الأربعاء، 29 أغسطس 2012

ارفع رأسك.. أنت يسارى

وائل قنديل

 
يعرف عشاق كرة القدم جيدا أن اليساريين هم فاكهة الملاعب وصناع بهجتها وتفوقها ومنابع السحر فيها، من مارداونا حتى ميسى عالميا، ومن طاهر أبوزيد حتى شيكابالا محليا.. وفى الملعب السياسى من ينسى جيفارا ومن يجرؤ على تجاهل شخصيات من نوعية كمال خليل مؤذن ثورة 25 يناير المصرية.

غير أن مصر تبدو فى هذه اللحظة وكأنها تخلصت من قدمها وساعدها الأيسر، فالفريق الرئاسى المزدحم بأسماء عديدة بين مساعدين ومستشارين يخلو من شخصية من اليسار المصرى، حيث يضم أحد عشر من الإخوان والسلفيين الأقحاح، والنسبة الباقية من أصدقاء الإخوان والمرتبطين معهم بعلاقات على نحو ما.

باختصار، نحن أمام منظومة حكم يمينية ومحافظة بامتياز، تدير بلدا قام بثورة من أجل العدالة الاجتماعية والحرية، والطريف هذا الارتباط الزمنى بين إعلان هذه التشكيلة اليمينية ووصول رئيس الجمهورية إلى الصين «الشعبية» إحدى قلاع اليسار الكبرى فى العالم.

ويلفت النظر أيضا أن هذا الانصراف التام عن اليسار المصرى يأتى لاحقا لهذه الطلعة الإخوانية التى قصف من خلالها عصام العريان اليساريين والليبراليين بقنابل دخان صغيرة تتهمهم بتلقى تمويلات أجنبية، وتسلخهم عن مجتمعهم، وكأنهم مخلوقات غريبة اكتشفت فوق الكوكب المصرى فجأة.. فهل كانت المصادفة وراء هذا الهجوم المباغت، الذى لم يكن له مناسبة أو معنى، أم أنها كانت بمثابة ضربة استباقية تمهد لعزل اليسار عن دوائر الحكم الجديد بشكل قاطع؟

إن أحدا لا يستطيع أن يشطب إسهام اليسار فى صياغة الوجدان المصرى فى القرنين الماضيين بجرة قلم، كما أنه لا يمكن لأحد أن يهيل التراب على الدور الهائل الذى لعبته قوى اليسار «النظيفة» فى تشكيل الوعى المناهض لكل سياسات الاستبداد والتبعية والتغريب والاستقالة من التاريخ والجغرافيا والسياسة التى ضربت مصر منذ أن ألقت بنفسها فى الحضن الأمريكى.

أما عن يسار الثقافة المصرية فحدث ولا حرج، ذلك أن ما تباهى به مصر الأمم من ثروات إبداعية فى القصة والرواية والشعر والمسرح والفكر السياسى، فى معظمه نبع ونبت من تربة يسارية ولود، ولو أسهبت فى رصد أسماء المبدعين من رحل منهم ومن بقى فلن تكفى هذه المساحة ولا أضعافها.

ولا ينكر تأثير اليسار فى الصعود بالغضب الشعبى إلى سدرة 25 يناير إلا جاهل أو جاحد، فضلا عن الموقف الحضارى الوطنى بامتياز الذى سجله طيف واسع من قوى اليسار الثورية فى دعم وصول محمد مرسى إلى سدة الحكم إنقاذا لهذه الثورة من الزوال والابتلاع، فى لحظة بدت فيها كل الجهود الرسمية مكرسة لإنجاح مرشح الثورة المضادة، واستخدمت خلالها أسلحة التفزيع والترويع من خطورة وصول مرشح الإخوان للحكم على الدولة المدنية.

وإجمالا فإن جذور اليسار ضاربة فى الأرض المصرية، وتجليات ذلك واضحة فى الغيطان والمصانع والجامعات والشوارع، لذا كان المنتظر ونحن نتحدث عن شراكة وطنية حقيقية لتحقيق أهداف ثورة العدل الاجتماعى أن يكون بين مكونات التشكيلة الحاكمة فى مصر ملامح يسارية، حتى يستقيم القول مع الفعل.

وأخيرا يقول قانون الوجود إن غياب التنوع هو بداية الطريق إلى العدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger