السبت، 10 نوفمبر 2012

مليونية "التيار الثالث"


محمود سلطان

بعض السياسيين يتحدثون عن "التيار الثالث"، وتحدث حمدين صباحى عن "التيار الشعبى".. وهى فى مجملها تعبيرات عن انطباعات أولية لم تمر عبر اختبار حقيقى لصدقيتها، تشير إلى وجود قوى سياسية كبيرة وذات وزن وثقل جماهيرى كبير وواسع تتبوأ موقعًا "وسطًا" بين القوة الأكبر والأقدم والأكثر تنظيمًا  "الإخوان المسلمين"، وبين القوى والأحزاب الصغيرة المتناثرة والتى توصف بـ"المدنية".
التيار الثالث ـ التيار الشعبى ـ ظل مصطلحًا وليد "الادعاء النخبوى"، واستخدم فى إطار التوظيف الدعائى لـ "الزعامة" فى نسختها الناصرية الجديدة، والتى تبلورت بشكل واضح بعد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وما صاحبها من مفاجآت، حملت "حمدين صباحى" إلى صدارة المشهد السياسى المصرى.
التيار الثالث.. أنتج داخل حضانات التوقعات "المتخيلة".. والتى تكهنت بوجوده استنادًا إلى القراءات التى تعاطت مع نتائج انتخابات الرئاسة، بذات المنطق الذى يعتمد عليه عادة الفكر السياسى المصرى، بالاستناد إلى "المتخيل" وليس إلى "الموضوعى" فى استشراف المستقبل الوطنى.
تأتى مليونية الشريعة يوم أمس الأول 9/11/2012، فى سياق أول اختبار حقيقى لـ"المتخيل"، لتؤكد بأنه توقع "حقيقى" وله حضوره الكبير فى المشهد السياسى والبنى الاجتماعية فى مصر.
لم تكن مفاجأة أن يثمر اختبار التحرير يوم أمس الأول، عن نتائج متسقة مع المزاج العام المصرى، حين اختفى "التيار الثالث" ببعده الناصرى الذى ظل الإعلام اليسارى يسوق له منذ خروج "صباحى" من السباق الرئاسى، بحصيلة "مليونية" ـ من الأصوات ـ كانت صادمة للتيارات الإسلامية.
مليونية الشريعة أثبتت وجود "التيار الثالث" فعلاً، ولكن داخل "الحالة الإسلامية" ذاتها.. فبالرغم من أن الحزبين الكبيرين: الحرية والعدالة "إخوان".. و"النور" السلفى، قاطعا المليونية، إلا أن عشرات الآلاف من الإسلاميين من الجماعة الإسلامية والجهاد وتيار حازم إسماعيل والجبهة السلفية، وغيرهم من التيارات الشبابية المتمردة داخل الإخوان والدعوة السلفية أعادوا الميدان كهيئته يوم تنحى مبارك فى 11فبراير عام 2011.
هذا الخليط الإسلامى، يعبر عن "قوى الثورة" داخل الحالة الإسلامية ذاتها، وربما يكون ممثلاً حقيقيًا لـ"تيار ثالث" غير مرتبط أو على الأقل يملك فضيلة التمرد على "علاقات السلطة" داخل الحزبين الكبيرين: الحرية والعدالة أو النور، سواء كانت سلطة "السمع والطاعة" كما هى فى الإخوان، أو السلطة "المشايخية" داخل الاتجاهات السلفية.. ويحمل رؤى مختلفة محمولة على نزعات تمرد موروثة عن روح الثورة.. وربما يكون مستعدًا للتأطير داخل كيان سياسى جديد ومستقل عن القوى التقليدية والنمطية التى لونت الحالة الإسلامية بلونها المعتاد وفقدت الكثير من "جاذبيتها" مع تعثرها المتواتر مع كل اختبار سياسى تتعرض له.
وأيًا كان الأمر.. فإن مشهد "جمعة الشريعة" كان حاملاً البشارة بوجود تيار ثالث حقيقى.. غير أنه سيظل داخل ذات التيار المتفوق فى الخبرات الخيرية والأهلية والأكثر قربًا ورحمًا من المجتمع المصرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger