الظروف الملائمة -بحسب ما ذكره الفيصل في مؤتمره الصحفي- تركزت على أربعة محاور، أولها تبديد حالة الاستياء من مواقف أطراف قريبة من الحكومة العراقية تقوم بالتدخل في شؤون مملكة البحرين ودولة الكويت، ثم انفتاح حكومة بغداد على بحث القمة للأساليب التي تمنع تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ثم الموقف من سوريا كحضور للقمة أو كموافقة على تطبيق قرارات الجامعة العربية بحقها، وأخيرا إتمام مشروع المصالحة الوطنية في العراق قبل موعد القمة والتوصل إلى نتائج ملموسة في هذا الشأن. لم تكن تصريحات الفيصل مفاجئة للحكومة العراقية، فقد سبق تلك التصريحات السعودية موقف رسمي إماراتي سلمه وزير خارجيتها عبد الله بن زايد -خلال زيارته الأخيرة لبغداد- إلى رئيس وزراء العراق نوري المالكي، وكانت رسالة الإمارات تقول إن حضورها للقمة مشروط بالتصويت على سحب شرعية الأسد ودعم المعارضة السورية بقرارات من القمة، إضافة إلى قضايا تتعلق بالنشاط السياسي والتعبوي لبعض القوى السياسية الطائفية العراقية في أحداث البحرين والكويت ودول خليجية أخرى من بينها الإمارات. نحن إذن أمام حالة ربما تعتبر غريبة في تاريخ القمم العربية الدورية منها أو الطارئة، سواء في موضوع التمثيل الرسمي لها أو في شروط الحضور والمشاركة فيها من الأصل، كل هذا بسبب وجود هاجس عربي مشترك حول ضعف الحكومة العراقية وعدم بلوغها مرحلة القدرة على اتخاذ القرار والالتزام به، ثم بسبب رئيسي معلوم للجميع يتعلق بعلاقة القوى السياسية النافذة والحاكمة في العراق بإيران، وهذا كله سبب فلتانا أمنيا غامضا جدا في جميع أنحاء العراق باستثناء إقليم كردستان العراق. ورغم الحاجة الكبيرة جدا لعقد القمة العربية نتيجة ما عصف بالوطن العربي من أحداث وتغييرات سياسية وحكومية هائلة، وبقاء مخاطر التغيير قائمة في أكثر من قطر عربي، وحاجة هذا كله إلى قرارات قيادية حكيمة تجمع الأمة على توجهات تقيها شر الفتن والانقلابات غير المحسوبة، رغم ذلك كله، ورغم وجود العديد من التوصيات الاقتصادية والتربوية والاجتماعية المنجزة منذ سنتين وتنتظر إقرار القمة العربية لها، نجد أن إشكالية قمة بغداد تتفوق على ذلك كله، وإن بدا أن دول الخليج العربي تحديدا وصلت إلى قناعة مهمة وخطيرة.
ورغم الإسقاطات السياسية الخليجية على قمة بغداد، تبقى قضية أخرى تشكل عائقا عمليا في موضوع نجاح هذه الدول في إصدار قرارات تتماشى ونهجها السياسي والتعبوي الحالي، هذه القضية ترتبط بدعوة بغداد لكل من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، لحضور القمة باعتبار بلديهما دولتين إقليميتين فاعلتين في الشأن العربي سياسيا واقتصاديا. ولم يكن هناك ضير من مثل هذه الدعوات عندما عقدت قمم سياسية واقتصادية في دول الخليج العربي مثل دولة الكويت ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة، لوجود حكومات ثابتة وراسخة في هذه الدول يمكن لها التعامل بشفافية ورؤية مع جميع الدول، دون أن يؤثر حضورها على استقلالية القرار السياسي فيها، أما مع وجود حكومة عراقية ومليشيات وقوى سياسية وتنظيمات طائفية تتعامل جميعها مع إيران كحليف إستراتيجي ووحيد في المنطقة، فهنا نقع في دائرة المحظور. ولا تعد لاجتماعات القادة العرب أي خصوصية خاصة بالنسبة لدول الخليج، وهاجسها الدائم هو من التدخل الإيراني السلبي في شؤونها، وهذا التصور ليس من واقع افتراضي، بل هو حقيقة تعلمها أجهزة الأمن في دول الخليج العربي، ويعلمها وزراء خارجية وداخلية هذه الدول، وأذكر أنني أجريت لقاء صحفيا مطولا مع مستشار الأمن القومي العراقي في عام 2005 موفق الربيعي -خلال زيارة له للعاصمة الإماراتية أبو ظبي- وكان من أبرز ما قاله في هذا اللقاء "إيران حليفنا الإستراتيجي"! إن العراق بلد مهم ومحوري في الإقليم وفي الشرق الوسط بشكل عام، لكن عدم وجود حكومات حقيقية تقوده منذ ما يناهز عشر سنوات، جعل التعامل معه -وخاصة بالنسبة لدول الخليج- صعبا جدا، وتصوروا أن بلدا مهما مثل العراق ما زال حتى هذه اللحظة عاجزا عن تحديد من يرأس وفده لاجتماعات أي قمة، وما زال الشد والجذب بين الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي حول رئاسة القمة، يمثل شكلا صارخا من أشكال ضعف البناء السياسي للدولة العراقية، فكيف يمكن لدولة يختلف فيها رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية كل حين على قضايا بروتوكولية، أن تحقق لدول الخليج شروط تمثيلها في القمة التي قررت حضورها بكل الظروف؟
وهناك موضوع الأمن، فرغم تصريح وزير خارجية المملكة العربية السعودية بعدم أهميته فإن المالكي وضيوفه سيجدون حرجا كبيرا في تقبل فكرة الاجتماع في بلد لا يكاد يمر يوم فيه دون حوادث أمنية جسيمة، وهو بلا وزير للداخلية أو الدفاع! إضافة طبعا إلى حرج المالكي من الموافقة على قرارات تخص الوضع السوري والرئيس بشار الأسد شخصيا بوجود الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي تعمل حكومته وكافة أجهزتها على دعم وبقاء حكم الأسد في الشام. الخطر كل الخطر أن يتوهم قادة الخليج للحظة واحدة أنهم يمكن أن يغيروا ولاءات حكومة العراق الحالية والكثير من القوى العاملة في العملية السياسية تجاه إيران، وهو ما يستدعي دقة الموقف الخليجي وصعوبته تجاه شعب العراق بكل طوائفه وقومياته وأديانه من جهة، وبين عزل النظام "المُتأيْرن" (التابع لإيران) في بغداد دون مقاطعة القمة التي ستعقد تحت رعايته.
المصدر:الجزيرة
|
الاثنين، 19 مارس 2012
إسقاطات خليجية على قمة بغداد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
التسميات
- اخبار (15)
- اشغال يدوية (22)
- اعادة تدوير للاشياء (10)
- الاعيب المجلس العسكرى (3)
- بسرعة (1)
- تخفيض الوزن والحمية (4)
- تعليم كروشيه (4)
- دين وسياسة (2)
- رسم على الزجاج (2)
- رسم على السيراميك (1)
- سكارف (3)
- صور اعجبتنى (3)
- قالات (1)
- مصر واسرائيل (1)
- مقالات (16)
- موسيقى واغانى (3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق