الأحد، 3 يونيو 2012

دعاء سلطان تكتب: الفنانون والحنين لزمن الرُّخص الجميل

دعاء سلطان
وكأن الفنانين فى عهد من خلعه شعبه كانوا يعيشون فى واحة حريات وارفة الظلال.. لم تتم جرجرتهم فى المحاكم.. لم تلفق لهم قضايا شذوذ.. لم يتهموا بممارسة الدعارة.. لم تمنع لهم أفلام.. لم يرفض التليفزيون أغانيهم لأسباب، لمخالفتها لقيم المجتمع.. لم يطاردوا بتهم ممارسة الفعل الفاضح فى أفلامهم، ولم «يلبس» أى منهم قضية آداب بسبب مشهد فى فيلم.. لم يحكم عليهم بالجلد ولم يوصموا بالكفر.. كأن الفنانين كانوا أحرارا تماما فى مجتمع حر، حتى إنهم يتحسرون الآن على حريتهم التى سيقتنصها الإسلاميون، بعد أن ذرفوا بدلا من الدموع دما على ازدهار الفن الذى قضت عليه الثورة.

كان مشهد احتشاد الفنانين يوم محاكمة عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان مضحكا بالنسبة لى، تماما كما تضحكنى كلمات عادل إمام عن مواجهته لطيور الظلام وذهابه إلى أسيوط عام 1988 معقل الإرهاب -وقتها- لتحدى الإسلاميين، فقد ذهب الفنان ليعرض مسرحيته فى حراسة ما يزيد على 4000 جندى أمن مركزى وما يقرب من مئتى لواء شرطة ومثلهم من رتب أقل، وكل من حضروا العرض كانوا «مخبرين»، هذه قصة أعرفها من أقاربى فى أسيوط وهم يتندرون بها دوما.

أما لماذا يضحكنى احتشاد الفنانين أمام محكمة يمثل أمامها عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان، لأن نفس هؤلاء الفنانين هم من لم تتحرك لهم ساكنة عندما أهين أقرانهم من الفنانين فى قضايا مماثلة وأكثر قبل الثورة.. إنه الفزع من الإسلاميين يا عزيزى، الذى دفع أغلبهم للارتماء فى أحضان أحمد شفيق الذى يقولون إنه مدنى.

حسنًا.. يخشى الفنانون من الإسلاميين «الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية»، ومخاوفهم لها احترامها ووجاهتها، لأن لها أساسا، فالمعروف أن الإسلاميين يعادون الفن جملة وتفصيلا وإن ادعوا غير ذلك، بل إنهم يوصمون الليبراليين بالكفر، فما بالك بالفنانين، لكن هل هذا مبرر لاختيار أغلب الفنانين للفريق أحمد شفيق رئيسا للجمهورية فى جولة الإعادة؟! ثم هل هذا الاختيار مدعاة للفخر؟!

اختيار أحمد شفيق رئيسا للجمهورية من قبل كثير من الفنانين حق ديمقراطى، طالما أن الخيار الثانى أمامهم هو محمد مرسى «إخوانى التوجه»، وكأن الإخوان سيقضون على السينما أكثر مما قضت عليها سينما شرم الشيخ والسينما النظيفة وسينما الكوميديانات -الذين كانوا جددا- فى الماضى القريب.

ربما سيسحق الإسلاميون الفن فعلًا.. وارد تماما وكل السيناريوهات مطروحة، لكن انتخاب شفيق ليس مدعاة للفخر أبدا وتحديدا للفنانين، فأن يختار الفنانون أن يعيدوا ويستنسخوا نظام مبارك فى صورة «صبيه» شفيق ليس إلا انتحارًا و«خيبة قوية»، ولو كانوا لا يعرفون تبعات هذا الاختيار وجب التنويه، طالما أنهم افتقدوا للذكاء وللإبداع وللياقة، عندما قرروا أن يتحدُّوا ثورة مات فيها من هم أكثر خيالا وإبداعا منهم، ففى عصر مبارك الذى قرر أغلبكم اختيار شفيقه عاش الفنانون أسوأ أيامهم وعانوا من جرح الخلاص من أحط الفضائح وأقذرها، ويبدو أنهم نسوا أنهم كانوا كبش الفداء الأول الذى يلقيه المخلوع للخلاص من أى فضيحة سياسية لنظامه.. كانت فضائحه كثيرة وكان الفنانون أرخص عناصر نظامه وأقلهم قيمة، ويبدو أنهم اشتاقوا وحنوا لزمن الرخص والفضائح.

أعزائى الفنانين فى عصر مبارك الذى قرر أغلبكم اختيار شفيقه رئيسا للجمهورية، تم رفع أول قضية آداب على فنانين لممارستهم الفعل الفاضح فى فيلم سينمائى.. الفيلم هو «للحب قصة أخيرة» إنتاج عام 1984، وتمت جرجرة مخرجه رأفت الميهى ومنتجه حسين القلا وبطليه معالى زايد ويحيى الفخرانى -الذى سينتخب شفيق- فى المحاكم فى قضية آداب.

فى عصر مبارك كان الفنانون الذين يعتقدون أنهم كلما اقتربوا من أحضان السلطة أصبحوا أكثر أمانا، هم أول كبش فداء يضحى به نظام مبارك لصرف النظر عن أى كارثة أخرى يقوم بها، وما زالت الذاكرة تحتفظ بقضية شبكة الدعارة التى تورطت فيها اثنتان من الفنانات ثم تمت تبرئتهما بعد فضحهما بمنتهى البشاعة.. كانت القضية مؤسفة وصاخبة وكانت البراءة سرية لم تمنع أن تلحق بالفنانتين العار حتى الآن.

فى عصر مبارك وبنفس المنطق السابق لفق النظام قضية شذوذ لثلاثة فنانين.. كانت القضية شديدة الصخب أيضا، وانتهت وأغلقت بمنتهى الهدوء والسرية، فقد أدت الغرض منها وصرفت أنظار الناس عن نظام لا يخشى الله فى الناس ويفضح الأعراض بلا ضمير، فقط كى يشغل الناس عن فضائحه.

فى عصر مبارك صدر حكم من محكمة جنح مدينة نصر عام 2002 بجلد المخرجة إيناس الدغيدى 80 جلدة بسبب مشاهد العرى فى فيلمها «مذكرات مراهقة»، واتهمتها المحكمة بالتشجيع على انتشار الرذيلة والفحشاء بين طوائف المجتمع ودعوة الشباب صراحة للعزوف عن الزواج والانخراط فى الحرام.
ملحوظة: «صدر الحكم فى عصر مبارك فعلا وكان حكما مدنيا وكان الإسلاميون إما مطاردين أو مستخدمين من قبل النظام لنشر مثل هذا الفزع»، ولم يقف حتى كومبارس واحد أمام مبنى المحكمة معترضا أو مستاء!

فى عصر مبارك قدم عضو مجلس الشعب مصطفى بكرى -حبيب المجلس العسكرى- عام 2008 طلب إحاطة لوزير التربية والتعليم، مفاده أن الراقصة دينا تساهم فى «انهيار القيم التعليمية والأخلاقية» -جاءت هذه الكلمة نصا فى طلب الإحاطة- وذلك بعد أن رقصت -بدعوة من الطلبة- فى «بروم» مدرسة كوليدج دى لاسال، ولو فعلها أحد الإسلاميين اليوم لاتهم بالتخلف، لكن فى هذا الوقت، لم تكن النخبة قد تحسست من الإسلاميين الذين سيقضون على هوية مصر الفنية والإبداعية! ويومها أجريت أنا حوارا على صفحة كاملة مع دينا أظنه من الحوارات التى يمكن أن نقرأها الآن لنفهم كيف تعامل نظام مبارك مع الفنانين، وكيف استخدمهم للترفيه عن الناس وشغلهم، ثم كيف فضحهم ليخفى بشاعته.

فى عصر مبارك منع السيد صفوت الشريف -وتلك هى المهزلة- أغنيات روبى لارتدائها بدلة رقص وإثارتها للغرائز فى أغنية «انت عارف ليه»، وتم منع أغنية «الليلة دوب» لمصطفى قمر لاحتوائها على رقصات خادشة للحياء، ومنعت أغنية «أجمل إحساس» لإليسا، بسبب المشاهد الساخنة، وتم منع أغنية «أقول أهواك» لهيفاء وهبى، لأنها مثيرة وتظهر فى الكليب الخاص بها وكأنها تستحم، وتم منع أغنيتى «يا سلام» و«أخاصمك آه» لنانسى عجرم، لاحتوائهما على مشاهد غير لائقة!

فى عصر مبارك تمت جرجرة عادل إمام فى المحاكم بسبب تجسيده شخصية محامٍ فى فيلم «الأفوكاتو» بعد أن قدم 150 محاميا دعوى ضد المسؤولين عن تمثيل وإخراج وإنتاج الفيلم وطالبوا بوقف عرضه لتصويره رجال القضاء والمحاماة بصورة غير لائقة مما يسىء إلى سمعة مصر! وبسبب المشاهد غير اللائقة التى يغازل فيها القاضى الشاهدة! وصدر حكم بالحبس على المنتج والمخرج والممثل!

فى عهد مبارك استجاب جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لأول مرة لطلب أسرة مصرية شاهدت الفيلم الأمريكى «American beauty»، واعترضت على أحد مشاهده، فقرر جهاز الرقابة حذف المشهد بعد أن صرح بعرض الفيلم كاملا!

هذه مجرد أمثلة -وغيرها كثير تحفظه الذاكرة- وبالتأكيد يتذكرها أغلب من هم فى سنى عن معاناة الفنانين فى عصر المخلوع، الذى دافع بعض من أهين فيه عنه وعن زمنه، والذين يريد أغلبهم انتخاب أحمد شفيق رئيسا للجمهورية، رغم أن بعضهم أضير فيه ضررا لا يداويه الزمن واختبر فساده هو وأهل بيته بنفسه، وكأنهم يريدون أن يعيشوا فى أحضان سلطة فاضحة استخدمت الإسلاميين والقضاء والأمن والصحافة لتعريتهم إنسانيا، وتدجينهم فنيا.

بعض الفنانين الذين فضحهم مبارك ونظامه، وأغلب الوسط الفنى يرغب فى انتخاب الفريق شفيق لأنه مدنى سيحافظ على فنهم وعلى حياتهم.. فقط نتمنى أن يحافظ الفريق عليكم كما فعل مبارك، وهذا عقاب يستحقه العبيد، وليحفظ الله المبدعين الحقيقيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger