هل تدفع واشنطن في اتجاه إقامة نموذج إيراني موال لها في مصر؟!
علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى
هل تدفع واشنطن في اتجاه إقامة نموذج إيراني موال لها في مصر؟!
د. أشرف الصباغ
تحدث الكثيرون طوال الأشهر الماضية عن ما يجري حاليا في مصر. وتنبأوا بانقلاب الإخوان وممثلهم في قصر الاتحادية الرئيس محمد مرسي على القوى السياسية وعلى كل منجزات الثورة. بل وقيامهم بقلب كل الحقائق التاريخية، البعيدة والقريبة، من أجل انفرادهم بالحكم. وتجلى ذلك في خطوات كثيرة ومعارك صغيرة قاموا بها بعد وصول الرئيس الإخواني إلى السلطة.
غير أن الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره مرسي في 22 نوفمبر 2012 يعد بمثابة الانقلاب الكامل، والدخول إلى مرحلة جديدة مع القوى السياسية والمجتمع المصري بأسره. فقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي عن نصوص قانون "حماية الثورة" وكانت أهم بنوده إنشاء نيابة مختصة بحماية الثورة تسمى نيابة حماية الثورة لمدة عام بقرار من النائب العام. كما أعلن عن تخصيص دوائر خاصة بالمحاكم للنظر في قضايا الفساد المالي لرموز النظام السابق لتحقيق العدالة الناجزة في تلك القضايا، بالإضافة إلى إعادة قضايا قتل الثوار. ورصدت مخصصات مالية لأهالي ضحايا الثورة. وتوج كل ذلك بإقالة النائب العام وتعيين آخر محله. ومن الواضح أن الخطورة تكمن في التسمية: "حماية الثورة"، ما يذكرنا بالدول الاستبدادية والشعارات التي تطرح من أجل تحقيق أهداف أخرى تماما مغايرة ومعادية للثورة نفسها وتصل إلى حد تصفية الثورة ومن قاموا بها.
هذا الإعلان الدستوري المكمل يتعارض ليس فقط مع الاتفاقات التي عقدها الرئيس مرسي مع عدد من القوى والشخصيات السياسية والقضائية والقانونية والتصريحات التي أدلى بها والالتزامات التي أخذها على عاتقه، بل وأيضا مع وضع الرئيس وصلاحياته في الدستور والدساتير المكملة ومجمل القوانين المصرية. ولكن الرئيس قرر أن يخفي أهداف مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين وراء إعادة محاكمة مبارك وأركان نظامة، ووراء حقوق شهداء الثورة. والمثير أنه في مساء يوم 21 نوفمبر 2012 ظهرت في وقت متأخر أنباء حول انقلاب حقيقي للإخوان بعد أن اشتدت أحداث شارع محمد محمود التي بدأت يوم 19 نوفمبر في الذكرى الأولى للأحداث التي جرت في نفس المكان عام 2011 ضد المجلس العسكري. وهي الأحداث التي وقف ضدها آنذاك الإخوان المسلمون وكافة تيارات الإسلام السياسي واتهموا المتظاهرين بالخروج على الشرعية وهدم البلاد. وكان الأخطر في مساء 21 نوفمبر أن ظهرت على موقع التواصل الاجتماعي تغريدة على حساب الرئاسة المصرية هذا نصها: "دعوات فوضوية ينشرها الفلول وأعداء الوطن لتظاهرات يوم الجمعة المقبلة، والملايين تؤكد علي عزمها التصدي لهم ودعم الرئيس ضد الانقلابيين". جاءت هذه التغريدة ردا فوريا وواضحا على الدعوات للتظاهر يوم الجمعة 23 نوفمبر. والملاحظ أن الرئيس المصري ألغى زيارته لباكستان وكلف نائبه بأن يحل محله. وكان تأجيل الزيارة ليس إطلاقا بسبب أحداث غزة وعملية المفاوضات بين الإخوان كوسيط والإدارة الإسرائيلية، ولا حتى بسبب زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في هذا اليوم تحديدا للقاهرة. بل كانت بسبب مخاوف مرسي من وقوع أي شيء لا تحمد عقباه في غيابه.
من الصعب قراءة ما جرى ويجري في مصر الآن بمعزل عن سياق عام إقليمي ودولي ومحلي، خاصة وأن الإخوان المسلمين يتصورون أنهم تمكنوا من السلطة في مصر، ولم يعد أمامهم إلا مواصلة الحصول على الدعم الإقليمي والدولي.
لقد بدأت إجراءات الانفراد بالسلطة بهجوم غير مسبوق على الإعلام وحملة عدائية ضد كل وسائل الإعلام غير المتعاطفة أو المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين. ثم حملة ضخمة أخرى موجهة ضد الاحتجاجات الإجتماعية لاقت دعما من جانب مجمل الطبقة الحاكمة الجديدة وقطاع كبير من المواطنين. كما لوحظت في الآونة الأخيرة حالة تناغم واتساق جديدة بين جماعة الإخوان والرئيس من جهة وبين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة ثانية. ومن الواضح أن هذا الاتساق والتناغم لم يحدثا إلا بوعود وضمانات والتزامات من جانب جماعة الإخوان والرئيس.
غير أن الخطير في الأمر أن هذا الانقلاب الواضح من جانب جماعة الإخوان والرئيس مرسي قد جاء على خلفية دعم دولى وإقليمى بعد تسوية غزة. وهو الدعم الذي كان موجودا حتى قبل أن يصل ممثل جماعة الإخوان إلى قصر الرئاسة. ولكن مسار الأحداث يوضح جيدا أن جماعة الإخوان والرئاسة في مصر تسيران على خطى قطر والولايات المتحدة بشكل يدعو للدهشة. واتضحت هذه الأمور بشكل جيد وملموس منذ زيارة أمير قطر للقاهرة، ثم زيارته لغزة، وبعد ذلك زيارة رئيس وزراء مرسي أيضا لغزة. أما وجود هيلاري كلينتون في القاهرة يوم 21 نوفمبر وقبل الانقلاب بيوم واحد فقط، فهو يشير إلى الانقلاب أكثر مما يشير إلى تهدئة الأوضاع في غزة. أي يشير ببساطة إلى دعم واضح لحكم الجماعة في مصر، ويدعم مرسي إقليميا، ويظهره بصورة رجل السلام الحريص على المصالح الإقليمية والدولية. ويبدو أن كل ذلك مقابل بلورة نظام ما حليف للولايات المتحدة وشبيه في الوقت نفسه بنظام الملالي في إيران. ولا شك أن الولايات المتحدة في حاجة إلى أنظمة دينية الآن في المنطقة عموما، وبحاجة ماسة إلى نظام ديني في مصر بالذات مشابه للنظام الإيراني ولكنه معاد له مذهبيا وسياسيا. هذا جزء بسيط من المعادلة الكبيرة المليئة بالمتغيرات الإقليمية والدولية والتي يبدو أن المحلي قليل جدا فيها. وهذا يعود إلى الثقة المفرطة لدى مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان والرئيس مرسي في وضعهم الداخلي وإمكانية تأجيج حرب أهلية حقيقية في مصر. غير أن هذا الوهم الكبير يمكن أن يتبدد في لحظة واحدة في حال ظهور تفاهمات بين القوى السياسية المصرية من جهة وبين كل الشرائح والفئات الاجتماعية من جهة ثانية، نظرا لخطورة الوهم الذي يعيش فيه الإخوان، وخاصة بعد اجتماع قادة التنظيم الدولي في السودان. وهو اللقاء الذي تسربت منه معلومات كثيرة، أهمها إبداء المرونة التامة مع واشنطن وتل أبيب وكافة الدول والقوى الغربية، والسعي للحصول على أكبر دعم مالي من قطر والدول النفطية المساندة للمشروع الأمريكي في المنطقة وكافة المؤسسات الدولية الأخرى مثل البنك الدولي، وضرب كافة القوى السياسية والمدنية والعلمانية المحلية بكل الوسائل الممكنة، وبالذات إعلاميا وقضائيا.
يبدو أن جماعة الإخوان في مصر، والتنظيم الدولي عموما، يحوز على ثقة ما من رعاته الإقليميين والدوليين. ولكن ذلك قد لا يستمر طويلا، إما بسبب ما تتسم به الجماعة من صفات الانقلابية والانتهازية، أو بسبب تغييرات ما في خطط الرعاة أنفسهم. ولكن ما يجري في مصر الآن يثير القلق بشكل غير مسبوق. إذ أن الجماعة قررت البدء بتوجيه الضربات المتلاحقة خوفا من أي تراجع لدعم حلفائها الإقليميين والدوليين من جهة، ومن وقوع أي أحداث تخص سورية وإيران من جهة أخرى. هذه الضربات تأتي عبر إجراءات ليس لها علاقة لا بتحصين الجمعية التأسيسية أو إعادة محاكمة قتلة الثوار أو حتى بإعادة محاكمة مبارك، ولا بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية. إن جماعة الإخوان الآن وممثلها في قصر الاتحادية يسيران على طريق الانقلاب الكامل على الثورة بعد أن تم احتواء كل شيء، وإن كان ذلك جزئيا، عبر المسار السياسى الذى أفضى بالإخوان إلى السلطة. ومن ثم فالإعلان الدستورى المكمل ليس إلا مقدمة لسلسلة من الإجراءات الاستبدادية. فهل تدفع الإدارة الأمريكية في اتجاه إقامة نموذج إيراني موال لها في مصر؟!
إن الوضع شبيه الآن بما حدث في إيران عام 1979. فبعد أن مرروا الدستور وانسحاب كافة القوى المدنية الإيرانية بسط الملالي نفوذهم على السلطة وقرروا إعدام المعارضين (110 ألف معارض تابعين لنظام الشاه، وليس 30 ألف كما ادعى النظام الجديد). كانوا يعلقون المشانق أمام البيوت وينفذون الحكم على المواطنين ويتركونهم فى الشوارع لإرهاب الآخرين إلى أن سيطروا تماما على السلطة. فأقالوا رئيس الحكومة المعتدل الذى هرب بعد ذلك للخارج، وفرضوا سيطرة رجال الدين وهيمنتهم على كل شيء، وكرسوا لحكم الملالى، ثم دخلوا حروبا إقليمية مرعبة.
الوضع الآن في مصر يسير في اتجاه آخر تماما. وقد يستمر تحت سيطرة الإخوان المسلمين ولكن بمباركة ودعم إقليمي ودولي ماليا وسياسيا ولوجستيا، وربما عسكريا في حال دخول الإخوان في تحالفات تحت راية اسطنبول أو عن طريقها. ولكن في حال تحالف القوى السياسية المصرية، وخروج المظاهرات والاحتجاجات يمكن أن نتوقع تحولات ملموسة وخطيرة في ظل حالة الانقسام الموجودة حاليا في المجتمع المصري. ففي حالة المواجهات الجزئية بين المحتجين وبين القوات العسكرية أو قوات وزارة الداخلية، ستتجه الأمور إلى المزيد من التصعيد الذي قد يتكلل بمواجهات بين المحتجين والقوي السياسية من جهة وبين أنصار الإخوان المسلمين وميليشياتهم من جهة أخرى. والخطير هنا أن نظام مبارك لم يسقط بعد بشكل كامل وأعوانه يعملون تحت غطاءات كثيرة ومتعددة. وبالتالي، ففي حال سقوط حكم الإخوان لأسباب داخلية أو لتراجعات في الدعم الإقليمي والدولي، ستكون النار قد اشتعلت فعليا في مصر على أيدي الإخوان المسلمين الذين لن يتنازلوا عن السلطة بأي حال من الأحوال، بل وقد تظهر تحالفات بينهم وبين الجماعات الجهادية والتكفيرية.. هنا يمكن أن نعول فقط على طبيعة المصريين التي لا تميل إلى العنف، وعلى حصافة القوى السياسية التي يمكن أن تقوم بإدارة الدولة وخلق مناخ صحي ومغاير لما فرضه الإخوان. هنا ستكون مصر بحاجة حقيقية إلى أصدقاء مخلصين يقفون إلى جانب شعبها!!
غير أن الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره مرسي في 22 نوفمبر 2012 يعد بمثابة الانقلاب الكامل، والدخول إلى مرحلة جديدة مع القوى السياسية والمجتمع المصري بأسره. فقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي عن نصوص قانون "حماية الثورة" وكانت أهم بنوده إنشاء نيابة مختصة بحماية الثورة تسمى نيابة حماية الثورة لمدة عام بقرار من النائب العام. كما أعلن عن تخصيص دوائر خاصة بالمحاكم للنظر في قضايا الفساد المالي لرموز النظام السابق لتحقيق العدالة الناجزة في تلك القضايا، بالإضافة إلى إعادة قضايا قتل الثوار. ورصدت مخصصات مالية لأهالي ضحايا الثورة. وتوج كل ذلك بإقالة النائب العام وتعيين آخر محله. ومن الواضح أن الخطورة تكمن في التسمية: "حماية الثورة"، ما يذكرنا بالدول الاستبدادية والشعارات التي تطرح من أجل تحقيق أهداف أخرى تماما مغايرة ومعادية للثورة نفسها وتصل إلى حد تصفية الثورة ومن قاموا بها.
هذا الإعلان الدستوري المكمل يتعارض ليس فقط مع الاتفاقات التي عقدها الرئيس مرسي مع عدد من القوى والشخصيات السياسية والقضائية والقانونية والتصريحات التي أدلى بها والالتزامات التي أخذها على عاتقه، بل وأيضا مع وضع الرئيس وصلاحياته في الدستور والدساتير المكملة ومجمل القوانين المصرية. ولكن الرئيس قرر أن يخفي أهداف مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين وراء إعادة محاكمة مبارك وأركان نظامة، ووراء حقوق شهداء الثورة. والمثير أنه في مساء يوم 21 نوفمبر 2012 ظهرت في وقت متأخر أنباء حول انقلاب حقيقي للإخوان بعد أن اشتدت أحداث شارع محمد محمود التي بدأت يوم 19 نوفمبر في الذكرى الأولى للأحداث التي جرت في نفس المكان عام 2011 ضد المجلس العسكري. وهي الأحداث التي وقف ضدها آنذاك الإخوان المسلمون وكافة تيارات الإسلام السياسي واتهموا المتظاهرين بالخروج على الشرعية وهدم البلاد. وكان الأخطر في مساء 21 نوفمبر أن ظهرت على موقع التواصل الاجتماعي تغريدة على حساب الرئاسة المصرية هذا نصها: "دعوات فوضوية ينشرها الفلول وأعداء الوطن لتظاهرات يوم الجمعة المقبلة، والملايين تؤكد علي عزمها التصدي لهم ودعم الرئيس ضد الانقلابيين". جاءت هذه التغريدة ردا فوريا وواضحا على الدعوات للتظاهر يوم الجمعة 23 نوفمبر. والملاحظ أن الرئيس المصري ألغى زيارته لباكستان وكلف نائبه بأن يحل محله. وكان تأجيل الزيارة ليس إطلاقا بسبب أحداث غزة وعملية المفاوضات بين الإخوان كوسيط والإدارة الإسرائيلية، ولا حتى بسبب زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في هذا اليوم تحديدا للقاهرة. بل كانت بسبب مخاوف مرسي من وقوع أي شيء لا تحمد عقباه في غيابه.
من الصعب قراءة ما جرى ويجري في مصر الآن بمعزل عن سياق عام إقليمي ودولي ومحلي، خاصة وأن الإخوان المسلمين يتصورون أنهم تمكنوا من السلطة في مصر، ولم يعد أمامهم إلا مواصلة الحصول على الدعم الإقليمي والدولي.
لقد بدأت إجراءات الانفراد بالسلطة بهجوم غير مسبوق على الإعلام وحملة عدائية ضد كل وسائل الإعلام غير المتعاطفة أو المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين. ثم حملة ضخمة أخرى موجهة ضد الاحتجاجات الإجتماعية لاقت دعما من جانب مجمل الطبقة الحاكمة الجديدة وقطاع كبير من المواطنين. كما لوحظت في الآونة الأخيرة حالة تناغم واتساق جديدة بين جماعة الإخوان والرئيس من جهة وبين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة ثانية. ومن الواضح أن هذا الاتساق والتناغم لم يحدثا إلا بوعود وضمانات والتزامات من جانب جماعة الإخوان والرئيس.
غير أن الخطير في الأمر أن هذا الانقلاب الواضح من جانب جماعة الإخوان والرئيس مرسي قد جاء على خلفية دعم دولى وإقليمى بعد تسوية غزة. وهو الدعم الذي كان موجودا حتى قبل أن يصل ممثل جماعة الإخوان إلى قصر الرئاسة. ولكن مسار الأحداث يوضح جيدا أن جماعة الإخوان والرئاسة في مصر تسيران على خطى قطر والولايات المتحدة بشكل يدعو للدهشة. واتضحت هذه الأمور بشكل جيد وملموس منذ زيارة أمير قطر للقاهرة، ثم زيارته لغزة، وبعد ذلك زيارة رئيس وزراء مرسي أيضا لغزة. أما وجود هيلاري كلينتون في القاهرة يوم 21 نوفمبر وقبل الانقلاب بيوم واحد فقط، فهو يشير إلى الانقلاب أكثر مما يشير إلى تهدئة الأوضاع في غزة. أي يشير ببساطة إلى دعم واضح لحكم الجماعة في مصر، ويدعم مرسي إقليميا، ويظهره بصورة رجل السلام الحريص على المصالح الإقليمية والدولية. ويبدو أن كل ذلك مقابل بلورة نظام ما حليف للولايات المتحدة وشبيه في الوقت نفسه بنظام الملالي في إيران. ولا شك أن الولايات المتحدة في حاجة إلى أنظمة دينية الآن في المنطقة عموما، وبحاجة ماسة إلى نظام ديني في مصر بالذات مشابه للنظام الإيراني ولكنه معاد له مذهبيا وسياسيا. هذا جزء بسيط من المعادلة الكبيرة المليئة بالمتغيرات الإقليمية والدولية والتي يبدو أن المحلي قليل جدا فيها. وهذا يعود إلى الثقة المفرطة لدى مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان والرئيس مرسي في وضعهم الداخلي وإمكانية تأجيج حرب أهلية حقيقية في مصر. غير أن هذا الوهم الكبير يمكن أن يتبدد في لحظة واحدة في حال ظهور تفاهمات بين القوى السياسية المصرية من جهة وبين كل الشرائح والفئات الاجتماعية من جهة ثانية، نظرا لخطورة الوهم الذي يعيش فيه الإخوان، وخاصة بعد اجتماع قادة التنظيم الدولي في السودان. وهو اللقاء الذي تسربت منه معلومات كثيرة، أهمها إبداء المرونة التامة مع واشنطن وتل أبيب وكافة الدول والقوى الغربية، والسعي للحصول على أكبر دعم مالي من قطر والدول النفطية المساندة للمشروع الأمريكي في المنطقة وكافة المؤسسات الدولية الأخرى مثل البنك الدولي، وضرب كافة القوى السياسية والمدنية والعلمانية المحلية بكل الوسائل الممكنة، وبالذات إعلاميا وقضائيا.
يبدو أن جماعة الإخوان في مصر، والتنظيم الدولي عموما، يحوز على ثقة ما من رعاته الإقليميين والدوليين. ولكن ذلك قد لا يستمر طويلا، إما بسبب ما تتسم به الجماعة من صفات الانقلابية والانتهازية، أو بسبب تغييرات ما في خطط الرعاة أنفسهم. ولكن ما يجري في مصر الآن يثير القلق بشكل غير مسبوق. إذ أن الجماعة قررت البدء بتوجيه الضربات المتلاحقة خوفا من أي تراجع لدعم حلفائها الإقليميين والدوليين من جهة، ومن وقوع أي أحداث تخص سورية وإيران من جهة أخرى. هذه الضربات تأتي عبر إجراءات ليس لها علاقة لا بتحصين الجمعية التأسيسية أو إعادة محاكمة قتلة الثوار أو حتى بإعادة محاكمة مبارك، ولا بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية. إن جماعة الإخوان الآن وممثلها في قصر الاتحادية يسيران على طريق الانقلاب الكامل على الثورة بعد أن تم احتواء كل شيء، وإن كان ذلك جزئيا، عبر المسار السياسى الذى أفضى بالإخوان إلى السلطة. ومن ثم فالإعلان الدستورى المكمل ليس إلا مقدمة لسلسلة من الإجراءات الاستبدادية. فهل تدفع الإدارة الأمريكية في اتجاه إقامة نموذج إيراني موال لها في مصر؟!
إن الوضع شبيه الآن بما حدث في إيران عام 1979. فبعد أن مرروا الدستور وانسحاب كافة القوى المدنية الإيرانية بسط الملالي نفوذهم على السلطة وقرروا إعدام المعارضين (110 ألف معارض تابعين لنظام الشاه، وليس 30 ألف كما ادعى النظام الجديد). كانوا يعلقون المشانق أمام البيوت وينفذون الحكم على المواطنين ويتركونهم فى الشوارع لإرهاب الآخرين إلى أن سيطروا تماما على السلطة. فأقالوا رئيس الحكومة المعتدل الذى هرب بعد ذلك للخارج، وفرضوا سيطرة رجال الدين وهيمنتهم على كل شيء، وكرسوا لحكم الملالى، ثم دخلوا حروبا إقليمية مرعبة.
الوضع الآن في مصر يسير في اتجاه آخر تماما. وقد يستمر تحت سيطرة الإخوان المسلمين ولكن بمباركة ودعم إقليمي ودولي ماليا وسياسيا ولوجستيا، وربما عسكريا في حال دخول الإخوان في تحالفات تحت راية اسطنبول أو عن طريقها. ولكن في حال تحالف القوى السياسية المصرية، وخروج المظاهرات والاحتجاجات يمكن أن نتوقع تحولات ملموسة وخطيرة في ظل حالة الانقسام الموجودة حاليا في المجتمع المصري. ففي حالة المواجهات الجزئية بين المحتجين وبين القوات العسكرية أو قوات وزارة الداخلية، ستتجه الأمور إلى المزيد من التصعيد الذي قد يتكلل بمواجهات بين المحتجين والقوي السياسية من جهة وبين أنصار الإخوان المسلمين وميليشياتهم من جهة أخرى. والخطير هنا أن نظام مبارك لم يسقط بعد بشكل كامل وأعوانه يعملون تحت غطاءات كثيرة ومتعددة. وبالتالي، ففي حال سقوط حكم الإخوان لأسباب داخلية أو لتراجعات في الدعم الإقليمي والدولي، ستكون النار قد اشتعلت فعليا في مصر على أيدي الإخوان المسلمين الذين لن يتنازلوا عن السلطة بأي حال من الأحوال، بل وقد تظهر تحالفات بينهم وبين الجماعات الجهادية والتكفيرية.. هنا يمكن أن نعول فقط على طبيعة المصريين التي لا تميل إلى العنف، وعلى حصافة القوى السياسية التي يمكن أن تقوم بإدارة الدولة وخلق مناخ صحي ومغاير لما فرضه الإخوان. هنا ستكون مصر بحاجة حقيقية إلى أصدقاء مخلصين يقفون إلى جانب شعبها!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق