وطن للأغنياء.. أم وطن للجميع
بقلم ضي رحمي
ربما لا تكون محاولة تهجير سكان رملة بولاق من منطقتهم وتشريدهم لحساب رجال الأعمال هي المرة الأولى لحادثة من مثل هذا القبيل، فلقد سبقتها محاولات سابقة لعل أشهرها محاولة طرد سكان جزيرة "القرصاية" عام 2007 لصالح رجل أعمال سعودي، وطرد سكان جزيرتي "الدهب" والوراق" لصالح رجال أعمال مصريين بغرض استغلال موقع الجزر المتميز على النيل في إقامة مشروعات استثمارية سياحية تدر الملايين على أصحابها. كما أنها ليست المرة الأولى أيضاً التي تستخدم فيها الشرطة العنف المفرط بحق المواطنين السلميين العزّل، فلا يخفى على أحد أن واحداً من أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير هو عنف وبطش الشرطة ولجوءها للتعذيب المنهجي المفرط طيلة حكم مبارك والذي بلغ ذروته أثناء تولي العادلي لوزراة الداخلية.
الأمر ليس بجديد إذن، النظام الرأسمالي يدافع عن وجوده ويستخدم أداته الباطشة التي وجدت خصيصاً لحمايته. العنصر الجديد في الأمر والدرس الذي لم يعيه النظام ولا كلب حراسته الأمين هو البشر، فقراء هذا الوطن. لا يخفى على أحد ممن شاركوا في ثورة يناير الدور الذي قام به أبناء الأحياء الشعبية في وضع حد للشرطة وإجبارها على الانسحاب. وما كان يكتب للثوار الانتصار لولا بسالة وتضحية أبناء مصر الحقيقيين من انكووا بظلم الشرطة ليل نهار.
وإذا كان هذا ينطبق على أبناء الاحياء الشعبية في عموم مصر، فإني أخص بالذكر هنا بسالة أبناء منطقة رملة بولاق منذ يوم 25 يناير وحتى بعد 2 فبراير يوم موقعة الجمل. ما شاهده الثوار بأعينهم هو بطولة وشجاعة وفدائية ليس لها مثيل. في حين كنا نتوارى - نحن أبناء الطبقة الوسطى - خوفاً على حياتنا كانوا هم يتقدمون الصفوف حفاة غير آبهين بالغاز المسيل للدموع ولا بطلقات الخرطوش والرصاص الحي. شباب رملة بولاق هم من ساعدوا الثوار في بناء المتاريس لمنع تقدم الشرطة في شوارع وسط المدينة، شباب رملة بولاق هم من كانوا يفدون الشباب – ولاد الناس – بأرواحهم، شباب رملة بولاق مثلهم مثل شباب مصر الفقراء لم يكن لديهم ما يخسروه.
وبالعودة لرأس المال وبعد أن كسرت أداته الباطشة لم يجد من يلجأ إليه كي يحمي أمواله إلا أبناء الحي، هكذا فعل رجل الأعمال "نجيب ساويرس". لجأ لأبناء رملة بولاق الذي تقع أبراجه السياحية على تخومه أمام النيل مباشرة. وقد كان، حمى "عمرو البني" ورجاله أبراج الرأسمالي أثناء غياب الشرطة في مقابل نظير مادي شهري. ولأن رأسمال دائماً جشع، ولا يقدّر إلا القوي، مع عودة الشرطة للعمل صدر أمر بوقف الرواتب الشهرية. وعندما طالب عمرو بحقه أطلق عليه أحد الضابط المكلفين بحراسة المكان رصاصة إصابته في قدمه وشلت حركته، ورغم هذا لم يكتف فعاجله برصاصة أخرى أصابته في الظهر وتسببت في مصرعه.
وفي أعقاب الحادث، توافد سكان المنطقة على مكان الأبراج وقاموا بقطع طريق الكورنيش احتجاجاً على مقتل عمرو. فكانت الفرصة التي أغتنمتها الرأسمالية والشرطة معاً، الرأسمالية كي تحقق حلمها في تهجير سكان المنطقة وإجبارهم على ترك منازلهم في مقابل مبلغ مادي لكل أسرة. والشرطة سنحت لها الفرصة كي تسترد كرامتها المهدرة ومكانتها السابقة وتثأر من شباب الحي. فشنت حملة قبض عشوائية موسعة على السكان وقبضت على حوالي سبعة عشر شاب وجهت لهم تهم الشروع في السرقة وحيازة أسلحة نارية، وأسلحة بيضاء، وطلقات خرطوش، وقنابل مولوتوف، و25 جركن بنزين، وإحراق عدد من السيارات والتعدي على الضباط.
جاءت شهادات أهالي المنطقة مفزعة، لتوضح مدى العنف الشديد الذي تعمدت الشرطة استخدامه حيالهم، وتواترت الشهادات حول إطلاق النار المكثف بشكل عشوائي بغرض إرهاب سكان المنطقة، واستخدامهم لقنابل الغاز بغزارة وإطلاقها بشكل متعمد داخل البيوت، إلى جانب الإعتداء بالضرب والسب على كل من اعترض طريقيهم غير مفرقين بين رجل أو امرأة أو طفل. وحتى الآن لاتزال الشرطة تمارس الإرهاب بحق سكان منطقة رملة بولاق، ففي فجر يوم السبت 18 أغسطس شهدت المنطقة مداهمة واسعة للمنازل وتم القبض على عدد من الأهالي بلا مبرر ودون إبداء أية أسباب مقبولة. مما يؤكد نية الشرطة في الاستمرار في هذا العنف إلى أن تجبر الأهالي على النزوح من المنطقة.
ولكن كما أن محاولات رجال الأعمال والشرطة تلك ليست جديدة، فإن استبسال وبطولة فقراء الوطن ودفاعهم عن أرضهم أمورٌ ليست خافية على أحد. وعودة الشرطة إلى سابق عهدها ولجوئها للعنف المفرط وسياسة القتل الفوري بغرض الإرهاب لن تجديهم نفعاً، ولن ترد لهم كرامتهم ولن ترجع عقارب الزمن إلى الوراء. نحن على يقين أن ثورة يناير انتزعت رأس النظام وأن ما بقي منه هو الأصعب والأكثر عفناً، لكنهم لم يستوعبوا الدرس جيداً، كلما زاد البطش، كلما زادت المقاومة، وكلما زاد عدد الضحايا وأغرقتنا بحور الدماء، كلما اقتربنا من النصر. وإنا لمنتصرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق