الثلاثاء، 20 مارس 2012

هل الحرب الإيرانية حتمية؟

                                 
                                        د. محمد هشام راغب   |  20-03-2012 14:55

السياسى الأمريكى المخضرم "جارى سيك" عمل فى مجلس الأمن القومى الأمريكى فى إدارات الرؤساء فورد وكارتر وريجان وكان مسئول الملف الإيرانى خلال أزمة الرهائن بعد الثورة الإيرانية. يرى "جارى سيك" فى مقال له منذ يومين أن العقوبات الاقتصادية على إيران لن تنجح برغم قسوتها، وأن ذلك سيؤدى حتمًا لشن حرب على إيران. ويرى أن الأحداث تتجه إلى سيناريو يشبه غزو العراق الذى سبقته حملة من الحصار الاقتصادى المرير، ويستبعد "سيك" أن يمثل النموذج الكوبى مسارًا للأزمة الإيرانية، فبرغم فرض الولايات المتحدة عليها حصارًا لأكثر من ثلاثين سنة لم يتطور الأمر لهجوم عسكرى، ربما لموقف الاتحاد السوفيتى الصلب فى دعم كوبا آنذاك.



وعلى كل الأحوال فإن ما يمكن أن تؤول له الأزمة الإيرانية ينبغى أن يمثل أهمية قصوى لنا فى مصر وسائر منطقة الشرق الأوسط. إننا لا يمكننا أن نقبع فى مقعد المتفرج والمتابع للأحداث وهى تتطور أمام أعيننا دون أن تكون لنا إستراتيجية واضحة إزاءها. وهذا يتطلب وضوحًا فى فهم ما يجرى ثم تحديد مصالحنا الوطنية والإقليمية فى أزمة ربما تعصف بالمنطقة كلها.

عندما جاء أوباما إلى الحكم أعلن أنه سيتبنى سياسة "العقوبات الذكية" ضد إيران، وقد أراد بذلك تجنب الخطايا التى وقعت فيها الولايات المتحدة فى العراق حين فرضت عقوبات شاملة أدت إلى إزهاق أرواح مئات الآلاف من أطفال العراق (بحسب إحصائيات الأمم المتحدة) ودفع فاتورتها المواطن العراقى البسيط وأدت بغالبية الطبقة الوسطى إلى أعمال إجرامية كالتهريب وفتح الأسواق السوداء لتجد لقمة العيش. أراد أوباما بسياسته الجديدة أن تؤلم العقوبات النظام الحاكم فى إيران دون أن تزيد العداوة الشعبية لأمريكا (الشيطان الأكبر). وبدلا من فرض رقابة صارمة على الواردات والصادرات الإيرانية، اتجهت أمريكا لضرب النظام المصرفى الإيرانى للقضاء تدريجيًا على مبيعات النفط الإيرانية، بالإضافة لممارسة ضغوط على دول الخليج لمقاطعة إيران. وأخذت الولايات المتحدة وإسرائيل تلوح شهريًا بعمل عسكرى ضد إيران من أجل استفزاز أوروبا ودول الخليج لتهرول بمزيد من العقوبات الاقتصادية لتفادى شبح الحرب. إن التلويح بعمل عسكرى ضد إيران لم يتوقف خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويكفى أن نرصد بعض أهم التصريحات بهذا الصدد. فقد أعلن جون بولتون فى تصريح شهير له فى 2007 أن إسرائيل ستضرب المنشآت النووية الإيرانية قبل نهاية حكم جورج بوش الابن، ثم كتب جيفرى جولدبيرج – بعد مقابلات عديدة مع أبرز القادة الإسرائيليين – أن إسرائيل ستشن هجومًا قبل يوليو 2011. آخر هذه التصريحات كان ما كتبه رونين بيجمان منذ شهر فى النيويورك تايمز أن 2012 ستكون سنة الحرب الإيرانية. كل هذا التلويح جعل الأوروبيين والخليجيين يفرضون عقوبات ليست فى صالحهم ولكنهم رأوها أقل ضررًا من عواقب حرب محتملة قد تؤدى إلى توقف كل صادرات النفط من الخليج العربى. الولايات المتحدة تلعب على هذا الوتر الحساس من أجل مزيد من الضغط والخنق لإيران.



الذى حدث كان مخالفًا لتوقعات الغرب، فقد أثرت العقوبات على إيران – والتى امتدت لأكثر من 16 عامًا – أثرت على رجل الشارع بطريقة قاسية، وطالت العقوبات كل فرد فى الشعب بصورة أو أخرى. أسعار المواد الغذائية تضاعفت عدة مرات فى السنوات الثلاث الأخيرة وحدها، العملة الإيرانية تتدهور ومشروعات صناعية كبرى بدأت تتصدع لنقص قطع الغيار أو المواد الأولية. لقد أدت هذه العقوبات "الغبية" إلى زيادة السخط الشعبى ضد الغرب عامة وضد أمريكا خاصة، وقد زاد هذا السخط أيضًا بعمليات الاغتيال الممنهجة ضد علماء إيرانيين وبطلعات مستمرة لطائرات بدون طيار فى الأجواء الإيرانية ومحاولات اختراق وقرصنة إلكترونية لمنشآت عسكرية إيرانية.



هذا السخط الشعبى رأينا ترجمته فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى جاءت بالجناح المتشدد فى تيار المحافظين، وقلصت من قوة الرئيس الإيرانى وقضت تقريبًا على وحدة التيار الإصلاحى مما نتوقع معه سياسات إيرانية أكثر خشونة وتشددًا.



أين نحن من احتمالات نشوب حرب إيرانية؟

يكاد يقتصر خطابنا السياسى على "أخطار المد الشيعى" الإيرانى، وهى فى الواقع أخطار حقيقية عليها أدلة كثيرة، ولكنها لا تمثل الأخطار كلها، بل ربما لا تمثل أخطر ما فى الأزمة الحالية. إننا نستطيع الحد من أى خطر لتمدد شيعى فى المنطقة بجهود شعبية ودعوية ولا نحتاج فى هذا أى تدخل غربى قد يصل إلى الحرب، ولكننا لا نستطيع أن نتحمل عواقب حرب أخرى فى المنطقة فى وقت نتطلع فيه لمرحلة تنمية وبناء بعد ثورات الربيع العربى. إن للولايات المتحدة وإسرائيل أجندتهما الخاصة التى يحاولان جرنا إليها دون النظر فى مصالحنا القومية والإقليمية. إن حربًا جديدة فى المنطقة ستكون ضد مصالحنا على كل الأصعدة، وأخشى أن يعلو ضجيج المد الشيعى الإيرانى بحيث يغطى على ما قد يحاك الآن لقلب المنطقة كلها رأسًا على عقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger