الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

عندما لا تضمن الآليات الديمقراطية الموالاة للغرب

ترافقت الذكرى السنوية الـ11 للهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن بحادث مأساوي جديد يمكن وصفه بحلقة من حلقات مسلسل أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تمثل في مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا وثلاثة موظفين في القنصلية الأمريكية في بنغازي بتاريخ 11/9/2012.

الرئيس المصري محمد مرسي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون© AFP. KHALED DESOUKI20:00 | 2012 / 09 / 15
كتب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"

وتستدعي هذه المصيبة، طبعا، التعبير عن المواساة للجانب الأمريكي، وهذا ما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكذلك الدبلوماسيون الروس، وفي الوقت ذاته لا بد من التوقف والتفكير بهذا الصدد في الطابع الغريب فعلا لمسار التاريخ العالمي، المفعم بالرمزية الغامضة، والذي يتطور بصورة حلزونية بمعنى تكرر نفس الظواهر ولو في سياق دورة تاريخية جديدة.
وقد قال الرئيس بوتين في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" الأسبوع الماضي، لدى انتقاده لتصرفات الغرب في الأزمة السورية: "عندما يريد أحد الوصول إلى نتيجة يعتبرها مثلى، فكالعادة لا يشمئز من استخدام أي وسائل دون أن يفكر في التداعيات المحتملة. وهذا ما حدث بعد دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان عندما دعم شركاؤنا الحاليون حركة "الثوار" هناك وأسسوا، عمليا، "القاعدة" التي وجهت ضرباتها فيما بعد إلى الولايات المتحدة نفسها.
واليوم فهناك من يريد استخدام مقاتلي "القاعدة" والمنظمات المتطرفة الأخرى لتحقيق أهدافه في سوريا. ويمكنه في هذه الحال ببساطة فتح أبواب سجن غوانتانامو وتوجيه كل معتقليه إلى سوريا ليقاتلوا. ولكن لا يجوز نسيان أن هؤلاء "المواطنين" قد يوجِهون ضربة إلى محسنيهم. وأود التأكيد مرة أخرى أن هذه السياسة ليست بعيدة النظر وتؤدي كالعادة إلى عواقب وخيمة".
لقد لجأ الرئيس الروسي إلى استخدام أسلوبه الساخر المحبب، ولكن ما قاله فيه كلام منطقي صائب. ذلك أن الوضع في الشرق الأوسط قد تعقد لدرجة يصعب معها فهم من يقاتل من ومن ينحاز إلى جانب من في المنطقة حاليا. ويأتي مقتل السفير الأمريكي في بنغازي، تلك المدينة التي رحب سكانها بحماسة عارمة قبل سنة ببدء عمليات قصف الأراضي الليبية من قبل سلاح طيران حلف الناتو دلالة واضحة على درجة الارتباك العالي هذه.
يذكر أن هجمات 11 سبتمبر 2001 رغم أنها أصبحت صدمة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة والعالم أجمع، كانت لها نتائج أخرى بالغة الأهمية، إذ بدا للجميع وقتذاك أن هناك خط جبهة جديدا رسم لتوزيع قوى "معادية" و"صديقة" وفق الأدوار والمواقع المخصصة لها من قبل منظرين أمريكيين. ونص الشعار الذي رفعه الرئيس جورج بوش الابن، مرددا ما كان طرحه حزب البلاشفة عام 1917 في روسيا، على أن "من ليس معنا هو ضدنا". وأعاد سيد البيت الأبيض الأمريكي إلى مجال السياسة العملية مظاهر المواجهة من أيام "الحرب الباردة" عندما كان العالم منقسما بين قطبين.
ورسم صناع السياسة الأمريكية خط الجبهة للفصل بين طرفي "الخير" و"الشر"، مبرزين أعداء "العالم الحر" المتمثلين في "الإرهابيين الدوليين" الذين احتضنهم سجن غوانتانامو الأمريكي في جزيرة كوبا. كما ابتدعوا ضد هؤلاء "الأشرار" وسيلة شاملة ألا وهي "الديمقراطية القابلة للنمو ذاتيا" كحالة مثالية. أما في حالات كان ذلك متعذرا لسبب من الأسباب فأجازوا غرسها باستخدام كل الأساليب المتاحة بما في ذلك القسرية منها!
وتجدر الإشارة إلى أن نهج بوش – تشيني – رامسفيلد جرى اعتباره خاطئا بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما إلى سدة الحكم في يناير/كانون الثاني 2009، وانصبت جهوده على التخلص من تركة أسلافه هذه. ولسخرية القدر ترافق ذلك مع الصحوة في الشرق الأوسط عندما طالب جماهير المواطنين بمنحهم "ديمقراطية حقيقية"، مقدمين على الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية بأيديهم أو من خلال تلقي مساعدات خارجية في بعض الحالات. وأسفر هذا التطور المفاجئ عن إسقاط حلفاء الولايات المتحدة الأوفياء في الكفاح ضد الإرهاب بالأمس، بينما استفاد من هذه الثورات الشعبية في حقيقة الأمر أولائك الذين جرى اعتبارهم قبل فترة وجيزة من ذلك "إرهابيين" أو "أعوانا لهم" على الأقل. وجاء قرار واشنطن بعدم التشبث بالرئيس المخلوع حسني مبارك في مصر أو نظيره التونسي زين العابدين بن علي امتزاجا بين الاعتبارات البراغماتية البحتة من جهة، والعقائدية الجامدة، من جهة أخرى. وفيما رأى أصحاب الرؤية البراغماتية في الولايات المتحدة وبشكل صائب أن الأنظمة الأوتوقراطية الآنفة الذكر لا آفاق لها في المستقبل، نصح دعاة الرؤية العقائدية في الموضوع نفسه أن الولايات المتحدة من مصلحتها "الإيديولوجية" (و"البراغماتية" في آن معا) أن تقف في "الجانب الصحيح" من التاريخ أي مع الشعب الثائر هذه المرة!.
وكثيرا ما يتذكرون الآن تجربة أفغانستان من زمن ثمانينات القرن الماضي، عندما عقدت الولايات المتحدة الرهان على المجاهدين في نضالهم المسلح ضد الاتحاد السوفيتي، الذين مهدوا لولادة تنظيم "القاعدة" ليوجه سلاحه ضد حماته السابقين. وهيهات أن تساور أحدا ما أوهام حول احتمال تغيير اتجاه التطور في المنطقة، نظرا لكون معاداة الأمريكان في العالمين العربي والإسلامي ظاهرة شائعة في المجتمع المحلي، ولاسيما في أوساط جماهير الشعب الواسعة التي تشكل الوسط الانتخابي الأساسي، خاصة فقد نمت بذور المواجهة الثقافية الدينية التي تم زرعها في بداية القرن الحادي والعشرين مع انطلاق حملة مكافحة الإرهاب.
ولم يظهر مقابل الإسلاميين الراديكاليين المتعصبين قس شبه مجنون – هو تيري جونز – يحرق نسخة من المصحف الشريف علنا، مستمتعا بثمار فعلته الاستفزازية هذه وحصانته الشخصية بفضل التعديل الأول التاريخي في دستور الولايات المتحدة؟
ومن الملفت للنظر أن محمد الظواهري المقيم في مصر وهو شقيق أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم "القاعدة" عرض في حديث صحفي أدلى به لقناة "الجزيرة" القطرية، على الغرب والولايات المتحدة بالدرجة الأولى عقد اتفاق هدنة لمدة 10 سنوات. ويحمل هذا التصريح دلالة مقنعة ذات أهمية بالغة لكون محمد الظواهري واحدا من المستفيدين المباشرين من "الربيع العربي". لقد أمضى الرجل 14 عاما من فترة عقوبته في السجون المصرية بتهمة تورطه في الأعمال المتطرفة قبل أن تمت تبرئته بصورة نهائية العام الحالي مثله مثل غيره من الأعداء السياسيين للنظام المصري السابق الذي سار في ركاب الولايات المتحدة حتى لحظة سقوطه. واتخذ "الإسلام السياسي" الذي كان من المعتاد، سابقا، مناقشته بالارتباط بظاهرة "القاعدة" وفي سياق التحالف العالمي المناوئ للإرهاب، بعدا جديدا ومغايرا تماما الآن. ذلك أن الإسلاميين يصلون إلى سدة الحكم بطرق شرعية في بلدان عربية مختلفة. ويحكم "الإخوان المسلمون" مصر حكما فعليا بعد أن فرض الرئيس محمد مرسي سيطرته بحزم على الوضع في البلاد دون أن يصبح "رئيسا ديكوريا" في ظل حكم المجلس العسكري. صحيح أن هناك فرقا كبيرا بينه وبين أنصار الشقيقين الظواهري المتطرفين، ولكن هذا الفرق ليس شاسعا كما بينه وبين حسني مبارك. ومن المرجح أن تضيق هذه الهوة مع مرور الوقت من جانبين، أي دمج الإسلاميين الراديكاليين في شؤون الحياة السياسية الاجتماعية، من جهة، وتحول الإسلاميين المعتدلين في اتجاههم، من جهة أخرى، مع شرعنتهم كلهم.
يبقى مفتوحا السؤال حول ما الذي سيفعله الغرب في هذا الظرف؟. علما بأن الديمقراطية كانوا ينظرون إليها دوما هناك باعتبارها شكلا من الحكم يضمن - وبصورة شبه تلقائية - اعتماد التوجهات الموالية للغرب من قبل دول ذات "أنظمة ديمقراطية". أما الآن فقد ينشأ وضع مختلف وغير اعتيادي تماما، أذا تم ربط القيم غير الليبرالية وغير الموالية للغرب بالآليات الديمقراطية لتبديل الحكم، المدعومة من جانب أغلبية المسلمين.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger