن بدوره انسحابه "وصلنا إلى طريق مسدود... اعترضنا على مفاهيم طالبانية ومفاهيم وهابية. ولكن " فوجئنا بأن نصوصا توضع "في المسودة" وتُدبّرُ بليل لا نعرف من وضعها."

صياغة الدستور المصري تمثّل قطب رحى العملية السياسية في مصر، اولا لانها تعكسُ حجم الاختلافات السياسية داخل الساحة المصرية، وثانيا لانها سترسمُ مستقبل مصر لعقود قادمة وهو ما يفسّرُ احتدام الصراع وشراسته بين قوى تدافع عن دولة مدنية تكفلُ حق الجميع، وبين قوى اخرى ترنو إلى فرض نموذج دولة دينية لا تعترف بالحريات المدنية وحقوق الإنسان، ولا شكّ ان هذا الصراع لن يدور فقط داخل الأروقة والمكاتب بل سيخرجُ إلى الساحات العامة والشوارع تبعا لإصرار قطاع واسع من الشعب المصري على القطع مع ماض قام أساسا على مصادرة الحريات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger