الجمعة، 20 أبريل 2012

التلاعب بالدين الإسلامي! بقلم عبد الستار قاسم




كل شيء جائز في الدين الإسلامي لدة أعداد غفيرة ممن يصفون أنفسهم بالفقهاء والمفتين. أطلب ما تريد من الفتاوى، وستجد نصوصا تبرر لك ما تريد. هل طلب العلم حرام؟ نعم إنه حرام لأنه لا خير في أمة كثر قراؤها. هل مقاومة الظالم حرام؟ نعم حرام لأن مقاومة الظلم تؤدي إلى الفتنة. هل خروج المرأة إلى الشارع حرام؟ نعم حرام لأن المرأة الطاهرة تخرج من بيتها مرتين في العمر: مرة إلى بيت الزوجية، والأخرى إلى القبر. هل الخيط الذهبي على جلباب المرأة حرام؟ نعم حرام لأنه يلمع فيدل على المرأة. هل الضحك حرام؟ نعم لأنه يجلب الشياطين، والأصل فيك أن تكون مكشرا. وهل الزواج من أربع هو الأصل؟ نعم لأن 80% من سكان الأرض إناث، و20% ذكور. هل دخول القوات الأمريكية الديار المقدسة حلال؟ نعم حلال لأن جنود أمريكا يدافعون عن الذين آمنوا. هل سعر الفائدة حلال؟ نعم لأنه يأخذ من أموال الأغنياء لتوزيعه على الفقراء. هل الزواج من ذكور حلال؟ نعم حلال لأن عليك بالكيس الكيس. هل طاعة الحاكم الخسيس حلال؟ نعم حلال، بل هي واجبة لأن خسته بإرادة الله. وهل يحق للحاكم عمل الفتن وتبذير الأموال؟ نعم لأن الله قد اختاره ليعاقب الناس الضالين. هل الاستقواء بالأجنبي على مسلم حلال؟ نعم حلال لأن الله قد سخر الأجنبي لخدمة مصطفاه من الحكام. هل زيارة القدس تحت حراب الاحتلال حلال؟ نعم حلال، بل هي واجبة لكي تتذكر واجبك بشراء السجاد للمسجد الحرام. هل اتفاقية أوسلو حلال؟ نعم حلال لأن الرسول عليه السلام وقع صلح الحديبية، ولأن منظمة التحرير كانت ستنتصر على إسرائيل مثلما كان المسلمون سينتصرون على قريش لو وقعت حرب في الحديبية. وهل حلال أن ترضع من زميلتك في العمل؟ نعم حلال لكي تصبح أمك في الرضاعة فلا تشتهيها بعد ذلك. وهل السكر حلال؟ نعم حلال لأنه ينسيك هذه الفتاوى.

نحن مبتلون برجال دين لا يعرفون الله، وإن عرفوه لا يعرفون أركان دينه. إنهم جهلة وضيقوا الأفق ومنغلقون لا يرون أبعد من أنوفهم إن كان لهم أنوف. هم جاهزون لمختلف أنواع الفتاوى، ومستعدون لإرسالك إلى الجنة وإلى النار، وأنت وحظك. طبعا ليس كل المتدينين على هذه الشاكلة، فهناك متدينون محترمون واعون، ويتميزون بأفق واسع وسعة الاطلاع والمعرفة، ولديهم الاستعداد للنقاش والجدل المفتوح والتفهم والتفاهم. لكن ما يطفو على السطح هو ذلك النوع الجاهل الجهول الذي يتهاوى تحت أقدام السلطان، أو لا يرى في الدنيا إلا ممارسة الطقوس والانشغال بالغيبيات وتغييب العمل المثمر والتحصيل العلمي.

يأتي مفتي مصر على رأس قائمة أهل السلطان الذين لا يستطيعون رؤية الجهاد كفريضة ويفضل أن يأتي إلى القدس ذليلا تحت حراب العدو الغاصب. إنه لا يدرك أن الجهاد فريضة، وله أولوية على كل الفرائض عندما تقع ديار المسلمين تحت الغزو والاحتلال. وهو لا يدرك أن الجهاد فريضة عندما يتعرض مسلم أو مسلمة للخطر لأن الدم له أولوية على كل الأماكن المقدسة. هذا المفتي أتى إلى فلسطين بأدعية باهتة يأمل من خلالها أن يدحر دبابات العدو بسبب بركته العظيمة التي يظن أن ملائكة السماء تحرسها. وقبله أتى الجفري الذي سار على السنة، حسب قوله، حيث أن الرسول عليه السلام قد زار القدس وهي تحت حكم الروم. وواضح من أقواله أن الملائكة قد وقفت على حواجز الرومان تنتظر الإذن من جنود الروم للمرور، أو أنها ناشدت امبراطور القسطنطينية للسماح بمرور البراق.

كثيرون هم الذين يلوون ذراع الدين، ويبحثون عن قول هنا، وآخر هناك من أجل تبرير أقوالهم وأفعالهم. ومن يبحث حقيقة عن فتاوى تبرر له أعماله سيجد الكثير من الأقوال الغابرة والتي تكتسب صدقية وقدسية بمجرد نسبها إلى أحد الأولياء الذين لا نعلم مدى صلاحهم. وهذا شبيه بالتجربة المسيحية في أوروبا الظلامية التي تجبّر بها رجال دين كاذبون ودجالون ونصابون، والذين طالما بحثوا عن أقوال غير مقدسة لتصبح مقدسة لدى المستمعين. وقد أطاعهم الناس وصدقوا أقوالهم حتى باتوا يشترون مقاعد في الجنة. يود العديد من رجال الدين المتشنجين الجاهلين لو يتمكنون من توزيع الناس الآن على الجنة والنار، فلم الانتظار حتى يوم القيامة، ما دام الرب قد خولهم صلاحيات الحساب؟

وقف جمهور الناس والقساوسة الأوروبيون ضد لوثر عندما دعا الناس إلى عدم الثقة بالقساوسة والرجوع إلى الإنجيل وقراءته. لقد رفضه الناس لأنه رفض أقوال القديسين القساوسة، وفضلوا متاهات القساوسة المضللة على قراءة الإنجيل الذي يؤمنون أنه يضم أقوال المسيح وبعض أفعاله. وواضح عندنا أن الكثير من الناس لا يرغبون بقراءة القرآن ويفضلون الاستناد إلى تعاليم خارج القرآن ومناقضة له في أحيان كثيرة. وهنا يحضرني رفض امراة تصديق آية القرآن التي تقول إن الذين أمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رفضت القرآن لأن رجل الدين قد أفهمها أن الجنة فقط للذين أسلموا وليس للذين آمنوا.

سيظهر عندنا لوثر ما دام بين ظهرانينا مثل هؤلاء الجهلة الذين لا يعرفون الله ولا يتقون. وحتى لا تدور بيننا حروب وفتن، من المهم أن يعود كل منا إلى القرآن الكريم، ويعتبره المرجع الأول الذي تقاس وفقه كل الفتاوى والأقوال. السنة مساندة للقرآن الكريم، لكنها ليست بديلا عنه، وهي المصدر الثاني للتشريع، أما أقوال السلف والأولياء فهي للاستفادة وليس للتشريع. هجر القرآن يفتح المجال أمام فتاوى كثيرة لا علاقة لها بالدين، وهي تساهم في تدمير الأمة وخرابها. القرآن الكريم ليس للجنازات وافتتاح المهرجانات، وليس للتلاوة غير المتدبرة في رمضان، بل هو كتاب مقدس يقول الله فيه: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger