اختلاق قضية لاجئين يهود لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين
©
كتب عامر راشد
تعدّ قضية اللاجئين الفلسطينيين أهم المكونات الجوهرية للقضية الفلسطينية، وأكثرها تعقيداً ومأساوية، ودليلاً متواصلاً على سياسة تعطيل القرارات والإرادة الدولية الجماعية التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وافتقار نسق الميزان الدولي السائد منذ الحرب العالمية الأولى إلى ترجمة مقولات العدالة الأخلاقية في التطبيقات العملية للقانون الدولي والقرارات الدولية.
وخلال أربعة وستين عاماً من الصراع ظهر جلياً أنه دون حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن بأي شكل من الأشكال التوصل إلى حل للصراع العربي والفلسطيني-الإسرائيلي يكون شاملاً ومتوازناً وقابلاً للحياة، وأن أي حلول تتحايل على حق العودة مصيرها الفشل، إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية الداعمة لها ترفض الانصياع للقانون الدولي فيما يتعلّق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، رغم أن المجتمع الدولي أجمع إلى حد بعيد على تأييد حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتجسّد ذلك في القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، ويجري التأكيد عليه سنوياً في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتصرُّ إسرائيل والولايات المتحدة على شطب حق عودة اللاجئين من أسس تسوية الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وهذا الموقف الإسرائيلي والأميركي لم تفرضه الوقائع الديمغرافية والسياسية اللاحقة للعام 1948 كما يدعي الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي والأميركي، فعشية نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين بتشريدهم من أرضهم الفلسطينية، عيّن ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل لجنة في شهر آب/أغسطس 1948- أوكل لها مهمة منع عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وحشد تأييد دولي لتوطينهم في البلدان المضيفة لهم، وإبعادهم قدر المستطاع عن المناطق القريبة من أراضيهم التي شردوا منها. وفي أكثر من مناسبة أكد بن غوريون أن الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل هو نقل اللاجئين الفلسطينيين من الأردن ولبنان وسورية إلى العراق وتوطينهم هناك.
ولم تتوقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية وإسرائيل، وبعض الدوائر الرسمية العربية المتواطئة معها، عن تقديم مشاريع للإجهاز على قضية اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في بلدان اللجوء أو بلدان أخرى تقبل بتوطينهم، وبلغ عدد مشاريع التوطين أكثر من خمسين مشروعاً.
وشجعت العملية السياسية التي انطلقت في مدريد خريف العام 1991 على إطلاق عدة مشاريع للتوطين، فقد اقترح الدبلوماسي الكندي مارك بيرون رئيس لجنة عمل اللاجئين المنبثقة عن مؤتمر مدريد مشروعاً لـ"شرق أوسط جديد دون لاجئين"، من خلال منح الهوية لمن لا هوية لهم، وتوطين الفلسطينيين في دول اللجوء الحالية بحيث يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والمدنية كاملة. ومثّل شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، كشرط مسبق، أحد العناوين الأبرز التي سعت لها إسرائيل بدعم وضغط من الولايات المتحدة الأميركية، لاستبعاد القرار 194 من أسس العملية التفاوضية.
وفي حين تم الاتفاق على أن المفاوضات على المسارات التفاوضية السورية واللبنانية والأردنية -الإسرائيلية أساسها القراران 242 و338، فُرضت "ورقة الدعوة الأميركية"، التي لا تتطرق من قريب أو بعيد للقرار المذكور، كأساس للمسار التفاوضي الفلسطيني - الإسرائيلي. واستبعد القرار أيضاً من أسس أعمال لجنة اللاجئين في المفاوضات متعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد، وتم رده إلى المباحثات الثنائية الفلسطينية- الإسرائيلية ليصار إلى وضع حل متفق عليه بين الجانبين، وفي خط موازٍ قادت الولايات المتحدة حلفاً دولياً وإقليمياً لإعادة تكييف حق العودة باعتباره قضية إنسانية خالية من أي بعد سياسي أو قانوني، وحلها بإعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين اقتصادياً وتوطينهم في البلدان التي تستضيفهم، وفي حال تعذر ذلك توطينهم في بلدان أخرى.
وحاولت بعض الشخصيات الرسمية في السلطة الفلسطينية إيجاد مقاربات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إعلان وثائق مع شخصيات إسرائيلية غير رسمية، اقترحت فيها مقايضة حق العودة بتنازلات إسرائيلية في ملفات القدس والمستوطنات واللاجئين، إلا أنها لم تلق قبولاً من الجانب الرسمي الإسرائيلي، ومن أبرز هذه الوثائق: "وثيقة أبو مازن - بيلين"، "مشروع سري نسيبة - عامي إيالون"، "وثيقة جنيف - البحر الميت" التي وقعها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين.
وفي العام 2006 سعت مجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية إلى انخراط أميركي مباشر في شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر مشروع قرار يصدر عن الكونغرس، ويقضي بإلزام الإدارات الأميركية بالضغط على الحكومات العربية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، والضغط على الأسرة الدولية لحل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ومعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بواسطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
ما سبق كان الخط الواصل بين كل المقترحات التي طرحت في لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة الأطراف، وكامب ديفيد 2 في تموز/يوليو 2000، ومفاوضات طابا في كانون الثاني/يناير 2001، إلى أن حدثت نقلة نوعية جديدة بالاتجاه السلبي، بوضع "خطة خارطة الطريق الدولية" لقضية اللاجئين الفلسطينيين في سياق العلاقة والمفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وشطب مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات، بما يعني نشوء توافق بين أطراف الرباعية الدولية على نزع الصبغة الوطنية الفلسطينية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، ووضعها في سياق الصراع الإقليمي ليرسي شكل حلها بتوطينهم حيث يقيمون أو إعادة تهجيرهم.
وبُدئ باستعمال مصطلح جديد يعترف بـ"حقوق اللاجئين" وليس بـ"حق العودة للاجئين"، لحصر الحقوق والمعالجات في الحيز الإنساني فقط دون تبعات سياسية أو قانونية، وهذا ما كانت تشترطه إسرائيل دائماً في أي مقاربة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
خطوة جديدة تحضِّر لها الحكومة الإسرائيلية للالتفاف على قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطبها، باختلاق وجود قضية "لاجئين يهود" من البلدان العربية، ووضعها في موازاة قضية اللاجئين الفلسطينيين، لإجراء عملية مقاصة بين (القضيتين). وتستند الخطوة الجديدة إلى ورقة رفعتها إلى نتنياهو قيادة الأمن القومي الإسرائيلي، حول الإستراتيجية الإسرائيلية في مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين، وتقترح فيها "أن تلقي إسرائيل المسؤولية في خلق مشكلة "اللجوء المزدوج" على الجامعة العربية وعلى الدول العربية"، وحسب الورقة نفسها "في كل مفاوضات مستقبلية على التسوية الدائمة ستشدد إسرائيل رغبتها في حل "مشكلتي اللاجئين". وستقترح إسرائيل ألا تكون مسألة اللاجئين اليهود والفلسطينيين جزءاً من المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، بل أن تتم في إطار متعدد الإطراف، بسبب الحاجة لتمويل التعويضات للاجئين. في هذا الإطار سيكون شركاء ممثلو الجامعة العربية والدول العربية وكذا الأسرة الدولية..".ويوصي واضعو الورقة في مسألة حق العودة "بتحديد حسم متساوٍ بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود. بحيث تطالب إسرائيل بالتنازل عن حق العودة للطرفين، لأن حل العودة غير عملي، إذ ليس لـ"اللاجئين اليهود" رغبة أو إمكانية للعودة إلى الدول العربية حيث سيصبحون رهينة أو موضع تمييز".
وفي إجراء عملي وجهت حكومة نتنياهو تعليمات إلى الدبلوماسيين في السفارات الإسرائيلية، حسب ما نقلته صحيفة "هآرتس"، بطرح المشكلة في المحادثات السياسية، وتشجيع الجاليات والمنظمات اليهودية على الاهتمام بها. وبعد أسبوعين، إلى جانب مداولات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ستعقد وزارة الخارجية الإسرائيلية والكونغرس اليهودي العالمي ندوة خاصة عن اللاجئين اليهود من الدول العربية.
لكن فرص نجاح التحرك الإسرائيلي في هذا الميدان معدومة تماماً، فحكومة نتنياهو تشتق هذا التكتيك لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين في ظل تغير البيئة الإقليمية باتجاهات صلّبت المواقف الرسمية العربية بفعل الحراك الشعبي، وما لم تستطع إسرائيل أن تحققه في البيئة السابقة للثورات العربية لن تستطيع تحقيقه مستقبلاً. ولن يعدو التحرك الإسرائيلي وضع المزيد من العثرات في وجه جهود التسوية السياسية للصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق