الجمعة، 21 سبتمبر 2012

الجمعية التأسيسية والدستور

د. حسن نافعة
 
تنحو معظم الدساتير الحديثة نحو الاهتمام بالتفاصيل ولم تعد تكتفى، مثلما كان عليه الحال من قبل، بتحديد المبادئ والقواعد العامة والمؤسسات والآليات التى تعمل النظم السياسية بمقتضاها.
لذا قد يصل عدد المواد فى بعض الدساتير الحديثة إلى عدة مئات وأحيانا يأخذ الدستور شكل كتاب كامل من القطع المتو
سط، ويبدو أن الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور المصرى الجديد تنحو هذا المنحى وستقوم بكتابة دستور أطول وأكثر تفصيلاً من دستور 1971، غير أن العبرة ليست بطول الدستور أو قصره، وإنما بمدى نجاحه فى خلق آليات فعالة لضبط العلاقة بين السلطات المختلفة بطريقة تمكن النظام الذى يسعى لتأسيسه من العمل بأقصى قدر من الكفاءة، وفى تقديرى أنه يمكن قياس درجة فاعلية أى نظام سياسى بحجم ما يتيحه من مشاركة سياسية للأفراد والجماعات فى عملية صنع القرار، من ناحية، وبقدر ما يكفله من ضمانات لحقوق مواطنيه دون تمييز بينهم، ورغم أهمية كل كلمة ترد فى الدستور، إلا أن الدستور الجيد هو الدستور الذى يحتوى على آليات فعالة تضمن:
تداول السلطة: فأى دستور يسعى لتأسيس نظام ديمقراطى يتعين أن يتضمن مجموعة من المواد التى تحول عملياً دون تمكين نفس الشخص أو الحزب أو التيار من البقاء فى السلطة لفترات طويلة. وإذا كان من المحتم فى أى نظام ديمقراطى رئاسى أن يتضمن الدستور نصاً أو أكثر يضع حداً أقصى للفترة الزمنية التى يجوز فيها لنفس الشخص تولى رئاسة الدولة، فليس من المتصور عملاً أن يتضمن الدستور نصاً يضع حداً أقصى للفترة الزمنية التى يجوز فيها لحزب أو لتيار سياسى معين البقاء فى السلطة، لذا فإن الثقافة السياسية العامة هى الحصن الأخير لمنع احتكار حزب أو تيار سياسى بعينه السلطة لفترات طويلة.
التعددية: فلا يمكن للحياة الديمقراطية أن تزدهر دون مجتمع مدنى قوى، ولا يمكن للمجتمع المدنى أن يزدهر دون تعددية حقيقية، والتعددية الحقيقية لا تتطلب فقط حرية تكوين الأحزاب السياسية وإنما أيضا حرية تشكيل النقابات العمالية والمهنية وقيام الجمعيات الخدمية والإبداعية... إلخ.
التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع كفالة الاستقلال التام للسلطة القضائية، وهناك آليات متعارف عليها لتحديد نطاق وضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على النحو الذى يحول دون طغيان إحداهما على الأخرى، أما استقلال القضاء فيمكن كفالته من خلال تحصين القضاة ووضع ضوابط لتعيينهم ونقلهم وترقيتهم تحت إشراف مجلسهم العالى دون تدخل من جانب أى من السلطتين.
الرقابة والمساءلة: تتضمن الدساتير فى النظم الديمقراطية آليات وأجهزة للرقابة والمساءلة القانونية والسياسية والمالية تخضع لها كل الأجهزة، بما فى ذلك رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء.
حرية ونزاهة الانتخابات: وهى حجر الأساس فى أى نظام ديمقراطى، فما لم تكن هناك آليات تضمن حرية ونزاهة الانتخابات على كل أشكالها ومستوياتها لا يمكن للنظام الديمقراطى أن يعمل وسوف تصاب كل الآليات الأخرى بالشلل، لذا تنحو النظم إلى إنشاء هيئة عليا تتمتع بالاستقلال التام للإشراف على كل أنواع الانتخابات ولديها الموارد البشرية والمادية التى تسمح لها بمباشرة عملها بحرية تامة.
الشفافية وحرية تداول المعلومات: فحرية الحصول على المعلومات وتداولها يجب أن تكون مكفولة بشكل كامل سواء للمواطنين أو لوسائل الإعلام أو للجامعات والمعاهد ومراكز البحوث، ورغم الضرورة القصوى لحماية الأمن الوطنى فإنه لا يجوز اتخاذه ذريعة للتضييق على حرية الحصول على المعلومات وتداولها، لأنها مسألة أساسية لكشف الفساد ومقاومة الاستبداد والارتقاء بالبحث العلمى فى كل الميادين.
فإذا أردت أيها المواطن أن تختبر مستوى جودة مشروع الدستور المصرى فافحص أولا مدى توافر هذه الآليات وقابليتها للعمل بكفاءة، أما الباقى فقد يكون مهما لكنه يندرج تحت بند التفاصيل التى لا يتعين أن ننشغل بها كثيراً فى هذه المرحلة، فحتى الأمور المتعلقة بالعدالة الاجتماعية يمكن ضمانها بشكل أفضل من خلال الآليات السابقة الذكر دونما حاجة لتفاصيل قد تثير من الخلافات أكثر ما تثير من التوافق، حول الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية للنظام السياسى المأمول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger