الأربعاء، 21 مارس 2012

مفاجآت زيارة للسعودية

             
آخر تحديث: الثلاثاء 20 مارس 2012 - 9:19 ص بتوقيت القاهرة

غبت عن السعودية نحو عشر سنوات، وعندما عدت إليها فى الأسبوع الماضى لاحقتنى المفاجآت حينما ذهبت، وأدركت أننا نرى السطح فيها ولا نعرف شيئا عما يجرى تحته.
 (1)

أولى المفاجآت كانت على الطائرة، حيث أتيح لى أن أطالع الصحف السعودية الصادرة صبيحة يوم 12/3. ان اكتشفت أنها جميعا تتحدث عن أمور لم نسمع بها جرت فى جامعة الملك خالد بمنطقة عسير جنوبى المملكة إذا نقلت وقائع لقاء استمر ثلاث ساعات لأمير منطقة عسير مع 500 طالب وطالبه لمناقشة المشكلات التى يعانون منها فى الجامعة. وفى اللقاء لخص الطلاب مطالبهم فى 23 بندا أولها المطالبة بإقالة إدارة الجامعة فى مدينة أبها. وتحدث أمير المنطقة الأمير فيصل بن خالد، قائلا إن «ما تطالبون به حق مشروع لكم. فأنتم لم تطلبوا سوى تحسين وتطوير المستوى التعليمى الجامعى» ومما أسفر عنه الاجتماع أن الأمير رحب بتشكيل لجنة تمثل الطلاب لمتابعة حل المشكلات التى يعانون منها، ولجنة أخرى أكاديمية لإعادة النظر فى المناهج. على أن تعقد اللجنتان اجتماعات شهرية لإنجاز مهامها.

لم تكن تلك هى المفاجأة الوحيدة، لأننى علمت مما قرأت، ومما سمعت لاحقا، أن طالبات كلية الآداب كن من بدأ الاحتجاج والتمرد، وأن الموضوع الأساسى الذى أثار غضبهن كان تدنى مستوى الخدمة والعوائق الإدارية التى يعانين منها. وقد أسهمت شبكة التواصل الاجتماعى فى تعبئة الطالبات والطلبة، وفى حث الجميع على التعبير عن غضبهم وإيصال صوتهم إلى الجهات المسئولة.

صحيفة «الوطن» علقت على ما جرى فى الجامعة قائلة: إن منذ انطلاق شرارة مطالب طالبات كلية التربية والآداب سعى مسئولو جامعة الملك خالد إلى تحوير ذلك التوجه إلى ما اسموه عبثا وتخريبا وإخلالا بالأمن تقف وراءه أياد خفية، وأنه يتعين على الجميع إيقافه، متجاهلين أن للطلاب والطالبات حقوقا لم يعطوها.

الموضوع المثار واللغة المستخدمة فى عرض الحدث وموقف السلطة إزاءه، ذلك كله كان جديدا بالنسبة لى. إذ كان على أن اقرأ التفاصيل جيدا لكى أستوعب حقيقة أن ثمة غضبا معلنا تحدثت عنه الصحف حيث الأصل أن يتم كل ذلك فى السرِّ. وأن الطالبات صار لهن صوت يرتفع فى بلد يعتبر متشددوه أن جنس النساء عورة يجب سترها، وأن أمير عسير شخصيا التقى 500 طالب وطالبة واستمع إلى ملاحظاتهم على مدى ثلاث ساعات، وأنه تم الاتفاق على انتخاب لجنة تمثل الطلاب وأخرى أكاديمية للتعاون فى حل المشكلات المشكو منها. وكان السؤال الذى خطر لى حينذاك هو: منذ متى يحدث كل ذلك فى المملكة
(2)

أحداث طالبات وطلبة جامعة الملك خالد فى «أبها» تحولت إلى مادة للتعليق اليومى فى كل الصحف السعودية. ولاحظت أن مبادرة الطالبات إلى التمرد والاحتجاج احتلت قسطا ملحوظا من التعليقات حيث فتحت تلك المبادرة الباب لمناقشة أوضاع النساء وحقوقهن فى المملكة. فى هذا الصدد كتبت الباحثة مرام مكاوى تقول: النساء شقائق الرجال ونصف المجتمع وشريكات الوطن. ولهن حق مثل الرجال تماما فى جميع مرافق الدولة وثرواتها وخططها المستقبلية وفى عصر الانفتاح والحرية الرقمية وزمن الإصلاح، فهن لن يقبلن إلا بأن ينلن هذه الحقوق كاملة غير منقوصة (الوطن ــ 14/3).

بعد أيام معددة من أحداث أبها، حدث تمرد آخر فى كلية التربية البنات فى محافظة يلقرن.إذ نشرت صحف الخميس 15/3 عن وقوع تذمر من جانب الطالبات «حاولن فيه تقليد طالبات جامعة الملك خالد. فتظاهرن مطالبات بإبعاد العميدة وتحسين الخدمة بالكلية إلى جانب سوء معاملة المشرفات. وحسب جريدة الوطن فإن مدير العلاقات العامة بالكلية ذكر أن الطالبات عبثن بطفايات الحريق بالمبنى وبباب المقصف. ومن الواضح أن صداما حدث داخل الكلية لأن تقرير الجريدة تحدث عن إسعاف 13 حالة فى مقرها ونقل 6 طالبات إلى المستشفى لعلاجهن إضافة إلى إصابة أستاذة جامعية وذكرت تقارير أخرى أن إصابتهن كانت نتيجة للإغماء وتحدثت صحف أخرى عن أن سيارات الشرطة هرعت إلى موقع الكلية لاحتواء الموقف وفرض الوجود الأمنى.

فى هذه الأجواء استوقفنى فى صحف الأربعاء 14/3 ثلاث ملاحظات لها دلالاتها هى:

ــ تصريح لنائب وزير التعليم العالى الدكتور أحمد السيف أعلن فيه إلغاء تفتيش طالبات الكليات بصفة نهائية والسماح باستخدام الهواتف الجوالة داخل الكليات، وتحذيره من «عقوبات رادعة» لمن يسيئ استخدام الجوال/ وذكرت صحيفة الوطن التى وضعت الخبر على صدر صفحتها الأولى أن هذه الخطوة اتخذت «على خلفية أحداث جامعة الملك خالد الأخيرة».

ــ إصدار توصية لوكلاء الجامعات السعودية للشئون الأكاديمية تقضى باشتراك الطلاب فى صناعة القرارات التى تخصهم وتستجيب لتطلعاتهم.

ــ تصريح وزير الدولة ورئيس الحرس الوطنى الأمير متعب بن عبدالله (ابن الملك) بأن معالجة الأخطاء والمطالبة بالحلول لا تكون بالطرق التى تخل بالأمن والاستقرار، وإشارته إلى أن «هناك جهات خارجية تسعى إلى زعزعة الاستقرار فى وطننا». وتحدث الأمير عن «الاضطرابات» التى شهدتها العديد من الدول العربية وأخلت بالاستقرار فيها.

أيضا آثار انتباهى فى صحيفة الشرق (فى 13/3) تعليق أشار فيه الكاتب (عصام الزامل) إلى أن رئيس جامعة «طيبة» فصل طالبا انتقده، فألقى عليه صاحبنا السؤال التالى: ألا تدرى يا دكتور أن هناك «تويتر» ملمحا أن باب النقد بات مفتوحا على مصراعيه لكل أحد على ذلك الموقع. وحينما سألت من لقيتهم من الشباب عن الواقعة فإنهم أكدوها، وأضافوا عن أمثال تلك الحوادث أنها باتت شائعة على شبكة التواصل الاجتماعى، التى تحولت مع موقع تويتر إلى نشرة أخبار لا تدع شاردة ولا واردها إلا وتذكرها. فى هذا الصدد ذكروا أن ما جرى فى جامعة الملك سعود فى الرياض بات معلوما للكافة من خلال موقع تويتر. سألت فقالوا إن طلاب السنة التحضيرية (التى تمتحن خريجى الثانوية العامة وتوزعهم على الكليات المختلفة) اشتبكوا مع العميد منذ شهرين. ورشقه أحدهم بحذائه، الأمر الذى شجع آخرين على التطاول عليه. الأمر الذى انتهى بإعفائه من منصبه وتعيين مدير جديد بدلا منه.
 (3)

ذهبت إلى السعودية مدعوا إلى معرض الكتاب الذى يقام فى مدينة الرياض. ولم أكن أعلم أن ثمة مفاجآت أخرى فى المعرض، الذى أريد له أن يكون رمزا للانفتاح وتحريك المياه الراكدة. وهو ما تمثل فى فتح الأبواب لعرض الكتب دون قيد أو رقابة. حتى وجدت فى المعرض كتب ليست متاحة فى المكتبات. الأمر الثانى الجديد فى المملكة أن المعرض ظل مفتوحا طوال الوقت للجميع رجالا ونساء. وكان التقليد المتبع فى السابق أن يخصص يوم لهؤلاء ويوم آخر لهؤلاء. بل وخصصت جلسة لثقافة الحقوق تحدثت فيها ثلاث جامعيات، اثنتان من السعودية والثالثة من المغرب، ذلك إضافة إلى هامش الحرية الواسع الذى أتيح فى أمسيات المعرض.

هذه الأجواء أثارت غضب السلفيين، فقاطع المعرض 40 دار نشر سعودية وثيقة الصلة بهم. وقام خمسة منهم ذات مساء باقتحام قاعة المؤتمرات التى تعقد فيها الأنشطة الثقافية وسعوا إلى إيقاف ندوة جلس فيها الرجال والنساء على طاولة حوار واحدة. إلا أن رجال الأمن والمنظمين تعاملوا معهم بحزم وأخرجوهم من القاعة، وحين حاولوا التجول فى المعرض لفحص الكتب فإنه تم اقتيادهم إلى مركز الشرطة، وطلب منهم أن يسجلوا اعتراضاتهم كتابة ثم ينصرفوا فى هدوء، إلا أن نفرا منهم «نجحوا» فى يوم سابق فى منع النساء من حضور ورشة نشر الكتاب الإلكترونى التى عقدت على هامش المعرض، بحجة منع اختلاطهن بالرجال.

مما أثار الانتباه أيضا أن ثلاثة من المعتقلين السابقين دعوا إلى الحديث فى إحدى الأمسيات، وأن أحدهم (اسمه فؤاد الفرحان) قال صراحة إنه لا يجوز فى بلد مهم وكبير مثل المملكة السعودية ألا يكون لديه مجلس نيابى منتخب. وقيل لى إن واحدا من الحاضرين وجه التحية لأحد الناشطين المعتقلين فى جلسة علنية، إلا أنه لم يظهر بعد ذلك فى القاعة.

الانطباع الذى خرجت به مما سمعت وقرأت أن ثمة تجاذبا تشهده البلاد على مختلف الأصعدة بين المتشددين والمعتدلين، الأمر الذى يعد نقلة إلى الأمام، من حيث أنه يعلن تراجعا نسبيا لهيمنة المتشددين المهيمنين، ويعنى أيضا أن حضور المعتدلين المنحازين إلى الانفتاح والحريات العامة يتزايد حينا بعد حين. ببطء صحيح ولكنه يعكس تقدما فى الاتجاه الصحيح. وهذا التجاذب يلاحظه المرء فى حضور بعض الرموز الثقافية فى المجال العام، مثل الدكتور سلمان العودة والأستاذ محمد سعيد طيب، فى الوقت الذى تدرجهم جهات أخرى ضمن الممنوعين من السفر.
(4)

كانت محاضرتى فى إحدى أمسيات المعرض حول الخطاب العربى الإسلامى فى ظل المتغيرات الدولية. والفكرة التى أثرتها اعتبرت أهم متغير أثر فى العالم العربى هو النقلة الهائلة التى حدثت فى ثورة الاتصال. ذلك أنها نقلت العالم بأسره إلى ما أسميته طور الاختراق العظيم الذى تغلب على كل الحدود والحواجز، وحول القرية العالمية الصغيرة إلى كتاب مفتوح بوسع الجميع أن يطالعوه أو يثبتوا حضورهم فيه. هذا التطور أضعف من قبضة الحكومات على الشعوب، ووفر للشعوب سلاحا قواها فى مواجهة الأنظمة المستبدة. الأمر الذى عالج الخلل فى موازين القوة بين الطرفين. فلا الأنظمة صارت بالقوة التى تدعيها ولا الشعوب أصبحت بالضعف التى تصورته.

أضفت أن أهم مشكلة فى العالم العربى أن الجسم فيه كبر والطموحات زادت، فى حين أن الرأس فيه ظل على حاله. وضربت مثلا بالحاصل فى سوريا حين انتفض الشعب فى عام 2011 ولكن النظام فيها تعامل معه بعقلية الثمانينيات، حين سحق الأسد الأب التمرد فى حماة عام 1881، وقتل أكثر من 15 ألف شخص ودمر المدينة، ثم نسى الجميع ما جرى بعد ذلك.

أما فى الوقت الراهن فإن حملات القمع والسحق تعم على العالم بعد وقوعها بدقائق وربما أثناء وقوعها، وهو ما فضح الجريمة ومكن الثورة من الاستمرار طوال العام المنقضى.

قلت أيضا إن المطلوب فى العالم العربى الآن أن يتصالح الجسم مع الرأس، بحيث يكون تعبيرا طبيعيا عنه، وليس خصما مشتبكا معه. ولا سبيل إلى ذلك إلا بإطلاق الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية الأمر الذى يفض اشتباك الجسم مع الرأس أو العكس، وأن يعقد بينهما معاهدة سلام ووئام تقود الشعب إلى بر الأمان والاستقرار والرخاء.

خلال 20 دقيقة قلت ما عندى، لكن الحوار حول العلاقة بين الجسم والرأس استمر فى الفندق إلى ما بعد منتصف الليل، حيث كان على أن أجيب على العديد من الأسئلة البريئة والخبيثة التى بات يطرحها جيل يتحلى بدرجة عالية من الوعى والجرأة. وصار يلح على أن يجسد فى واقعه حيوية وأحلام عالمه الافتراضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger