بقلم د. نوال السعداوى ٢٠/ ٣/ ٢٠١٢ |
تم تعيين المجلس العسكرى بقرار من حسنى مبارك الذى خلعته الثورة الشعبية المصرية يوم ١١ فبراير ٢٠١١. وتم تعيين المجلس القومى الجديد للمرأة بقرار من الحكومة والمجلس العسكرى الذى عينه مبارك وخلعه الشعب المصرى. تم إقصاء من قاموا بالثورة، ودفعوا ثمنها بدمائهم وعيونهم وفلذات أكبادهم، تم استبعادهم من كل المجالس التى شكلها المجلس العسكرى، ومنها لجنة الدستور غير الشرعية، ولجنة الانتخابات البرلمانية والرئاسية غير القانونية، ومجلسا الشعب والشورى غير المنتخبين، والمجلس الاستشارى للمجلس العسكرى غير المستشار، والمجلس القومى للمرأة غير القومى، والجمعية التأسيسية للدستور غير الدستورية، ومجالس أخرى فى علم الغيب يتم تشكيلها من وراء الأبواب المغلقة. تصرخ الضمائر الحية والأقلام الناطقة باسم الثورة من فداحة أخطاء المجلس العسكرى على مدى العام الماضى كله، والأرواح التى قتلها وسحلها من الثوار والثائرات، والمليارات التى راحت ولم تعد، والمحاكمات التى كانت ولم تكن. يمضى المجلس العسكرى فى طريقه كأنما لا يرى ولا يسمع، كما كان مبارك يفعل، وكما فعل من قبله السادات، وكل حكام مصر منذ مينا ورمسيس وحتشبسوت. يتم إجهاض الثورة، وتفتيت القوى الثورية حسب مبدأ «فرق تسد»، يتبع المجلس القومى للمرأة المجلس العسكرى فى تفتيت القوى النسائية الثورية، كما فعلت سوزان مبارك ووزيراتها وأعوانها فى المجلس القديم، أصبحوا اليوم فى المجلس الجديد بمكياج مختلف. صمتوا حين كانت المعارضة واجبة، وكسبوا من الصمت مثلما يكسبون اليوم من الكلام، يحاولون القفز على الثورة والتحدث باسمها، كما فعل غيرهم فى المجالس التى تم تعيينها تحت اسم الانتخابات الحرة، الوزراء والوزيرات، والإعلاميون والإعلاميات، والصحفيون والكتاب، فى عصر مبارك أصبحوا يطفون على سطح الحياة السياسية الجديدة، تقدم بعضهم للانتخابات البرلمانية والرئاسية، تعاونوا مع النظام السابق بكل قوة، يتعاونون اليوم مع المجلس العسكرى بكل قوة، عارضوا الثورة بكل قوة فى البداية وفى النهاية، غيروا جلودهم ووجوههم بكل قوة، أصبحوا فى يوم وليلة هم الثوار والثائرات بكل قوة، ثم كشفوا عن أنيابهم مؤخرا بكل قوة يسعون مع الحكومة والمجلس العسكرى لتفتيت القوى الثورية، وتشويه سمعتها، وتحويل الأنظار عن محاكمات مبارك وأعوانه، التى لم تسفر إلا عن مهزلة جديدة، هى أن الذين سرقوا المليارات وقتلوا الآلاف يعرضون الصلح اليوم، على أن يردوا بعض ما سرقوه، والحكومة برئاسة «الجنزورى» تدرس هذا الاقتراح؟ مهزلة كبيرة تؤكد أن العدالة غائبة بعد الثورة، كما كانت غائبة قبل الثورة، والخداع الإعلامى قائم كما كان، فالمسألة ليست فقط أموالاً سرقت، بل أرواح قتلت وزهقت وسحلت، وحقوق شعب سلبت ونهبت على مدى ثلاثين عاماً من الفساد وأكثر، لكن دماء الشباب والشابات لن تشربها الأرض وتسكت، سوف تخرج الملايين مرة أخرى من بطن الأرض، يدوى صوتها فى نفس واحد: «يسقط النظام، يسقط حكم العسكر، يسقط مجلسا الشعب والشورى، والاستشارى والنسائى، والذكورى، وأمريكا والناتو وإسرائيل النووية، وقطر والسعودية النفطية، وغيرهم ممن يجهضون الثورات الشعبية، تحت اسم الحرية والديمقراطية»، لو كان المجلس القومى للمرأة مخلصاً لقضايا المرأة فى عصر سوزان مبارك لما شاركها فى تفتيت الحركة النسائية، أو فى منع تشكيل الاتحاد النسائى الشعبى أو أى حركة شعبية لا تركع للحكومة، ولو كان المجلس القومى للمرأة الذى عينه المجلس العسكرى والحكومة مخلصاً لقضايا المرأة لما كانت قياداته هى نفسها القيادات القديمة فى عصر السيدة الأولى. ■■■ حق المرأة البائس فى الخلع حق المرأة فى خلع زوجها ليس منحة من مجلس سوزان مبارك، بل هو حق صغير بائس للزوجة المقهورة، له شروط قانونية مجحفة، منها استئجار محام للذهاب إلى المحكمة والتنازل عن جميع حقوقها لتخلع زوجها بعد إقناع القاضى، وهناك الآلاف من قضايا الخلع راقدة فى المحاكم منذ مائة عام. لا تستطيع أغلب النساء المصريات الاستفادة من حق الخلع، لأنهن لا يملكن ثمن المحامى، وما أدراك ما المحامى، وهو كالحانوتى والطبيب، من المهن الحرة، كالسوق الحرة، يمصون دم الفقراء والفقيرات. لم أندم إلا مرتين فى حياتى، المرة الأولى حين ذهبت بقدمى إلى طبيب، والثانية حين ذهبت بقدمى إلى محام، أما المرة الثالثة فلن تحدث فى حياتى، لأنى لن أذهب بقدمى إلى الحانوتى يبدو حق الخلع للمرأة بائساً يائساً، إلى جانب حق الرجل الضخم فى الطلاق! فالرجل يطلق زوجته دون حاجة إلى محام، ما أسعد هذا الإنسان الذى يفعل شيئا بإرادته الحرة دون حاجة إلى أحد من المهن الحرة، ما أسعد المريض الذى يشفى أو يموت دون حاجة إلى طبيب أو حانوتى، وما أسعد المرأة التى تخلع زوجها دون محام. لا يدفع الرجل مليماً واحداً لتطليق زوجته، يكفيه أن يفتح فكيه وينطق كلمة طالق بشدقيه، تصبح زوجته فى الشارع، حسب شريعة التيار الدينى فى مجلس الشعب، الذى يرغب اليوم فى إلغاء حق الخلع للمرأة. فى الإسلام تيارات أخرى أكثر مصداقية وصدقا، تضع قيوداً صارمة على حرية الأزواج المطلقة لإشباع شهواتهم، حفاظا على سلامة الأطفال والأسرة. إن حق الخلع لم يأت من سوزان مبارك، بل جاء نتيجة جهود الحركة النسائية فى مصر على مدى السنين والقرون، هو حق فى الشريعة الإسلامية منذ عصر النبى، وعلى أعضاء الحزب الذين يطالبون بإلغاء حق الخلع أن يدرسوا الدين الصحيح القائم على العدل، وألا يفرضوا تفسيرهم للشريعة حسب أهوائهم، ومن أجل إكراه زوجة تكرههم كالسم، ولا تستطيع خلعهم حتى الموت، وإن هجروها لزوجات أربع، وعشيقات وجوارٍ بغير عدد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق