الجمعة، 30 نوفمبر 2012



«هيكل»: «الإسلام السياسي»

 

 

 

 لا يقبل مبدأ الاختلاف الفكري




قال المفكر السياسى والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن تيار الإسلام السياسى فى مصر لا يقبل مبدأ الاختلاف فكرياً.. وإنه يختلف مع المقولة الأساسية للأستاذ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بأن الإسلام دين ودولة، لأنها تحمل الكثير من التناقض، فالدين ثابت والسياسة نسبية، والدين يقين واعتقاد، والسياسة حوار دائم ومستمر، كما أن الدين له منطقه ومجاله، وله فعله بمقدار ما هو ممكن، لكنه دوماً فى القلب، أما السياسة فقضية أخرى، لأنها خيارات دنيوية وليست أخروية.
وأضاف الأستاذ «هيكل» فى حوار مطول لمجلة «الهلال» تنشره الجمعة ، أن أزمة سيطرة تيار الإسلام السياسى تكمن فى غياب مجال الحوار، لأن المطلقات لا تمهد لاختيارات سياسية، لأنها تعبر عن مقادير مكتوبة ومحسومة.
وتابع «هيكل» أنه من المؤكد أن الحتمية لا تستطيع تقديم مبدع كبير، لأن أى أدب أو فكر أو فن يدعو إلى التجديد ومخالفة الواقع، وعندما تقول إن ما صلح به أول الأمة هو الذى سيصلحها الآن، هذا يعنى أنك تدعو إلى التقليد ما يعمل بالضرورة على تقييد الفكر والإبداع، «هيكل» تحدث فى حواره مع الكاتب محمد الشافعى، رئيس تحرير مجلة «الهلال»، عن جذوره الثقافية، وقال: فى منزل جدى لوالدتى، وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم يخص أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم، لأن أحفاده يجب أن يحفظوا القرآن، وكان فى بيت جدى «مندرة» مليئة بالكتب جمعها جدى وخالى من مكتبة صبيح بالأزهر، وبيت جدى كان موجوداً فى المنطقة، التى بها مشيخة الأزهر الجديدة.. وكان بجوارنا بيت «الرافعى» وبيت «الرزاز».. وهذه المنطقة كانت مقراً للتجارة الوطنية فى مصر.. كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة، التى يطلقون عليها الآن السكة الجديدة والأزهر والغورية، وفى الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية.
وقد ساهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم دينى فى تشكيل ملامح شخصيتى الأولى.. حيث كنت أذهب يوم الجمعة مع جدى إلى مقصورة سيدنا الحسين فى وقت مبكر وأستمع إلى القرآن الكريم بأصوات المقرئين العظام: الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى والشيخ محمد رفعت، وأذكر أن أول كتاب قرأته كان «أدب الدنيا والدين» - وعانيت كثيراً فى فهمه - وقرأت بعد ذلك فى دواوين الشعر وفى كتاب «الأغانى» للأصفهانى وفى كتاب «ألف ليلة وليلة»، ثم جذبتنى كثيراً كتب السيرة الشعبية مثل «ذات الهمة» و«الظاهر بيبرس».. وهو واحد من الشخصيات التى تأثرت بها كثيراً، لأنى رأيت فيه صورة البطل.
وكشف «هيكل» لأول مرة عن عمله بالصحافة الفنية لفترة قصيرة قائلاً: كثير من مشاهير الصحافة والأدب فى العالم عملوا فى الصحافة المصرية الصادرة باللغات الأجنبية، أو عملوا كمراسلين لكبريات الصحف العالمية فى مصر وقت أحداث الحرب العالمية الثانية.. ومنهم على سبيل المثال جورج أوريل، الذى عمل رئيس تحرير «الإيجيبشن جازيت» كانت لديه نظرية للعمل الصحفى تكمن فى ضرورة أن يعمل الصحفى فى بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث ليتعرف خبايا النفس البشرية.. وعليه أن يعمل أيضاً مراسلاً عسكرياً ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولاً لمشاكلها..
وفيما بعد كان للدكتور محمود عزمى، ومعه الأستاذ محمد التابعى نظرية أخرى للعمل الصحفى تؤكد أن الصحفى فى بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن ليتعرف على تفاصيل «الحياة»، لكن بصورة مصغرة.. ثم عليه أن يعمل فى قسم البرلمان.. ليتعرف على أسرار وخبايا الحياة السياسية.. وعندما ذهبت إلى «آخر ساعة» عملت فعلاً بقسم الفن.. وربما لا يعرف الكثيرون أننى ارتبطت بعلاقة صداقة قوية مع الفنان نجيب الريحانى.. وكنت أجلس معه فى الكواليس.. وبعد نهاية العرض كنت أركب معه الحنطور، ونذهب لنجلس على المقهى. ومن حسن حظى أنى طبقت النظريتين فقد عملت مراسلاً حربياً كما عملت بالفن.
وحول رؤيته لأهمية الثقافة ودورها الفاعل فى الواقع قال «هيكل»: أعتقد أنه لا توجد سياسة دون ثقافة.. وإذا فصلت الثقافة من السياسة تحولت إلى سلطة، حيث لا فرق بين رئيس الدولة وخفير أمن.. لأن ما يفرق الاثنين هو البُعد السياسى، الذى يكمن خلف الفكرة السياسية.. ودوماً أؤمن بأن الثقافة ليست بعيدة أبداً عن السياسة.. وأنه لا ظهير للسياسة إلا الثقافة.
الكاتب الصحفى الأشهر كشف عن سر الدور السادس فى «الأهرام»، الذى ضم عمالقة الأدب والفكر فى مصر قائلاً: سألنى توفيق الحكيم عندما عرضت عليه الانضمام لـ«الأهرام» لماذا تريدنى فى «الأهرام»؟ وكان متشككاً باستمرار.. فقلت له لا أريد منك شيئاً أبداً.. ستحصل على راتب يساوى 5 آلاف جنيه فى السنة - وهو الراتب نفسه الذى كنت أتقاضاه فى «الأهرام» - لمجرد تناولك «الغداء» فى مطعم «الأهرام» يومياً.. فسألنى.. ومن سيدفع حساب الغداء؟
فقلت له: «الأهرام» ستدفع.. فقال متعجباً: وأحصل على راتبى مقابل ذلك فقط؟ فقلت له نعم بشرط أن يجلس معك كل يوم خمسة أو ستة من شباب «الأهرام» تدعوهم على «الغداء»، وتتناقش معهم لكى ينهلوا من ثقافتك.. وكنت أهدف من وراء ذلك أن ننقل الثقافة للناس، لأن الثقافة مثل السياسة إذا لم تكن لصالح الجماهير فلا قيمة لها، ثم ذهبت بعد ذلك إلى طه حسين فى بيته «رامتان» بشارع الهرم.. وعرضت عليه الانضمام لـ«الأهرام».. لكن خلافاته مع «الحكيم» جعلته يعتذر.. وكان طه حسين يمتلك «اعتزاز المفكر» فاعتذر وقبلت اعتذاره.. وهذا لم يمنعنى من الإصرار على الإتيان بكبار الأدباء مثل نجيب محفوظ.
وكشف «هيكل» لأول مرة أن نشر رواية «أولاد حارتنا» على صفحات «الأهرام» لم يكن حادثاً فريداً من نوعه، قائلاً: لم تكن «أولاد حارتنا» فقط هى التى أثارت الكثير من الجدل والهجوم على «الأهرام».. لكن رواية «بنك القلق» لـ«الحكيم» أثارت جدلاً أكبر، حيث احتج عبدالحكيم عامر بشدة ووصل الخلاف بيننا إلى نقاش حاد أمام «عبدالناصر».. حيث أكد «عامر» أن «الحكيم» يقصد نقد المخابرات.. لكن «عبدالناصر» كعادته حسم الموضوع بهدوء حيث قال لـ«عامر»: إذا كان توفيق الحكيم كتب فى العصر الإقطاعى السابق «يوميات نائب فى الأرياف»، وقال رأيه فى الأحوال الاجتماعية المصرية فى ذلك الوقت.. ولم يتصد له أحد.. فهل يعقل أنه عندما ينتقد بعض الأوضاع بعد الثورة أن نتصدى له. المهم أن «الأهرام» حرص على وجود كبار الأدباء والمفكرين مثل: زكى نجيب محمود - يوسف إدريس - لويس عوض - عبدالرحمن الشرقاوى - والدكتورة بنت الشاطئ.
وشدد «هيكل» على ضرورة التوازن بين التيارات الفكرية والثقافية قائلاً: إذا كنت تتكلم عن ثقافة شعب فلابد أن تكون جميع تياراته موجودة.. فالبُعد الإسلامى كانت تمثله الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ».. وتوفيق الحكيم كان يمثل فكراً آخر هو الوسطية.. ويوسف إدريس متأثر جداً بالأدب الإسبانى.. وعبدالرحمن الشرقاوى يمثل اليسار، وهكذا فإن هذه المجموعة من كبار المفكرين والأدباء تمثل «تكامل الثقافة المصرية»، وأيضاً تمثل الانفتاح والاحتكاك بكل ثقافات العالم الأخرى.. من خلال التواصل مع كل المدارس الأدبية والفكرية.. وهذا التواصل مع الآخر هو ما كنا ومازلنا فى أشد الاحتياج إليه.
ووصف «هيكل» الحكاية المتداولة عن دوره فى حماية نجيب محفوظ من الاعتقال فى عهد الزعيم «عبدالناصر» بأنها خرافة، قائلاً: هذه خرافة رددها الكثيرون.. والحقيقة أنه لم يفكر أحد فى اعتقال «نجيب» فى أى وقت من الأوقات.. أولاً لأن جمال عبدالناصر كان يعرف قيمة وقدر نجيب محفوظ.. ويعلم أنه يستطيع أن يعاتبنى على بعض الأشياء التى يكتبها نجيب محفوظ وغيره من كتاب «الأهرام». وثانياً: لأننى كرئيس تحرير لم أكن أسمح بذلك أبداً.. لأننى أرى أن دور رئيس التحرير يتخطى مجرد قدرته على تجنيد الكتاب المهمين وإدارة الجريدة.. لأن دوره الأهم هو حماية الجريدة وكل كتابها..
ولم أقبل أبداً أن يتحدث أحد أو يؤذى محرراً فى «الأهرام».. وكان الجميع يعلمون أن من يريد التحدث إلى أى شخص فى «الأهرام» بخصوص أى أخطاء أو مشاكل فعليه أن يتحدث مع رئيس التحرير فقط.. وأذكر أننى فى اجتماعى الأول مع أسرة تحرير «الأهرام» قلت لهم بوضوح إننى أعلم أن بعض الجالسين معنا إما على اتصال بالاتحاد القومى أو بالمباحث أو بالمخابرات.. وأنا أريد مندوبين لـ«الأهرام» فى هذه الجهات وليس العكس.. ولذلك فأمام هؤلاء مهلة لمدة شهر لقطع صلاتهم بهذه الجهات.. وإلا فعليهم قطع صلتهم بـ«الأهرام».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger