الاثنين، 18 أبريل 2011

استمع لمظلمتهم يا شرف


فراج إسماعيل 18-04-2011

من أسوأ ما سمعت أمس أن عصام شرف ويحيى الجمل لا يعرفان "قنا" ولم يزوراها، لكنهما بالتأكيد مرا عليها في طريقهما بالقطار للسياحة بالأقصر التي تبعد عنها 60 كيلو مترا!

ظلت نظرة النخبة الرئاسية في القاهرة لقنا دائما أنها "مقبرة" ومنفى، وإذا سألت أحدهم عنها، يجيبك.. "قنا عذاب النار".. وهو هنا يوحي بأنها قطعة من جهنم لا تستحق الحياة.

كانت مدينة الأقصر قبل استقلالها، تمنحها مكانة مميزة محافظاً ومحافظةً، ومع ذلك لم تشهد أي تنمية أو تطوير، لأن علية القوم في القاهرة لا يمرون عليها، ويهبطون رأسا إلى مطار الأقصر، ويستقبلهم فيه محافظ قنا.

بعد أن صارت الأقصر محافظة مستقلة، انقطع أي أمل في تطوير وتنمية قنا رغم أن بها مصانع مهمة للدولة كمجمع ألمونيوم نجع حمادي ومصانع السكر في بعض مراكزها مثل قوص.

كنت أضحك عندما تكتب صحافة القاهرة عن معجزة محافظها الأسبق اللواء عادل لبيب الذي انتقل إلى الإسكندرية تكريماً له.

قالوا إنه حول قنا إلى قطعة من الجنة.. شوارع نظيفة مليئة بالورود والياسمين، وغرامات تفرض على كل من يلقي بالمخلفات على الأرض، كأنها سنغافورة.

ولم يكن ذلك حقيقيا.. فعادل لبيب قام بتشجير جزء من طريق القاهرة – أسوان الذي تقع عليه المدينة من طرفها الشرقي، ومع كل متر تقابلك صورة كبيرة لحسني مبارك!

ونفس الشيء فعله مع الشارع الذي يصل قلب المدينة بالكوبري على النيل، مع بعض التنظيم للكورنيش.

تلك هي عبقرية عادل لبيب الذي أقام الدنيا بسببها. لكن قنا بسكانها الثلاثة والنصف مليون ظلت أفقر محافظات مصر وأدناها في الخدمات، مرتعا ومأوى لخُط الصعيد في كل العصور رغم طيبة أهلها وكرمهم وتدينهم ووجود كفاءات علمية وثقافية مميزة بينهم.

القاهرة الرئاسية بتعيين اللواء عماد ميخائيل مساعد مدير أمن الجيزة محافظاً لقنا، تصر على سقاء أهلها الكأس المر نفسه، وأن تنظر إليهم نظرة غير آدمية، فهذا اللواء المحافظ لن لا يفعل شيئا سوى التمتع بمنصب سيادي مع نهاية خدمته، وقضاء الخميس والجمعة في فنادق الأقصر المرفهة.

مرَ على قنا محافظون عديدون لم يروا منها سوى المدينة العاصمة، فإذا سئلوا عن دشنا وأبو تشت ونقادة وقوص، كانوا بحاجة إلى الاستعانة بصديق!

يعز على أهل هذه المحافظة الصابرة أن يعاملهم مجلس الوزراء باستكبار وتجاهل ويعطيهم ظهره بلا ادنى مراعاة لحقوقهم كأنهم من "سقط المتاع"..

من حقهم أن يعين لهم محافظاً مدنياً يفكر في تنميتها وتطويرها وايجاد فرص العمل وعلاج أبنائها الذين يعاني معظمهم من الأمراض المتوطنة بسبب المياه الملوثة ونقص امكانيات المستشفيات والوحدات الصحية في القرى.

من حقهم أن تقف عندهم ثورة 25 يناير، وأن يشد عصام شرف راحلته إليها ليأكل الفول والفلافل في أحد مطاعمها المتواضعة بجوار مسجد عبدالرحيم القناوي، كما فعل أمس مع أسرته في مطعم بالقاهرة.

مصر ليست القاهرة.. وشعب مصر ليس فقط ذاك الذي يعيش بين حدود القاهرة وحدود الجيزة.

في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ركب مصطفى النحاس رئيس حكومة الوفد قطار الفحم البطيء وسافر على عجل إلى قنا عندما ظهر فيها وباء الملاريا الذي قتل الآلاف من أبنائها، ورفض أي تعطيل لرحلته بحجة الخوف على حياته.

أخي عصام الشريف.. أنت رئيس لوزراء مصر كلها، فتذكر قولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لو أن دابة تعثرت في العراق، لخشيت أن يسألني الله عنها.. لمً لم تمهد لها الطريق؟..

قنا ليست بعيدة عن القاهرة، ولا تشبه حال العراق والمدينة المنورة في زمن أمير المؤمنين. تصلها في أقل من ساعتين بالطائرة عن طريق الأقصر، وتسمع في ظل وسائل الاتصال المتقدمة، صيحات أهلها الرافضة لمحافظك الذي أشار به "الجمل".. فماذا ستقول لربك يوم القيامة؟!..

أترك يحيى الجمل ليلة واحدة لا تستشيره فيها وقل لنفسك: اخشى أن يسألني الله يوم القيامة.. لماذا لم تستمع لمظلمة أهل قنا؟!

يا دولة رئيس الوزراء.. تحسس نبض قلبك عندما يشكوك مظلوم إلى الله.. فكم ارتفعت في عنان السماء شكوات الذين ظلمهم حسني مبارك، وهأنت ترى حال نظامه الآن..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger