قرض صندوق النقد الدولي: الرأسمالية التي تلتهم ثروات الشعوب
الأحد 26 اغسطس 2012 - 1:39 مساء
صندوق النقد الدولي هو مؤسسة نقدية عالمية تم إنشاؤه في نهايات الحرب العالمية الثانية في بريتون وودز بأمريكا، بهدف الحفاظ على السياسات المالية والنقدية للنظام الرأسمالي والذى أصبح يتوسع في بلدان العالم الثالث بعد مرحلة الإمبريالية (الاحتلال العسكري لدول العالم الثالث). وأصبح يكوّن مراكز وبؤر إنتاج رأسمالي فيها تقوم على استثمارات هائلة لرؤوس الأموال الأجنبية، بهدف الحصول على العمالة الرخيصة والموارد الخام والتخفيضات الضريبية والتسهيلات الجمركية وتوسيع الأسواق للمنتجات الاجنبية والتي أدت إلى نمو الطبقات البرجوازية المحلية المرتبطة بمصالح الرأسمالية العالمية، وهي في نفس الوقت تشكل البطانة الداخلية للطبقات الحاكمة التي تحمي مصالح النظام العالمي، وذلك بتكثيف استغلال الطبقات العاملة بعنف لزيادة أرباح الشركات الاحتكارية.
تبدأ قصة الصندوق في مصر في عهد جمال عبد الناصر، وذلك عقب فشل النظام الناصري في تحقيق التراكم الرأسمالي عبر استغلال الإنتاج الزراعي واستنزافها لصالح إقامة بنية صناعية تستطيع خلق سوق داخلي كبير يستوعب الإنتاج، وأيضا توسيع قاعدة التصدير لتحقيق تزايد في الاحتياطي النقدي المصري. ولكن فشلت رأسمالية الدولة في تحقيق النمو المطلوب وازداد عجز الموازنة مما أدى بالنظام إلى اتفاق مع الصندوق للحصول على قرض في 1962، وكانت نتيجته تخفيض قيمة الجنيه المصري وتخفيض استثمار الدولة في المشاريع الإنتاجية. وتسببت الأزمة في ازدياد معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وفي النهاية لم يستطع النظام الهروب من دائرة عجز الموازنة، إضافة إلى تراكم فوائد الديون، مما أدى إلى المزيد من الضغط على الطبقة العاملة من أجل الحفاظ على أرباح واستقرار نظام رأسمالية الدولة.
وفي عهد السادات، لم يتم تفكيك القطاع العام للدولة، ولكن ظلت الدولة ممسكة بأدوات الإنتاج الرئيسية في مجال الزراعة والإنتاج الصناعي والبنوك، مع السماح بدخول رأس المال الخاص في العملية الإنتاجية ونشأة البنوك الخاصة والقطاعات الخدمية فيما عرف بـ"سياسة الانفتاح الاقتصادي"، بهدف اجتذاب الاستثمارات الخاصة ورؤوس الأموال الأجنبية لإنقاذ النظام من الأزمة المتراكمة. ولكن لم يستطع النظام إلا اجتذاب استثمارات محدودة جدا وجاءت تسوية معاهدة كامب ديفيد والتحالف مع القطب الأمريكي، واتباع سياسات الرأسمالية العالمية، فتدفقت القروض والمعونات ومع زيادة أسعار البترول وتحويلات العمالة المصرية بالخارج وعائدات قناة السويس. استطاع النظام الطفو على سطح الأزمة ولكن يظل عمق الأزمة موجودا من خلال ازدياد حدة الاستقطاب الاجتماعي وزيادة التضخم وتعميق استغلال الطبقات العاملة في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي.
ومع منتصف الثمانينات، ازدادت الأزمة عمقا مع زيادة أعباء الديون وضغط مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لاسترداد أمواله، وبالتالي عجز النظام عن تمويل الإنتاج الزراعي الذى بدأ في التفكك خاصة القطن المصري، مما أدى بالنظام إلى التخلي عن سياسة التسعيرة الجبرية والتوريد للدولة التي تركت هذا المجال للشركات الخاصة التي زادت من أسعار المستلزمات الزراعية والتكلفة الإنتاجية، مما أسفر عن انهيار التصدير للخارج مع تفكك الاتحاد السوفييتى وانهيار اقتصاديات دول أوروبا الشرقية التى تمثل سوقا مفتوحة للإنتاج الزراعي المصري.
وفي المجال الصناعي، أدى عجز الدولة عن توفير التمويل للقطاع العام الصناعي إلى زيادة أعداد الشركات الخاسرة، وأصبح الطريق الوحيد لإنقاذ الرأسمالية المصرية هو اتباع سياسات الليبرالية الجديدة وخطط إعادة التكييف الهيكلي للاقتصاد وسحب يد الدولة من تغطية الاحتياجات الاجتماعية وتفكيك وبيع القطاع العام للشركات الخاصة وتقليص الإنفاق الحكومي وتقليل عجز الموازنة العامة.
وأصبح واضحا أن البرجوازية المحلية بالاتفاق مع النظام الرأسمالي العالمي يريدان أن يستمر تراكم الأرباح لصالح الشركات الكبرى على حساب الطبقات الفقيرة من العمال والفلاحين.
وهذا ما استمر طوال عهد مبارك وابنه جمال الذي أراد توسيع رأسمالية رجال الأعمال التي دخلت في صلب السلطة مما عرف بحكومة رجال الأعمال، وأدت إلى وقوع أكثر من نصف السكان إلى ما تحت خط الفقر وازدياد حدة المشكلات الاجتماعية وسيطرة الشركات الاحتكارية على السوق المصري. وأصبح الطريق مفتوحا أمام انفجار ثورة شعبية لم تتعدى حدود تغيير أجزاء وقيادات من الطبقة الحاكمة القديمة واستبدالها بالإخوان الذين يستمرون في انتهاج نفس سياسات مبارك وتبني اقتصاد السوق تحت شروط مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
سياسات صندوق النقد الدولي
يتلخص جوهرها في ربط الرأسماليات المحلية في دول العالم الثالث بالنظام العالمي عبر استغلال شامل لكل مقدرات الدول التابعة والشعوب، واستنزاف طاقاتها من العمالة والموارد الخام، وكل التسهيلات الضريبية والجمركية، وفتح الأسواق أمام المنتجات الغربية. وفي ذلك لا تدخر الطبقات الحاكمة وسعا في فرض سياسات التقشف الحكومي والإفقار المطلق للجماهير وإدخال المجتمع في دوامة الإنتاج من أجل زيادة ثروات رجال الأعمال وهيمنة الشركات الكبرى على مجريات حياتنا. وأصبح لسان حال العمال: أنهم يسرقون ليس فقط عرقنا المبذول في عملية الإنتاج ولكن يسرقون أحلامنا في تحقيق الحرية والكرامة، لا يريدون منا إلا استمرارنا ككائنات استهلاكية فقط.
الإخوان واستمرار سياسات الليبرالية الجديدة
جاء الإخوان باعتبارهم البديل الطبقي للنظام الحاكم القديم في عهد مبارك، وفي ذلك يقدمون أنفسهم باعتبارهم المحافظين على استمرار سياسة الاحتكار للشركات المتعدية الجنسيات ومصالح الرأسمالية العالمية، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي ولكن على الصعيد السياسي عبر الحفاظ على اتفاقية السلام مع اسرائيل والحفاظ على هيكلة النظام السياسي المصري وبنيته الإدارية وأعمدته البيروقراطية التي تمثل عصب النظام الرأسمالي المصري.
يسعى الإخوان إلى رفع قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي عبر قرض صندوق النقد الدولي، وذلك لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية وخلق استقرار سياسي ومحاولة تهدئة الأوضاع الاجتماعية التي تزداد سخونة مع استمرار ازدياد التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة.
ولكن هذا القرض لن يستطيع معالجة الأزمة؛ فقيمة القرض لا تتعدى نسبته 25% من قيمة العجز الكلي في الموازنة والذي يبلغ 134 مليار جنيه. كما أن انخفاض الاحتياطي النقدي في البنك المركزى من 30 مليار دولار إلى 15 مليار فقط لا يستطيع القرض أن يغطي هذا العجز في الانخفاض، وبالتالي سيظل ينخفض معدل التصنيف الائتماني العالمي لمصر مما يؤثر سلبيا على البيئة الاقتصادية وعدم صالحيتها لاجتذاب رؤوس أموال أجنبية، وسيظل عمق الأزمة ضاغطا على أنفاس الطبقات الفقيرة التى سيتم تكثيف استغلالها من خلال سياسات تخفيض الأجور وتكثيف الإنتاج (الضغط على العمال لزيادة الإنتاج في اقل وقت) وزيادة ساعات العمل وتقليل التكاليف الإنتاجية وتقليص الدعم المقدم للطبقات الفقيرة وسحب يد الدولة من تقديم الخدمات الاجتماعية.
الإخوان وصعود الحركة العمالية
في ظل استمرار سياسات الليبرالية الجديدة ستنفتح المجالات أمام موجات عارمة من الاحتجاجات الاجتماعية. ومع زيادة تكثيف وجود اليسار الثورى في صفوف الحركات العمالية والفلاحين سوف تنضج التنظيمات الثورية التى تستطيع تطوير ساحة الصراع عبر نشر آليات جديدة، من أهمها ضرورة الإدارة الذاتية للعمال للمصانع والشركات، خصوصا بعد تهديد أصحابها بغلقها والتخلص من العمالة بها. وبالتالي يستطيع العمال تطوير أدواتهم في كفاحهم من أجل تحقيق مطالبهم، وأهمها إقرار الحد الأدنى والأقصى للأجور والتوزيع العادل للثروة والقيام بإنتاج ما يحتاجه المواطن فعليا من احتياجات إنسانية. وهذا هو ما سيطيح بحكم الإخوان الذين لا يمثلون إلا أداة لفرض السياسات الرأسمالية العالمية، وهم في تكوينهم مجموعة من البرجوازية الكبيرة تمثل قيادات الجماعة وتتحالف مع رجال الأعمال أيا كان انتماؤهم للنظام السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق