وجهة نظر: إلى أي أنواع القوى العظمى تنتمي الصين؟
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريراً مطولاً أمس الأحد تحت عنوان "وجهة نظر: إلى أي أنواع القوى العظمى تنتمي الصين؟" للخبير الاقتصادي مارتن جاك يتحدث فيه عن القوة الاقتصادية المتنامية للصين أكبر دول العالم من حيث السكان.
ويقول "جاك" إن الصين تخطو حالياً خطوات تفضي إلى طريق يجعلها إحدى القوى العظمى، لكنها في واقع الأمر ليست على الدرب الذي قد يتوقعه الكثيرون.
وتعيش بكين هذه الأيام حالة من الجدل الايجابي، وإن كانت على الأرجح لا تمتلك الديمقراطية ذات الطابع الغربي، لكنها حالياً تضم أهم المناقشات وأمتعها في العالم.
فخلال الحديث أمام جمهور من شباب الدبلوماسيين الصينيين في وزارة الخارجية الصينية قبل عام، ظهر واضحاً للعيان جدل دائر انطوى على أهمية نوع السياسة الخارجية المناسبة التي ربما تجعل الصين قوة عظمى.
إذا ما هي ملامح الصين كقوة عظمى؟ ربما يخالجك اعتقاد بأنها فعلاً كذلك، وربما لا.
تعد القوة العسكرية لدى الصين ضعيفة مقارنة بالولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تملك فيه الولايات المتحدة 11 حاملة طائرات، نجد أن الصين أدخلت في الخدمة العسكرية مؤخراً قبل شهر حاملة طائرات أوكرانية.
كما أن نفوذها السياسي العالمي مازال محدوداً للغاية.
ولا تبرز أي دلائل تشير إلى تمتع الصين بخصيصة القوة العظمى سوى نفوذها الاقتصادي، فهو بالفعل اقتصاد يتجاوز نصف حجم الاقتصاد الأمريكي وثمة توقعات في أن يتفوق هذا الاقتصاد بحلول العام 2018، على الرغم من تراجع معدل النمو الاقتصادي بواقع 7 في المئة، لكن فيما يتعلق بالتكنولوجيا ومستويات المعيشة، تتراجع الصين في ذلك مقارنة بالولايات المتحدة.
لذا عندما نتحدث عن الصين كقوة عظمى، فنحن نتحدث عن المستقبل.
تصور خاطئ
عندما تثار فكرة الصين كقوة عظمى، تبرز في الأذهان مماثلة وضعيتها بالولايات المتحدة، وهذا تصور خاطئ لأنها ليست ديمقراطية، ولديها حكومة شيوعية كما أن شعبها ليس كالشعوب الأخرى.
ينبغي في حقيقية الأمر ألا نتوقع تصرف الصين بالطريقة نفسها التي تتصرف بها الولايات المتحدة، فالطريقة مختلفة تماماً. كما لا ينبغي افتراض أنه من الضروري أن تكون هذه الفكرة سيئة.
لماذا تبدو الفكرة مختلفة؟ الإجابة تكمن في أن التاريخ مختلف. فالمقالات التي تتناول تنامي الوجود الصيني في إفريقيا – فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار، تتحدث دوما عن "استعمار جديد".
ومع الأخذ في الاعتبار الجهل التاريخي، يتضح أن الصين لم يسبق واحتلت قط أي أراضي في الخارج، فالإمبراطوريات الخارجية كانت خصيصة أوروبية، وقد انتهجت اليابان هذا النهج لفترة قصيرة.
كان من الممكن أن تحتل الصين منطقة جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، في أوائل القرن الخامس عشر. كانت لديها الموارد، ولديها السفن الهائلة أكبر بكثير مقارنة بما كانت تمتلكه الدول الأوروبية في ذلك الوقت، لكنها لم تفعل.
هذا لا يعني بالضرورة أن الصين تجاهلت جيرانها، بل على النقيض لقد بسطت الصين نفوذها لقرون عديدة نتيجة حجمها وما تتمتع به من مستويات تنمية متقدمة.
كما أن علاقة الصين مع هذه الدول لم تتأسس على الاستعمار بل على ما نعرفه حالياً باسم نظام التبعية.
والصين لم تحكم الدول ولم تحتلها، بل في مقابل إتاحة فرصة دخول الأسواق الصينية والتمتع بأشكال الحماية الأخرى، كان لزاماً على حكام الدول التابعة تقديم الهدايا -أو بالمعنى الحرف رمز التبعية- للإمبراطور كعرفان رمزي للتفوق الصيني.
وتألف نظام التبعية مما نعرفه اليوم بشرق آسيا، التي تضم ثلث سكان العالم، وامتدت من اليابان وكوريا إلى شبه جزيرة ماليزيا ومناطق في إندونيسيا.
وأثبت إتباع هذا النظام استقراراً دام لنحو ألفي عام وانتهى العمل به حوالي العام 1900.
الغرب والصين
يشترك الغرب والصين في خصائص مهمة، فكلاهما يعتقد أنه عالمي ونموذج للدول الأخرى. غير أن الأسلوب الذي يفسرون به ذلك من الناحية العملية مختلف تماماً. فبالنسبة لأوروبا، وحديثاً الولايات المتحدة، كان الأمر يعني بسط نفوذها في شتى أرجاء العالم، كان ذلك على وجه الخصوص خلال أوج فترة الاستعمار في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، عندما وجدت منطقة كبيرة في العالم نفسها تحت الحكم الأوروبي.
وعلى النقيض من ذلك، فضل الصينيون البقاء داخل حدود دولتهم. واعتقدوا أن المملكة الوسطى، وهو الاسم القديم للصين، والذين يعني حرفياً مركز العالم، هو أعلى أشكال الحضارة. لذا لما الخروج إلى ظلال البربرية المظلمة؟.
لم تترك الرحلات السبع التي قام بها تشينغ خه بين العامين 1405 و1433 في شرق وجنوب الصين وفي أرجاء المحيط الهندي حتى شرق إفريقيا أي اثر بارز، حيث كانت معنية بإبراز مجد المملكة الوسطى وليس الرغبة في تحقيق فتوحات. فهؤلاء الذين تركوا الصين للاستقرار في جنوب شرق آسيا كان ينظر إليهم كأنهم يتركون الحضارة، وعليه فهم لا يستحقون دعماً أو حماية من الإمبراطور.
وبمقارنة ذلك مع الطريقة التي تحتفل بها بريطانيا وفرنسا بإبطال التوسع الاستعماري لديها، نجد أن المدن في الغرب تزخر بالتماثيل كما تخلد أسماء الشوارع ذكراهم.
هناك أيضاً سبب آخر يتعلق بسبب بقاء الصينيين داخل حدودهم، فالبلاد شاسعة ومتنوعة ويصعب حكمها للغاية. فلقد كان الشغل الشاغل لحكامها على مدار العصور هي كيفية الحفاظ على استتباب النظام والاستقرار ومن ثم البقاء في السلطة، وهي حقيقية تظهر جلياً وقت وقتنا الراهن.
وبدلاً من النظر إلى خارج حدودها، كان يهتم القادة الصينيون بالنظر إلى داخل حدودهم. فقد اقتصر التوسع الصيني على القارة الآسيوية، بدلاً من الانطلاق في أركان العالم.
وأبرز مثال على ذلك هو اتجاه أسرة تشينغ الحاكمة في منتصف القرن السابع عشر إلى أقصى الغرب من خلال سلسلة من الحروب الدموية والوحشية، لمضاعفة حجم الصين من الناحية المادية.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال، وماذا يهم في ذلك؟ هل يطلعنا هذا التاريخ عن كيفية الطريقة التي ربما تتصرف بها الصين كقوة عالمية عظمى؟.
ونقول إن أوروبا تاريخياً كانت قارة عدوانية تتسم بنزعة توسعية. انطوى تاريخها على حروب لا نهائية انتقلت بعد ذلك إلى مستويات عالمية خلال التوسع الاستعماري والحرب العالمية.
وليس من الصعب تحديد كيف اكتسبت الولايات المتحدة، التي هي في حد ذاتها نتاج التوسع الأوروبي الخارجي وإحدى مستوطناتها من أوروبا.
فالصين ليست كهذه الصورة، ليس في شريطها الوراثي، حيث أن حكامها أقل اهتماماً من حيث السعي للهيمنة على بقية العالم وبسط نفوذها للبقاء في السلطة. هذه هي طريقة حكم بلد تضم خُمس سكان العالم.
فعندما يتولى شي جين بينغ قيادة الصين الشهر المقبل ليخلف الرئيس الصيني الحالي هو جين تاو، سيعتبر الأمر كليا قضية داخلية وليست خارجية.
عاجلاً أم آجلاً ستتمتع الصين بكونها قوة عظمى هائلة، إن الشكل الرمزي للقوى الغربية شكل عسكري، وبصورة استثنائية يعال على الولايات المتحدة اليوم إنفاق نحو نصف نفقات الدفاع العالمي.
في الماضي كان التوسع الاستعماري الأوروبي ممكنا فقط نتيجة تفوق قدرتها العسكرية على نحو هائل على بقية دول العالم.
وهذا النوع من القوة العسكرية المتعجرفة لم تكن على الإطلاق من الخصائص الصينية.
القوة الصينية
فضلاً عن ذلك، فإن الأشكال الجوهرية للقوة الصينية ستكون متمثلة في الاقتصاد والثقافة. وبمرور الوقت، ستغدو القوة الاقتصادية الصينية، مع حجم سكانها الحالي، عظيمة وأكثر قوة من النفوذ الاقتصادي الأمريكي في أوج عظمته.
وعلى الرغم من أن مستواها التنموي منخفض في الوقت الحالي، إلا أن الصين تعتبر الشريك التجاري الرئيسي للعديد من الدول حول العالم. كما أن قوتها الاقتصادية تتلازم مع تكافؤ قوتها السياسية ونفوذها. وسيمكن للصين، إذا ما أرادت، أن تطوع العديد من الدول الأخرى لها.
كما أن القوة الثقافية ستكون هامة للصينيين أيضاً.
حيث إن الصين تتمتع بحضارة عظيمة استمرت لقرون. فعلى سبيل المثال، وتحت حكم مملكة تانغ بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين، ومملكة سونغ بين القرنين العاشر والثالث عشر، شهدت الصين مظاهر عظيمة للتقدم في المجالات المختلفة، من الأحياء والهندسة الهيدروليكية وحتى الهندسة المعمارية والطب والرياضيات وفن رسم الخرائط.
ويفتخر الصينيون جداً بإنجازاتهم التاريخية، كما يعتقدون أن حضارتهم هي أعظم حضارة عرفها التاريخ.
كما أن لديهم قناعة قوية بأن أصالة تفوقهم تمتد جذورها في أعماق التاريخ. فهم يرون الصين دائماً في القمة، ويعزز ذلك صعود الصين في الفترة الأخيرة.
كما أنهم ينتظرون بترقب صعودهم الحقيقي. حيث تنتشر القصة المعروفة التي وقعت عام 1972، عندما وجه هنري كسينجر سؤالاً لرئيس وزراء الصين السابق "تشو إن لاي" حول رؤيته للثورة الفرنسية. وكان رد "تشو" إنه "من المبكر أن نعرف ذلك".
فنظرة الصينيين لعامل الوقت تختلف تماماً عن نظرة الغربيين لها، حيث إن نظرة الأمريكيين تقتصر على المدى القريب. بينما تمتد نظرة الصينيين لآفاق بعيدة، فالقرن لا يعتبر عندهم وقتاً كبيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق