السبت، 1 ديسمبر 2012


مصر .. وفخ الشريعة من جديد!!

الطريقة التي تم خلالها إقرار مشروع الدستور المصري الجديد، ورغم الانسحابات المتوالية وأجواء التوتر التي تسود مناطق مختلفة من المحافظات المصرية ضد أعضاء اللجنة وقرارات الرئيس محمد مرسي، تضع الكثير من التساؤلات، خاصة أنه تم مد عمل الجمعية حتى فيراير/شباط 2013، فيما يتوقع قيام رئيس الجمهورية بطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي خلال أيام قليلة.

أنصار محمد مرسي يجتمعون في ميدان التحرير بالقاهرة
 القاهرة ـ أشرف كمال
مع تزايد مظاهرات المعارضة في مواجهة الرئيس وجماعة "الإخوان المسلمين"، من المقرر أن يشهد محيط جامعة القاهرة مظاهرات تأييد أنصار تيارات الإسلام السياسي للرئيس وجماعته  تحت عنوان "الشرعية والشريعة". 
والغريب هنا استخدام "الشريعة" في مظاهرات تأييد للرئيس في خلاف سياسي مع قوى المعارضة حول ثوابت الديمقراطية والإعلان الدستوري.
ولكنه تقليد متواتر العمل عليه لدى تيارت الإسلام السياسي، بهدف تطويع ثوابت الشريعة والفقه لخدمة أهداف ومصالح يمكن أن تختلف باختلاف الصراع والأشخاص، فإذ بالمساجد في جميع أنحاء مصر تروج حاليا لـ "وجوب طاعة الحاكم كمنهج إسلامي واجب على كل مسلم"، وأن "مخالفته معصية لله عز وجل". 
وهذا ما يفسر قدرتهم على الحشد في الاتجاه الذي تريده، في استغلال واضح لمكانة الشريعة الإسلامية وما تمثله عند المواطن المصري، وذلك الرصيد الذي لرجال الدين ـ الأصل فيهم قيادات داخل هذه التيارات ـ ووفق مبدأ السمع والطاعة بلا جدل ونقاش. 
وتصريحات الرئيس محمد مرسي ورئيس ديوان الرئاسة محمد رفاعة الطهطاوي والمتحدث باسم الرئاسة ياسر علي، تُشير إلى أن الاتجاه يسير نحو التصعيد بين تيارات الإسلام السياسي والقوى المدنية، أو ما يمكن وصفه بين أنصار الدولة الدينية والدولة المدنية، وأن الرئيس لن يتراجع أمام ضغط المعتصمين والمظاهرات التي خرجت ضده، وسيقوم بطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي خلال أيام قليلة في محاولة منه للخروج من المأزق الحالي. 
وقد اعتادت تيارات الإسلام السياسي عند الاحتكام للشارع في خلافاتها مع القوى السياسية الأخرى إلى استنفار الوازع الديني لدى المواطن وتوصيف الخصوم بأعداء الدين، وآلياتها في ذلك المساجد التي تكثف من دروس ومحاضرات في إطار ما يُعرف بـ "الإرشاد الديني" وكيفية بناء مجتمع مسلم يحقق آمال وطموحات هذه التيارات، وتصوير الخلاف السياسي على أنه صراع بين "الحق" المتمثل في الإسلاميين و"الباطل" الذي يدافع عنه أنصار المدنية والعلمانية.
وللمجتمع المصري تجربة واضحة المعالم في هذا لاتجاه، حيث نتائج استفتاء الإعلان الدستوري المؤقت في مارس/آذار 2011، وفي انتخابات البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى وفي جولة الاعادة في انتخابات الرئاسة، والتي جاءت مرضية لهؤلاء الذين تمكنوا من إقناع المواطن بأنهم يدافعون عن الشريعة والدين . 
وقليل من رموز تيارات الإسلام السياسي الذين يعتبرون اقحام الشريعة في الخلاقات السياسية أمرا غير مقبول، وينال من عظمة الإسلام وعدله وقبوله للآخر، لاسيما أن المعارضين هم مواطنون مصريون، وأن المساجد يجب أن تبتعد عن تلك الخلافات، فثوابت الدين معروفة وواضحة، فيما يبقى عالم السياسة متغير الثوابت، فليس كل من يخالف النظام والرئيس بكافر. 
واليوم ونحن في انتظار طرح مشروع الدستور الجديد في ظل رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين مدعوما من الدعوة السلفية في مصر، والجماعة الإسلامية وتيارات الإسلام السياسي الأخرى، يقينا سيعود فخ الشريعة إلى واجهة المشهد الانتخابي في مصر، وأن "نعم" هي التي ستدخل الجنة، و "لا" ستقود إلى النار.  
فمشروع الدستور صاغته تأسيسية تتكون من أشخاص ينتمون إلى تيارات الإسلام السياسي حرصوا على تغليب رؤيتهم على مشروع الدستور، وشكل الدولة المصرية الجديدة، وتمسكهم بهذا المشروع والإصرار على إقراره في هذه الأجواء المشحونة والعمل بشكل متواصل لما يقرب من 17 ساعة، يطرح العديد من التساؤلات حول استجابة تأسيسية الدستور، هل كانت لرغبات الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين؟ أم كانت استجابة لرغبات شريحة عريضة من المجتمع تعتصم في التحرير رفضا لعملها وطعنا في قانونية تشكيلها؟ 
ومن جديد سوف يقف المواطن المصري أمام فخ الشريعة لتحديد اتجاهاته السياسية، فهل أدرك ما لحقه من أزمات وصراعات ورغبات الاستحواذ والسيطرة الواضحة في سلوك تيارات الإسلام السياسي منذ استفتاء الإعلان الدستوري المؤقت حتى اليوم؟!
هذا ما ستكشفه الأيام القادمة عند الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، إن لم تتطور الأحداث بين الميدان والرئيس وتقود البلاد إلى اتجاه آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger