زيارة البابا إلى لبنان تعيد تحديد دور المسيحيين في الشرق
لا يزال اللبنانيون يستذكرون بنوع من الفخر زيارة بابا الفاتيكان
السابق يوحنا بولس الثاني إلى بلادهم قبل خمسة عشر عاما.
كان يومها لبنان لا يزال في فترة ما بعد الحرب الأهلية، يحاول ترميم الدولة
والبناء فيه. احتشدت وفود مسيحية ومسلمة للترحيب به والمشاركة في معظم محطات
الزيارة.اليوم يُطلق البابا الحالي بنديكتوس السادس عشر دعوة مماثلة ولكن لمسيحيي الشرق عموما وليس لبنان فقط.
في زيارته إلى لبنان يوجه دعوة للمسيحيين في مختلف دول المنطقة للتشبث بأرضهم والتعايش مع محيطهم.
إرشاد رسولي لمسيحيي الشرق
وزيارة بابا الفاتيكان هذه إلى لبنان مقررة منذ قبل عامين. إلا ان تطور الأحداث في المنطقة وتغيّر أنظمة ووصول إسلاميين إلى الحكم أكسب التوقيت بعدا سياسيا أكبر.ففي عام ألفين وعشرة التقى مطارنة الشرق في الفاتيكان في ما يُطلق عليه اسم "المجمع الفاتيكاني". طرح يومها المجتمعون رؤاهم لأوضاع المسيحيين في الشرق والتحديات التي يواجهونها والدور الذي يجب أن يضطلعوا به.
وخرج اللقاء بمجموعة من الأفكار العريضة التي جُمعت وطوّرت في نص الإرشاد الرسولي الذي سيوقعه البابا أثناء زيارته للبنان بعنوان "شركة وشهادة".
ويدعو هذا الإرشاد المسيحيين إلى التمسك بأرضهم، وعدم بيع ممتلكاتهم وإلى التعايش مع محيطهم.
"هي دعوة للمسيحيين للتخلص من حالة الإحباط التي يعيشونها، ليتمسكوا بأرضهم وليذكروا أنهم من هذا الشرق وأن لديهم دورا في هذه المنطقة"، كما يقول الأب عبده أبو كسم، المنسق الإعلامي لزيارة البابا إلى لبنان.
"نريد للمسيحيين أن يعوا أنهم مواطنون شركاء في الوطن في الأردن والعراق والفلسطين وسوريا ولبنان وغيرها من الدول".
وفي هذا الإطار، يشدّد البطريرك الماروني بشارة الراعي على أن الزيارة تؤكد أن "مسيحيي الشرق هم مواطنون أصليون وليسوا أقليات".
هذه الدعوات تأتي في ظل قلق لدى بعض المسيحيين من التغييرات التي يشهدها العالم العربي.
"لا شك أن المسيحيين يتخوفون من أن يتكرر ما حصل في العراق في سوريا. نتمنى ألا يحدث ذلك ولكن من يقدّم الضمانات؟ لا أحد قادر في المرحلة الحالية على فعل ذلك"، يشير عصام بشارة، المدير الإقليمي لدى مؤسسة الإغاثة الكاثوليكية للشرق الأدنى.
وإذ ينوّه بشارة بأن المسيحيين يتعرضون كغيرهم في سوريا للعنف والتهجير والقتل، إلا أنه يسأل عن المرحلة المقبلة. ماذا سيحصل بعد ذلك؟ هل سيتمكن من غادروا منازلهم من العودة إليها؟".
من هنا يُمكن قراءة نداء البطريرك الراعي بأن "الربيع الحقيقي في البلدان الشرق أوسطية لا يُمكن ان يتحقق إلا بلقاء حقيقي بين المسيحية والإسلام".
الراعي حذّر من أنه "لا يمكن التكلّم عن الديموقراطية في أنظمة دينية تيوقراطية، ومن أنه لا يمكن أن يتحقق السلام الإجتماعي والسياسي في مثل هذه الأنظمة، لأنها لا تسمح بالحريات العامة ولا تعتمد شرعة حقوق الإنسان".
سلطة الفاتيكان
مجموعة المبادىء والدعوات التي يُطلقها الفاتيكان من خلال الإرشاد الرسولي للشرق الأوسط، تطرح سؤالا حول سلطة الفاتيكان الحقيقية والآليات التي يقترحها لتدعيم وتنفيذ هذه التوصيات."الفاتيكان لا يملك جيوشا. وبالتالي لا يُمكن ان يفرض توصياته ولكنه يبسط نفوذه من خلال بعثاته الدبلوماسية في العالم والأهم من خلال الوجود الفعلي للكنائس والرعيات والمؤسسات الكنسية في مختلف البلدان"، يقول بشارة. ويضيف: "لذلك تعتبر زيارة البابا مهمة جدا لرمزيتها الكبيرة وللدفعة المعنوية المهمة التي تعطيها للمسيحيين في هذه المنطقة".
أما بالنسبة لأهمية الزيارة في تكريس التقارب المسيحي الإسلامي، فيؤكد عباس الحلبي، عضو لجنة الحوار المسيحي الإسلامي على أنه لن يكون من الممكن الخوض في العمق في هذه القضايا أثناء الزيارة.
"في الواقع الوقت المخصص للقاء البابا مع الشخصيات الإسلامية خلال الزيارة لا يتعدى نصف الساعة. وبالتالي فإن اللقاء بروتوكولي إلى حدّ بعيد. ولكن هذا لا يقلل من أهميته. فلا شك أن مجرد تظهير صورة جامعة لرؤساء الطوائف وممثلي الأديان يبث في النفوس روح طمأنينة تنعكس إيجابيا على الأرض".
أما في ما يتعلق بما بعد الزيارة، وبالجهود الحسية لتفعيل بنود الإرشاد الرسولي، تلك الوثيقة الأساسية في رؤية الفاتيكان لدور المسيحيين في الشرق، فذلك متروك للجان ولقاءات واجتماعات تقام على مستوى مختلف الكنائس لتطبيقها حسب الظروف والأوضاع في كل بلد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق